إردافاً للمقال السابق -النشأة والتطور- الذي تناولنا من خلاله نشأة التقييم العقاري وتطوره وأنه قد أُستحدث بدايةً في الدول الغربية كعلم ذي غاية اقتصادية، فعبرَ هذا المقال سنسلط الضوء على الغاية المنشودة من الاستعانة بالخبير في الدين الإسلامي ومدى أهميتها وسنستدل ببعض القنوات الشرعية التي تندرج تحتها التعاملات العقارية لنتعرف على الغاية من استعانتهم بالخبير "العقاري"، و سننتقي منهم الزكاة وقسمة التركات والرهن العقاري، حيث إنهم الأكثر استخداماً في حياة المسلم اليومية.

أَنزل الله عز وجل دين الإسلام شاملاً ومنظماً لشتى المعاملات التي تزخر بالنصوص والأحكام الشرعية المنظمة للمعاملات التجارية بين الـمكلف والآخرين، وهو ما يعرف في عصرنا الحالي كمصطلح بالاقتصاد الإسلامي.

بدايةً لا بد من تعريف عام للتقييم العقاري فهو "المنهج الذي يتم عن طريقه فقط التقدير العادل لقيمة الأصول العقارية -بكافة أنواعها- بما يعادلها من مال استناداً على أسس علمية ومعايير دولية" (1)، أما التقييم كلغة فهو من الفعل قيَّمَ والمفعول مُقيَّم، فنقول قيَّمَ الشيء تقْييماً: قَدّر قيمَتَهُ (2)، والمزاول لمهنة التقييم العقاري يطلق عليه عدة مسميات مُقيِم عقاري أو مثمن أو خبير عقاري وهو الشخص الذي يستعان برأيه في موضوع معين من باب خبرته بالشيء وعلمه فيه.

أوجد الدين الإسلامي الأدلة ومصادرها التشريعية وترك للفقهاء مجالاً واسعاً لاستنباط المسائل المستحدثة منها، وهنالك من النصوص الشرعية والاجتهادات الفقهية التي تأصل الاستعانة بالخبراء، قال الله عز وجل (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (3)، فهي دليل شرعي واضح و صريح بأن الله عز وجل أوجب الاستعانة بأصحاب الخبرة في جميع المجالات وكل حسب تخصصه، وهنالك آيات كريمة أُخْرَيات توجب الرجوع لأهل الخبرة و الاستعانة بهم، وفي السنة النبوية المطهرة كذلك من الأدلة التي تثبت وجوب الاستعانة بالخبراء، ففي عهد الرسول الكريم علية أفضل الصلاة والسلام عدة أمثلة تم فيها الاستعانة بالخبير، فلقد استعان الرسول الكريم بعبدالله بن أريقط كخبير بالطرق في الهجرة النبوية، كذلك الاستعانة بالقيافة فكما جاء في الحديث فرح النبي عليه الصلاة والسلام حينما تم إثبات أبوة زيد بن حارثة لابنه أسامة عن طريق الخبير بالقيافة الصحابي مجزز المدلجي، ومن عمل الصحابة رضي الله عنهم، ومثال على ذلك ما جاء في موطأ مالك (4)، أن سارقاً سرق أُترجة في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه فأمر بها عثمان بن عفان أن تقوّم فقُومت إلى آخر الحديث، ويستدل من هذه أمران أما الأول فلتحقيق العدالة المنشودة في الدين الإسلامي يجب الرجوع إلى أهل الخبرة للتقييم في الأمور التي يقتضي فيها ذلك، وأما الأمر الثاني فهو أن يتم تعيين الخبير الذي يتصف بالأمانة والخبرة والدراية.

وقال العلامة ابن قيم الجوزية لما سئل عن رجوع الحاكم إلى أهل الخبرة: "فهذه المسألة كبيرة عظيمة جليلة القدر، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقاً كبيراً، وإن توسع وجعل معوله عليها دون الأوضاع الشرعية وقع في أنواع الظلم والفساد".

ومن القنوات الشرعية التي تستعين بالخبير أو المقيم العقاري هي الزكاة وتحديداً زكاة عروض التجارة، فالعقارات التي فيها الزكاة كل حول هي تلك التي تُمتلك بنية التجارة أو بنية تأجيرها والاستفادة من إيرادها، وعليه فإن من الأهمية الاستعانة بالمقيم العقاري لتقييمها في وقت إخراجها لغرض احتساب قيمة زكاة العقار.

وأما عن قسمة التركات، فيكفي من فضلها أن الله عز وجل تولى قسمتها بنفسه وأنزلها في كتابة العزيز(5)، وذلك لتحقيق العدالة بين الورثة، وتتم قسمة العقار بين الورثة بأحد الأمرين فإما أن يتراضى جميع الورثة على القسمة ويتم تعويض من أخذ أقل بالمال والأمر الثاني هو بيع العقار وتوزيع ثمنه على الورثة كل حسب نسبته وهذا إذا لم يحصل التراضي بين الورثة، وفي كلتا الحالتين نجد من الأهمية الاستعانة بالخبير العقاري لتقييم العقار سواء كان ذلك لغرض القسمة أم لغرض البيع.

وأخيراً الرهن العقاري؛ فلقد تطورت الصيرفة الإسلامية بشكل ملحوظ واستحدثت المصارف الإسلامية في الدول العربية التي أوجدت البديل للتعاملات الربوية ومن أوائل المصارف الإسلامية التي أنشئت واهتمت فقط بالادخار كانت في جمهورية مصر العربية عام 1964، وأول مصرف مالي طبق الخدمات المالية الشرعية بالشكل المتعارف عليه الآن هو بنك دبي الإسلامي والذي تم إنشاؤه في عام 1975، ويطبق الرهن العقاري على عدة أوجه تتوافق مع الشريعة الإسلامية، فعلى سبيل المثال لا الحصر الرهن الحيازي والإيجارة المنتهية بالتملك والمرابحة وفي كل الحالات يستعين الـمُقرض بالخبير العقاري لتقدير قيمة العقار محل الرهن.

وخلاصة حديثنا أن الشريعة الإسلامية جعلت لمهنة الخبير محل اعتبار واعتناء واهتمام، وأنها جعلت الاقتصاد والعدالة مقترنين في آن واحد.

(1) وجدت عدة تعاريف للتقييم العقاري وهذا التعريف هو اجتهاد ورأي خاص بي.

(2) المصدر: معجم المعاني الجامع.

(3) المصدر: سورة النحل الآية:43

(4) المصدر: كتاب الحدود: الباب السابع : حديث 23

(5) المصدر: سورة النساء الآيات:11، 12، 176

أحمد محمد الريس

محكم تجاري وخبير معتمد لدى مركز التحكيم التجاري الخليجي

مثمن عقاري معتمد لدى وزارة الصناعة والتجارة والسياحة