سكاي نيوز عربية تبدأ خمس دول، اليوم الأول من العام الجديد 2024 بانضمامها رسميًا إلى مجموعة "البريكس"، بعد أن وجهت المجموعة في أغسطس الماضي، الدعوة إلى 6 دول للانضمام لعضويتها بدءاً من يناير 2024، وهي مصر والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا.وكانت الأرجنتين وحدها هي التي رفضت الدعوة بعد أن تراجع الرئيس الجديد، خافيير مايلي، الذي تولى منصبه الشهر المنصرم، عن طلب العضوية الذي تقدم به سلفه، معللا ذلك بأن السياسة الخارجية لحكومته الجديدة تختلف في نواح كثيرة عن سياسة الحكومة السابقة.وتتيح توسعة المجموعة على ذلك النحو بعد انضمام الدول الخمسة ليصبحوا أعضاءً في بريكس، قوة دفع هائلة للمجموعة التي تسعى لإحداث التوازن على الصعيد الاقتصادي، وتنافس مجموعة السبع، لا سيما بالنظر إلى ما تزخر به الدول الجديدة من مقومات.وأرسل المدعوون الخمسة ممثلين رفيعي المستوى إلى اجتماع لمجموعة البريكس في ديربان، جنوب أفريقيا، في وقت سابق من هذا الشهر وشاركوا بشكل كامل في الاجتماع، كما أنه من المقرر أن يرسلوا مسؤولين لحضور اجتماع في موسكو يوم 30 يناير، وهو مايعد إشارة واضحة على أنهم قبلوا الدعوة للانضمام، بحسب سفير بريتوريا لدى الأمم المتحدة، أنيل سوكلال.تمت صياغة مصطلح "بريك" في العام 2001 من قبل الاقتصادي جيم أونيل، الذي كان يعمل آنذاك في مجموعة غولدمان ساكس، للفت الانتباه إلى معدلات النمو الاقتصادي القوية في البرازيل وروسيا والهند والصين، وكان المقصود من هذا المصطلح أن يكون سيناريو متفائلًا للمستثمرين وسط تشاؤم السوق في أعقاب الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر من ذلك العام.في العام 2006، اتفقت البرازيل وروسيا والهند والصين على تشكيل مجموعة اقتصادية وسياسية تعرف بـ "بريك"، باستخدام الحرف الأول من اسم كل دولة.عقدت المجموعة أول قمة لقادتها في العام 2009 ودعت جنوب أفريقيا للانضمام بعد عام، وأضافت قارة أخرى وحرف "S"، ليتغير اسمها إلى "بريكس".وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة "بريكس" يمثل 28.3 بالمئة من الاقتصاد العالمي في العام 2023، وذلك بعد موافقة التكتل على توسيع عضويته.كانت نسبة مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي 25.6 بالمئة، لترتفع إلى 28.8 بالمئة بعد انضمام الأعضاء الجدد.كما أن دول المجموعة تسيطر على 20 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.وتسعى المجموعة إلى أن ينعكس التوسع بأعضائها التفوق عملياً من خلال توسعة نشاطاتها الاقتصادية الرامية لمواجهة هيمنة الدولار الأميركي، ليضيف التوسع بدوره إلى قوة المجموعة الهادفة إلى أن تكون محركاً لنظام عالمي جديد، وأن تقود مجموعة تغيرات ديناميكية على الخارطة الاقتصادية الدولية.ومن المنتظر أن يلعب التكتل بعد مضاعفة أعضائه دورًا في تحقيق التوازن الاقتصادي حول العالم، والهيمنة الاقتصادية لبعض الدول الكبرى، كما أن الدول المنضمة تضع عليه آمالًا كبيرة ليمثل لهم فرصًا اقتصادية واعدة.خطوة هامة للوصول إلى اقتصاد عالمي متعدد الأقطابفي هذا الصدد، أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور علي عبدالرؤوف الإدريسي، في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن مضاعفة دول التكتل محاولة جيدة من جانب دول المجموعة من أجل تحقيق التوازن الاقتصادي، وهي الخطوة التي لن تنجح في يوم وليلة لكنها تحتاج إلى سنوات قد تصل إلى عقود للوصول إلى عالم متعدد الأقطاب في وجه الولايات المتحدة الأميركية.وأكد أن فكرة خلق اقتصاد عالمي متعدد الأقطاب، والتوازن في العلاقات الاقتصادية إضافة إلى تقليص من هيمنة الدولار الأميركي، كلها خطوات هامة نأمل الوصول إليها، لكن لن يكن حدوثه بسهولة.كما ذكر أن الوصول إلى التوازن العالمي يتوقف على قوة الأطراف الموجودة في البريكس، مشيرًا إلى أن تلك القوة ستظهر من خلال ما يلي:قدرة التكتل على زيادة الدول الأعضاء في المراحل المقبلة.اتخاذ قرارات من شأنها تغيير بعض المفاهيم والمعادلات والعلاقات في الاقتصاد الدولي.وأوضح أن ذلك يتم من خلال قرارات كلها مرهونة بالمستقبل، خاصة وأن الوزن النسبي للصين وروسيا إضافة إلى بعض دول الخليج كالسعودية والإمارات ودول أميركا اللاتينية مثل البرازيل كلها تؤكد على قوة التكتل، مشيرًا إلى أن هناك تغيرات كثيرة وصراعات يشهدها العالم، فهل تظل الأمور كما هي أم تحدث مستجدات تؤدي لنجاح التكتل أم سيكون وجوده غير ملموس؟وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن من أهم القرارات التي من المنتظر أن يتخذها التكتل وتمثل خطوة أولى في نجاحه مستقبلًا، ما يلي:اتخاذ اتجاه مرتبط بتقليل الاعتماد على الدولار ليصبح الاعتماد على العملات المحلية.الاتجاه إلى أن يصبح هناك عملة خاصة بدول البريكس.عدم الاعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من خلال تفعيل وتقوية مؤسسات أخرى بديلة مثل البنك الآسيوي للتنمية على سبيل المثال.تحدياتوأكد الخبير الاقتصادي أن تكتل البريكس أمامه تحدٍ كبير يتمثل في الولايات المتحدة الأميركية ويعقبها الاتحاد الأوروبي "لن يسمحا لأي تكتل أو دولة أخرى أن تؤثر على هيمنتهما على الاقتصاد العالمي"، مؤكدًا أنه تحدٍ كبير خاصة وأن أميركا دولة مهيمنة على الاقتصاد العالمي والمؤسسات الدولية سواء كانت اقتصادية أو غير اقتصادية .تسيطر دول المجموعة الحالية بعد توسعها على 25 بالمئة من مساحة اليابسة.دول راغبة في الانضمامونقلت وكالة تاس للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قوله هذا الأسبوع إن نحو 30 دولة ترغب في إقامة علاقات مع الكتلة.قال وزير الخارجية النيجيري يوسف توجار في نوفمبر، إن نيجيريا، أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، ستسعى إلى أن تصبح عضوا في مجموعة البريكس خلال العامين المقبلين.وباستثناء الهند، كان أداء مجموعة البريكس أقل من أداء نظيراتها في الأسواق الناشئة على مدى السنوات الخمس الماضية، وفقا لبلومبرغ إنتليجنس، فقد وضعت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة روسيا خارج نطاق عديد من المستثمرين الأجانب، كما تم فرض عقوبات على بعض القطاعات في الصين - وخاصة شركات التكنولوجيا – أو تواجه حظرًا محتملاً على الاستثمار.هز عرش الدولارالمحلل الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، أفاد في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بأنه ليس بين ليلة وضحاها يستطيع التكتل أن يكون له تأثير أوسع في الاقتصاد العالمي، موضحًا أن أي تأثيرات تكون عبارة عن مراحل تبدأ بخطوات تنفيذية لإفساح موضع قدم لتكتل جديد يقوي يوماً تلو الآخر.