قبل حوالي 14 سنة، ومع دخول الاقتصاد الأميركي في الأزمة المالية العالمية لعام 2008، كان اليورو الواحد يساوي 1.6 ضعف الدولار.

حالياً، وتحت ضغط مزيج من العوامل في مقدمتها الأزمة الروسية الأوكرانية وتأخر البنك المركزي الأوروبي في رفع أسعار الفائدة من أجل مواجهة التضخم، انخفض اليورو مقتربا من نسبة التعادل مع الدولار الأميركي (أي نسبة 1: 1 مع الدولار)، وذلك للمرة منذ عام 2002.

الدولار القوي لم يهزم فقط اليورو، ولكنه ارتفع أيضا أمام الين الياباني لأعلى مستوى منذ 24 عاما، وذلك بعد أن عززت مخاوف النمو العالمي الدولار كملاذ آمن على نطاق أوسع.

أوروبا هي الأكثر معاناة من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أشعلت فتيل أزمة طاقة تكوي القارة الأوروبية، ويمكن أن تؤدي إلى ركود طويل وعميق، بحسب تقرير تحليلي من "بلومبرغ".

يضع ذلك البنك المركزي الأوروبي في موقف صعب - في محاولة للحد من التضخم وتخفيف الاقتصاد المتباطئ - حيث يهدف إلى زيادة تكاليف الاقتراض لأول مرة منذ عام 2011. وفي الوقت نفسه، يقوم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة بشكل أسرع، من منطقة اليورو التي تضم 19 دولة. وهذا يجعل العوائد على سندات الخزانة الأميركية أعلى من عوائد ديون أوروبا، مما يدفع المستثمرين إلى الدولار والابتعاد عن اليورو.

علاوة على ذلك، يستفيد الدولار من وضعه كملاذ، مما يعني أنه مع استمرار الحرب وتفاقم التداعيات، يستمر اليورو في الانزلاق.

على مدار سنوات مضت، كان صانعو السياسة الأوروبية يرحبون بضعف العملة كوسيلة لتحفيز النمو الاقتصادي، لأنه يجعل صادرات الكتلة أكثر قدرة على المنافسة. لكن الآن، مع ارتفاع التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياته منذ بدء مثل هذه الأرقام القياسية، فإن ضعف العملة لم يعد مرغوبا فيه لأنه يعزز ارتفاعات الأسعار بجعل الواردات أكثر تكلفة.

في يونيو الماضي ، قفزت أسعار المستهلكين في منطقة اليورو 8.6 بالمئة عن العام السابق. وسلط بعض صانعي السياسة النقدية الضوء على ضعف اليورو باعتباره خطرا على هدف البنك المركزي لإعادة التضخم إلى 2 بالمئة على المدى المتوسط.

إنها عتبة نفسية مهمة للسوق. كانت المرة الأولى التي انخفض فيها اليورو إلى مستوى التكافؤ مع الدولار في ديسمبر 1999، قبل أن يمر عام على إنشائه، وهو ما كان يعتبر ضربة لفخر الأوروبيين، الذين رأوا العملة الموحدة مشروعا سياسيا مهما ومنافسا للدولار المهيمن.

اليوم ، يعتبر اليورو أحد العملات الرئيسية في العالم للمعاملات والاحتياطيات، وعلى الرغم من أن تحقيق التكافؤ لا يزال رمزيا. بالنسبة للأسواق المالية، يتوقع متداولو العملات حدوث اضطراب حول مستوى 1: 1 بالنظر إلى أن رهانات الخيارات بمليارات اليورو مرتبطة بهذا الخط الكبير في الرمال.

ولا يزال من الصعب تحديد القاع الذي من الممكن أن يصل إليه اليورو أمام الدولار، لكن هناك محللون توقعوا أن العملة الموحدة قد تنخفض إلى 90 سنتا أميركيا إذا صعّدت روسيا الأزمة من خلال حجب المزيد من إمدادات الغاز عن أوروبا. ومنذ بداية شهر يوليو، كان متداولو الخيارات يضعون المزيد من الرهانات حول المستوى 0.95 دولار، مع احتمال أن يكون 0.9850 دولار بمثابة قاع قصير الأجل.

ويرى الخبراء الاستراتيجيين في دويتشه بنك، أن الانزلاق إلى 0.95 دولار - 0.97 دولار سيتطابق مع الحدود القصوى التي شوهدت في أسعار الصرف منذ نهاية العام 1971 وفق ما يسمى بنظام "بريتون وودز"، والذي ربط قيمة العديد من العملات بالدولار الأميركي. وقالوا إنه لا يزال من الممكن الوصول إلى هذه المستويات في حال حدوث ركود.

ينعقد الأمل في ارتفاع سعر صرف اليورو على تضييق فارق أسعار الفائدة مع أسواق السندات العالمية الأخرى. إذ أنه في الوقت الذي رفع فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 150 نقطة أساس في ثلاثة أشهر فقط، لم يكن البنك المركزي الأوروبي قد تحرك بعد، مع الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي سلبيا.

ويتجه المركزي الأوروبي لرفع الفائدة في يوليو الجاري، لكن هناك شكوك حول المدة التي يمكنهم تحملها مع أسعار فائدة مرتفعة، حيث أن رفع أسعار الفائدة أصعب بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي من البنوك المركزية الأخرى، وذلك لأن تكاليف الاقتراض لدول منطقة اليورو المثقلة بالديون تخاطر بالخروج عن نطاق السيطرة إذا بدأ المستثمرون في التشكيك في قدرتهم على تحمل أعباء الديون.

فبمجرد تلميح صانعي السياسة إلى أنهم كانوا يخططون لتشديد السياسة بشكل أسرع مما توقعه البعض في يونيو أدى ذلك إلى ارتفاع عائد السندات الإيطالية لمدة 10 سنوات إلى ما يزيد على 4٪ لأول مرة منذ عام 2014.

وعلى الرغم من هذه الضغوط على اليورو فإنها لا تمثل أزمة وجودية لعملة منطقة اليورو، التي واجهت تحديات قبل ذلك مثل أزمة الديون السيادية في عام 2012، حيث بدأ المستثمرون في تجنب أصول البلدان المثقلة بالديون مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا.