سكاي نيوز عربيةاشتد الجدل في المجتمع الأميركي بين صانعي السياسات حول موضوع رفع سقف الدين الأميركي أو تعليقه، وما يترتب على ذلك من تداعيات لا شك أنها سوف تنعكس على الاقتصاد الأميركي والمواطنين، وأخيراً على الاقتصاد العالمي، لكن السؤال الذي بات يتردد كثيراً من قبل المحللين والخبراء والمهتمين .. ماذا لو تجاهلت الحكومة الأميركية أو تخطت سقف الدين؟هذا التساؤل جاء في أعقاب السيناريوهات المتوقعة لمواجهة ملف الديون الأميركية، والتي طرحها المحلل السياسي الأميركي، ديكون حياة، ومن ضمنها أن يقرر رئيس الولايات المتحدة جو بايدن تحدي الكونغرس ويأمر وزارة الخزانة بتجاهل حد الدين، وإقامة قضية محتملة عالية المخاطر في المحكمة العليا.وعلى الرغم من أن العالم تعوّد على الجدل الذي يدور بين البيت الأبيض والكونغرس حول ملف الديون الأميركية في غير مرة، إلا أن حدة الخلافات تتصاعد هذا العام بينهما بشأن الحد الأقصى لسقف الدين، إذ تسعى إدارة بايدن لرفعه، فيما يسعى الجمهوريون الذين يحظون بالأغلبية في مجلس النواب إلى ربط الموافقة على رفعه بتخفيضات في الإنفاق الحكومي، ما دفع وزيرة الخزانة، جانيت يلين، من التحذير بأن الولايات المتحدة مهددة بالتخلف عن سداد ديونها بحلول يونيو المقبل في حين قابل بايدن هذا التحذير بدعوة القادة الأربعة الكبار داخل الكونغرس، إلى اجتماع عاجل سيعقد الأسبوع المقبل.ماذا يقصد بسقف الدين الأميركي؟يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي أن سقف الدين الأمريكي هو المبلغ الإجمالي للأموال التي يحق للحكومة الأميركية اقتراضها للوفاء بالتزاماتها الحالية، مثل مدفوعات الضمان الاجتماعي، واسترداد الضرائب، وفوائد الدين الحكومي، والدفاع الوطني، ويشير إلى أن الجدل ينشأ حول الفرق بين الدين الحكومي والعجز أو العجز في الميزانية السنوية، فقد يتجاوز الإنفاق السنوي الإيرادات السنوية ما يحدث عجزاً في الميزانية، وهنا تعمل الحكومة على إصدار ديون – أذون خزانة وأوراق مالية وسندات – بهدف جمع الأموال لتتمكن من أداء أعمالها والتزاماتها، مع الإشارة إلى أنه قبل عام 1917 لم يكن هناك ما يسمى سقف الدين.لماذا يشكل سقف الدين الأميركي معضلة الآن؟أعلنت وزيرة الخزانة الأميركية أن ديون أميركا وصلت إلى الحد القانوني، إذ بلغت في 19 يناير الماضي سقف الدين الذي حدده الكونغرس عند 31.4 تريليون دولار ما يعادل 130 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة 11 بالمئة من حجم الدين العالمي البالغ 303 تريليونات دولار، ولذلك ستلجأ إلى استخدام إجراءات استثنائية لإدارة السيولة النقدية وإدارة الديون لتجنب التخلف عن السداد، طبقاً لما قاله الدكتور الشناوي.ويضيف الخبير الاقتصادي الشناوي: "لكن ستكون إجراءات وزارة الخزانة مؤقتة وتتصف بعدم اليقين ولذلك يتوجب على الكونغرس إما تعليق سقف الدين أو رفعه في الفترة ما بين يوليو إلى سبتمبر من عام 2023 حتى تتمكن الحكومة الأميركية من اقتراض الأموال التي تسد احتياجاتها، وأرى أنه يجب على الكونغرس تخطي سقف الدين نظراً لأن الفشل في رفع سقف الدين قد يؤدي إلى آثار كارثية على الاقتصاد الأميركي والبرامج المختلفة للحكومة الفيدرالية".تأثير تخطي سقف الدين على الاقتصاد وحياة الأميركيينويشرح الدكتور الشناوي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" تداعيات تخطي الحكومة الأميركية سقف الدين على الاقتصاد الأميركي وحياة الأميركيين وأيضا على النظام المالي وفقاً لما يلي:إن الوصول إلى سقف الدين من شأنه أن يعيق قدرة الحكومة على تمويل عملياتها، بما في ذلك توفير الدفاع الوطني أو استحقاقات التمويل مثل الرعاية الطبية أو الضمان الاجتماعي.تشمل التداعيات المحتملة للوصول إلى الحد الأقصى خفض التصنيف الائتماني من قبل وكالات التصنيف الائتماني.زيادة تكاليف الاقتراض للشركات وأصحاب المنازل على حد سواء.انخفاض ثقة المستهلك الذي قد يصدم السوق المالية الأميركية ويدفع الاقتصاد إلى الركود.توقف حوالي عُشر النشاط الاقتصادي الأميركي وذلك حسب تقديرات اقتصاديي بنك غولدمان ساكس.ارتفاع أسعار الفائدة الذي قد يؤدي إلى تحويل أموال دافعي الضرائب في المستقبل بعيداً عن الاستثمارات المعززة للنمو الاقتصادي مثل الاستثمارات في البنية الأساسية والتعليم والرعاية الصحية، ورفع أسعار الفائدة بما يكفي لزيادة الدين بمقدار 850 مليار دولار.