وأشار إلى أن جميع أسوق العالم يستحوذ عليها الدولار وليس بين عام أو اثنين يسمح بدخول قوة تستطيع أن تزيح هيمنته من على العرش، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن المؤشرات يكون لها مردود عند الحكومات والمجتمعات والشركات، فإذا تم تقدير الوضع الدقيق لتكتل البريكس في التنفيذ سيحقق نجاحاً وبالتالي سيكون المسار الأساسي لكثير من دول العالم.وأوضح أن نجاح البريكس في تحقيق التوازن الاقتصادي حول العالم وهز عرش الدولار يتوقف على نجاحه في إرساء فكرة التبادل التجاري بالعملات المحلية، على غرار خطوات سابقة على سبيل المثال لكل من الإمارات والهند وكذلك الإمارات والصين في كيفية التعامل بعملات متبادلة، كما أن مصر أعلنت عن معاملات بالعملات المحلية مع دول أخرى,وأضاف أن نجاح التجربة إذا تم من خلال جهود البنوك المركزية ودول التكتل ستتاح الفرصة لكثير من الدول الأخرى التي من الممكن أن تستخدم فكرة تبادل التجارة بالعملات المحلية، موضحًا أن التكتل يفتح الباب أمام العالم سواء بالانضمام أو التعامل بنفس المبدأ (التعامل بالعملات المحلية) لتزيد من حركة التجارة وتبتعد جزئيا من الضغوط السياسية والهيمنة الأميركية.وذكر المحلل الاقتصادي أن التكتل يمكن أن يخلق مزيداً من القوة في العلاقات الاقتصادية بين الأطراف المشاركة، التي من خلالها يمكن أن يخلق لنفسه دورًا ويدًا عليا في القرارات الدولية في فرض عدم المنازعات والسيطرة على التجارة الدولية.موضحًا أن القوى الغربية وأميركا دائما ما يفرضون عقوبات وقرارات أحادية الجانب على دول دون الرجوع إلى مجلس الأمن، فيمكن للتكتل أن يساند دولاً ويكون في الحياد، على سبيل المثال عندما فرضت أميركا عقوبات على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، أضرت بالمجتمع الدولي لكونهما أكبر مصدري القمح والحبوب في العالم، بينما يمكن للتكتل في مثل هذا الموقف أن يوجد لنفسه دورًا مساندا في تهدئة الأمور والنزاعات بالعالم، وهو ما سيكون له مردودًا على اقتصاد العالم.تأثيرات إيجابية متوقعةقال الخبير المالي والمحلل الاقتصادي، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن توسع المجموعة بإضافة الدول الجديدة يمثل فرصة كبيرة لتعزيز مكانة التكتل ودوره في المستقبل.وذكر أن التكتل من المتوقع أن يكون أكثر تأثيرًا بناء على عدة عوامل، منها:انضمام دول نفطية على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات، في ظل وجود روسيا، يمثل فرصة كبيرة لزيادة احتياطي المجموعة من النفط.التكتل بانضمام دول جديدة منها أثيوبيا وإيران ومصر، سيرتفع عدد سكانه، ليمثل نسبة كبيرة من سكان العالم، وبالتالي يصبح أكثر تأثيرًا.تنسيق التكتل الرؤى حول المواضيع الأساسية سواء كانت اقتصادية أو غير اقتصادية سيكون أمرا مؤثرا في المحافل الدولية، خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، ليكون أكثر تنظيما، فإذا تمت مقارنته اقتصاديا سيكون أكبر منافس لمجموعة السبع.وبشأن التأثيرات طويلة المدى لتوسع التكتل على الهيمنة الأميركية، أكد الطه أن من الممكن أن يتم من خلال استخدام عملة مشتركة تدريجيا ستجرى التهيئة لتقليل الاعتماد على الدولار، ليكون التحول نحو الاعتماد على عملات الدول التي يحدث بينها تبادل تجاري فيما بينها، أو مستقبلًا إيجاد عملة بديلة للدولار قد تكون عملة رقمية.مع ارتفاع عدد دول مجموعة بريكس إلى 10 دول سيصبح عدد سكان دول المجموعة أكثر من ثلاثة مليارات و625 مليون نسمة، أي مايقارب نصف سكان العالم، فيما كانت هذه النسبة عند نحو 40 بالمئة قبل انضمام هذه الدول.