* صادق عبدالرسول

ازداد الحديث عن الرقمنة والتحول الرقمي والاقتصاد الرقمي كثيراً في السنوات الأخيرة، ونرى بشكل جلي بروز مبادرات لأجل ما يعرف بـ«الاستدامة الرقمية»، وسارعت دول الخليج إلى تحديث وتطوير الأسس القانونية والتشريعية ذات الصلة بالرقمة وتطوير البنية التحتية الرقمية ووضع خطط رقمنة شاملة تدعم التحول الرقمي للحكومات والمؤسسات والشركات وحتى الأفراد.

ونرى على سبيل المثال معالم بارزة على طريق التحول الرقمي في البحرين، من بينها تبني سياسة «السحابة أولاً»، والبيئة الرقابية التجريبية التي أطلقها مصرف البحرين المركزي في خليج البحرين للتكنولوجيا، كما تشهد الإمارات العربية المتحدة مشاريع رقمية نوعية واحداً تلو الآخر كمبادرة «الجيل التالي» العالمية التي تستهدف استقطاب 300 شركة تقنية من الأفضل في العالم، وفي المملكة العربية السعودية هناك مشروع «نيوم» الذي يلوح في الأفق كأول مدينة رقمية ذكية في العالم، وغيرها من جهود هذه الدول من أجل احتضان تقنيات كالذكاء الاصطناعي، ونظم المعلومات، والبرمجيات، والأمن السيبراني.

ويستند الاقتصاد الرقمي في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ألغت كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال من وإلى أي نقطة في العالم، وفي أي وقت.

ولقياس حجم الإقبال والتعاطي مع الاقتصاد الرقمي، ظهرت مجموعة من المقاييس كمؤشر المهارات التقنية والرقمية، مؤشر قوة العمل وغيرها، وهي ما يتم قياسه بعدة أوجه كحجم المعاملات الرقمية وحصة التجارة الرقمية واستخدام الإنترنت، إضافة إلى ما يتم طرحه من برامج ومبادرات في هذا المجال، ولابد من الإشارة هنا إلى حلول مملكة البحرين في المركز الرابع عالمياً في مؤشر الاقتصاد الرقمي العربي.

لكن بالمقابل مازلنا نرى عزوف الكثير من الحكومات وأصحاب القرار وصانعي السياسات عن هذا التحول أو محاولة الحد منه، وحين طرح الاتحاد العربي للاقتصاد العربي برنامج «المبادرات الخمس للرؤية العربية» كان هناك الكثير من التصفيق والقليل من التطبيق، وهنا السؤال يكمن في هل نحن مكتفون بالاقتصاد البترولي والخدماتي والسياحي أو هنالك مصالح أكبر من ذلك تبقي هذا الملف بين السندان والمطرقة؟

وسبق أن أعلنت جامعة الدول العربية في عام 2018 بالتعاون مع مجلس الوحدة الاقتصادية العربية عن إطلاق الرؤية الاستراتيجية العربية المشتركة للاقتصاد الرقمي، لتكون دليلاً لدفع عجلة التنمية الاقتصادية في العصر الرقمي، وبناء اقتصاد رقمي نابض بالحياة بوصفه المحرك الأساسي نحو مستقبل مستدام وشامل وآمن للعالم العربي.

المؤشرات والبوادر تدل على أن هذا الإعلان وهذه الرؤية ستضيع في النقاشات والاجتماعات واللجان على مختلف المستويات، لتنتهي إلى نفس المصير الذي انتهت إليه مشاريع عربية مشتركة انطلقت من جامعة الدول العربية مثل الوحدة النقدية العربية والسوق العربية المشتركة.

لذلك، ربما يكون من الأجدر بنا، نحن الشباب العربي المشتغلين في مجال الاقتصاد الرقمي، أن نستثمر معارفنا وخبراتنا وأدواتنا من أجل تعزيز هذه المفاهيم والإشادة بها وتطبيقها في مختلف قطاعات الحياة، كم جميل أن نرى ترويج للمنتجات السودانية على منصات يصنعها شباب أردنيون لتباع في السوق الخليجي، وهكذا.

هذا الحراك من شأنه أن يسهم في بناء اقتصاد رقمي يحقق تنمية عربية، اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة، ويسهم في رقمنة عالية في مختلف القطاعات مثل الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها، ويمكنني التأكيد من خلال مشاركاتي الدورية في مؤتمرات رقمية خارج البحرين وجود رغبة لدى الشباب العربي من خبراء التحول الرقمي بخدمة دولهم العربية ككتلة واحدة، وتحقيق نهضة رقمية.

* خبير تحول رقمي