زعزعة الاستقرار المالي واهتزاز عرش الجدارة الائتمانية لسندات الخزانة الحكومية والتي عززت الطلب على الدولار لفترة طويلة ما ساهم في قيمته ومكانته كعملة احتياطية عالمية، وبناء على ذلك فإن أي ضربة للثقة في الاقتصاد الأميركي سواء من التخلف عن السداد او عدم اليقين المحيط بهذه العملية من شأنه دفع المستثمرين الى بيع سندات الخزانة الأميركية وبالتالي إضعاف الدولار الأميركي.الانخفاض المتوقع في قيمة الدولار يجعل الديون المقومة بعملات أخرى أكثر تكلفة نسبياً، ما يهدد بدفع بعض الاقتصادات الناشئة تجاه أزمات ديون.يمكن أن يستفيد العديد من المصدرين الأميركيين من انخفاض قيمة الدولار لأنه سيزيد الطلب الأجنبي على سلعهم من خلال جعلها أرخص ثمناً. ومع ذلك، فإن نفس الشركات ستتحمل أيضًا تكاليف اقتراض أعلى من ارتفاع أسعار الفائدة.يمكن أن يفيد عدم استقرار الدولار أيضاً منافسين طموحين من القوى العظمى مثل الصين، على الرغم من أن بكين سعت منذ فترة طويلة إلى وضع عملتها كاحتياطي عالمي، إلا أن العملة تمثل أقل من 3 بالمئة من الاحتياطيات الأجنبية المخصصة في العالم.خرق سقف الدين الذي يؤدي الى عدم القدرة على السداد يمكن أن يتسبب في خسارة 3 مليون وظيفة.وفي حال رفع سقف الدين، فيشير الدكتور الشناوي إلى أن الاقتصاد الأميركي سيتمكن من مواصلة الاقتراض للأموال اللازمة لإدارة الحكومة، والوفاء بالتزامات الميزانية التي تكبدتها بفعل الإدارات السابقة.تهديد مكانة الدولار وتعزيز احتمالات الركودمن جهته، يشير الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن أبرز تداعيات عدم رفع سقف الدين الأميركي تتجلى في تهديد مكانة الدولار عالمياً، وتعزيز احتمالات الركود الاقتصادي وزعزعة استقرار الأسواق المالية العالمية.ويوضح عقل أن تفاقم أزمة الديون قد يؤدي إلى هز الثقة في السياسات الاقتصادية الأميركية، ومن ثم تقويض قوة الدولار ومكانته في النظام المالي العالمي الأمر الذي يدعم خطط تدويل اليوان التي تقودها الصين.كما لفت إلى أن "سندات الخزانة الأمريكية ستفقد ميزتها كأحد الأصول الخالية من المخاطر ما يضعف نسبياً إقبال المستثمرين عليها. وفي الوقت نفسه، تشكل تلك الأزمة خطراً على استقرار الأسواق المالية العالمية، فضلاً عن تعزيز احتمالات الركود الاقتصادي حيث تشير تقديرات وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي قد ينكمش بنسبة 4 بالمئة تقريباً في حال التعثر في تمويل العجز الحكومي"تحفيز إصلاح الميزانيةوفي تصريحه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يستبعد الخبير الاقتصادي حسين القمزي تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها مضيفاً أن "نص الدستور يمنع الحكومة الفيدرالية من التخلف عن سداد الديون، بل لا يمكن حدوث ذلك بأي شكل من الأشكال، وهناك حجة مفادها أنه إذا قرر الكونغرس التخلف عن سداد الديون فإن الرئيس لديه السلطة والالتزام بدفعها دون إذن من الكونغرس حتى لو تطلب ذلك اقتراض المزيد من الأموال للقيام بذلك، فهذا الخيار يمثل تحدياً دستورياً فعلياً لحد الدين نظرياً على الأقل، حسب التعديل الرابع عشر للدستور على الحكومة الاستمرار في إصدار ديون جديدة لدفع حاملي السندات ومتلقي الضمان الاجتماعي وموظفي الحكومة وغيرهم ، حتى إذا فشل الكونغرس في رفع الحد ".ويضيف القمزي: "من ناحية أخرى يعتبر خبراء القانون أن حد سقف الدين هو عنصر ضروري لسلطة الكونغرس على عملية الاقتراض وهو محفز مهم لإصلاح الميزانية بهدف خفض الديون، فالحزبان متفقان على مسألة ضرورة رفع سقف الدين لكن المشكلة أن الجمهوريين يريدون ربط موافقتهم بتخفيض الإنفاق في الموازنة".الخروج من المأزقأما عن كيفية الخروج من أزمة سقف الدين، فيشير الخبير الاقتصادي الدكتور الشناوي إلى عدة خطوات يمكن اتخاذها منها، أن يتوصل الرئيس بايدن ومجلس النواب إلى اتفاق بشأن السقف، أو البحث من قبل البيت الأبيض عن حل منفرد للأزمة، أ وإقرار تشريع مؤقت من قبل الكونغرس لتعليق سقف الدين لتأخير التخلف وتعليق سقف الدين حتى نهاية سبتمبر كي تتم مواءمة الموعد النهائي الجديد لسقف الدين مع موعد نهائي آخر للميزانية.وإذا لم يتم حل مفاوضات الكونغرس بشأن سقف الديون قبل الوصول إلى السقف يمكن للخزانة أن تتجنب التخلف عن السداد لعدة أشهر بسلسلة من الإجراءات المؤقتة التي تسميها "إجراءات استثنائية"، ويشمل ذلك تعليق المدفوعات لبعض برامج ادخار الموظفين الحكوميين وقلة الاستثمار في بعض الصناديق الحكومية وتأخير مزادات الأوراق المالية، وفقاً للشناوي.