العين
ما الذي جرى عالميا منذ عام 2021 حتى تقفز أسعار المستهلك بحدة للمستويات التي بلغت ذروتها خلال العام الماضي، ولا تزال مرتفعة حتى اليوم؟
عندما أقر الكونغرس خطة الإنقاذ الأمريكية التي وضعها الرئيس جو بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار في أوائل عام 2021، والتي تضمنت شيكات للأسر، وتعزز مزايا البطالة ومساعدة حكومات الولايات والحكومات المحلية، كان التضخم نحو 2% والبطالة على الرغم من انخفاضها لا تزال أعلى من 6%.
وعلى مستوى العالم، بدأت العديد من الدول بما فيها الدول النامية تقدم حزم تحفيز للقطاعات الاقتصادية، في محاولة لتجاوز الآثار السلبية لتفشي جائحة كورونا، وبدأت في توزيع الأموال بكل اتجاه.
في ذلك الوقت، اعتقد العديد من المتنبئين أن التحفيز النقدي يمكن أن يدفع الطلب فوق قدرة الاقتصاد على توريد السلع والخدمات، فيما اعتقد القليلون أن هذا من شأنه أن يرفع التضخم.
هذه الأموال بدأت تظهر في استهلاك الأفراد والشركات داخل الأسواق اعتبارا من النصف الثاني لعام 2021، حينها، انتقل الاستهلاك من الخدمات إلى السلع بسبب استمرار غلق الدول لحدودها بسبب كورونا.
مع النصف الثاني لـ2021، ارتفع معدل التضخم حول العالم وحينها قلل الفيدرالي الأمريكي من خطورة ارتفاع الأسعار وقال إنه ارتفاع سرعان ما سيهبط، وإن لم يهبط فإنه يقع تحت سيطرته.
لاستنباط مصادر التضخم، قام اقتصاديون ببناء نموذج تقليدي يكون فيه التضخم دالة، من بين أمور أخرى، على الفجوة بين العرض والطلب على العمالة، وتوقعات الجمهور للتضخم، وأسعار السلع.
عادة ما يحكم الاقتصاديون على سوق العمل من مدى ارتفاع معدل البطالة أو انخفاضه عن المعدل الطبيعي؛ لكن هذه المرة كان هناك طلب قوي على الوظائف لوجود طلب قوي على الاستهلاك.
وإذا كان الاستهلاك القوي قد تسبب في زيادة سخونة الاقتصاد، فلا بد أن يظهر في سوق العمل من خلال تراجع نسب البطالة، أي نسبة عالية من الوظائف الشاغرة إلى العاطلين عن العمل.
خلص الاقتصاديون إلى أن ظروف سوق العمل وضعت ضغطا صعوديا على التضخم اعتبارا من الربع الثالث من عام 2021، لكنه ارتفع أكثر بفعل أزمة سلاسل الإمدادات من جهة، وارتفاع أسعار الطاقة من جهة أخرى.
تحول الطلب فجأة من الخدمات إلى السلع في الأشهر الأولى للوباء؛ كان ينبغي أن يكون التأثير العام هو ارتفاع أسعار السلع وانخفاض الخدمات.
هدأت هذه الاضطرابات الوبائية في النهاية؛ لكن لماذا لم ينخفض التضخم بعد ذلك؟ السبب في ذلك هو أنه في هذه المرحلة كان الطلب قوياً للغاية، مما يعكس إرث معدلات الفائدة المنخفضة والسخاء المالي، وكانت سوق العمل تشهد ارتفاعا في عرض الوظائف.
لم تكن سوق العمل تشهد زيادة في عرض الوظائف فقط، بل إن معروض السلع شهد تراجعا بسبب عدم وجود عدد كاف من العاملين، وبسبب مشاكل التوريد، كل ذلك دفع نحو ارتفاع أسعار السلع.
باختصار، يمكن تلخيص أسباب ارتفاع التضخم العالمي مرة واحدة منذ الربع الثالث 2021 بما يلي:
- تحول الطلب الاستهلاكي من الخدمات إلى السلع
- عدم قدرة المصانع على تلبية الطلب المتزايد على الاستهلاك
- نقص الأيدي العاملة حول العالم
- حزم التحفيز المالي التي قدمتها عديد الاقتصادات الكبرى حول العالم والتي تجاوزت 15 مليار دولار.
- أسعار الفائدة المنخفضة عالميا، والتي قادت نحو مزيد من الاقتراض
- مشاكل سلاسل الإمدادات العالمية
- إضرابات العمالة في عديد دول العالم للمطالبة بزيادة الأجور وهو ما حصل فعلا، الأمر الذي زاد السيولة