هبط التضخم في مصر بشكل كبير في ديسمبر كانون الأول، في أحدث إشارة فيما يبدو إلى تحسن الاقتصاد بعد أن تضرر المصريون بشدة جراء تحرير سعر صرف العملة في 2016. لكنّ خبراء اقتصاديين يقولون إن انخفاض التضخم ربما أنه يظهر فقط أن القدرة الشرائية للمصريين لم تتعاف حتى الآن.
وكانت الأسعار قفزت إلى مستويات قياسية وفقد الجنيه المصري نصف قيمته بعد أن حرر البنك المركزي سعر الصرف في نوفمبر تشرين الثاني 2016 في مسعى للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لتعزيز النمو الاقتصادي بعد سنوات من الاضطراب. ومع وصول العملة المصرية إلي حوالي 17.7 جنيه للدولار مقارنة مع سعرها قبل التعويم البالغ 8.88 جنيه، إضطر المصريون لتعديل عاداتهم للإنفاق كي تتناسب مع انخفاض قيمة دخلهم ومدخراتهم بواقع النصف.
وأظهرت بيانات رسمية هذا الأسبوع أن تضخم أسعار المستهلكين في المدن انخفض إلى 21.9 بالمئة في ديسمبر كانون الأول من 26 بالمئة في الشهر السابق. وهي أقل قراءة منذ تحرير سعر الصرف. وهبط التضخم الأساسي، الذي يستثني السلع التي تتقلب أسعارها مثل الأغذية، إلى 19.86 في المئة من 25.53 في المئة.
ومنذ تحرير سعر الصرف، عثر المصدرون المصريون على أسواق جديدة وهو ما قلص العجز التجاري للبلاد، وزادت احتياطيات النقد الأجنبي والاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات قياسية مرتفعة. لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن هبوط التضخم هو نتيجة لتأثير قوي لسنة الأساس، وليس بالضرورة نتيجة لانتعاش اقتصادي حقيقي.
وقالت علياء ممدوح كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى بلتون المالية "بعد نوفمبر 2016، كنت تقارن (التضخم) بالمعدلات المرتفعة للفترة التي أعقبت التعويم، لكن في ديسمبر كان لديك تأثير قوي لسنة الأساس". وتظهر بيانات أن التضخم العام الشهري تراجع للمرة الأولى في عامين في ديسمبر كانون الأول بفعل انخفاض أسعار الدواجن واللحوم وبعض الخضروات والحبوب. وقالت علياء "ربما يشير التراجع إلى أن مستوى الإنفاق لم يتعاف بالكامل، خصوصا لأن الطلب الموسمي يدفع في العادة معدلات (التضخم) للارتفاع. "كنا نتوقع معدلا شهريا عند 0.5-0.7، لكن بدلا من ذلك استقر كل شيء باستثناء أسعار الأغذية التي انخفض بعضها". *تخفيضات إضطرارية للسعر
وتقول شركات إنتاج الأغذية إنها ترغب في زيادة الأسعار للحفاظ على الربحية، لكن ذلك ليس بمقدورها لأن السوق لا يمكنها استيعاب أي زيادات أخرى في السعر. وقال هاني برزي رئيس مجلس إدارة إيديتا للصناعات الغذائية، أحد أكبر منتجي الأغذية في البلاد "نرغب في زيادة الأسعار لكن السوق غير مواتية في الوقت الحالي". وإضطر تجار التجزئة أيضا لخفض أسعار بعض الأغذية مثل الدواجن واللحوم لإجتذاب المستهلكين مجددا والذين أبعدتهم زيادات الأسعار.
وقال إسماعيل جمال، وهو صاحب متجر للدواجن في مدينة نصر "الناس لا تشتري...إحنا خايفين نبطل شغل لو مخفضناش الأسعار".
ويقول خبراء اقتصاديون إن القدرة الشرائية يمكن أن تستغرق بين ثلاث إلى أربع سنوات كي تتعافي من صدمة التعويم. وقال نعمان خالد الخبير الاقتصادي لدى سي.آي كابيتال لإدارة الأصول "شرائح من المجتمع تحولت من (استهلاك) اللحوم إلى الجبن كمصدر للبروتين. هذا ما فعله التضخم بالمستهلكين". وأضاف أن دورة اقتصادية كاملة تشمل تعافي النشاط وزيادة الأجور ضرورية قبل أن تعود القدرة الشرائية إلى مستويات ما قبل تحرير سعر الصرف وقبل رؤية معدل معقول للتضخم. ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بواقع 700 نقطة أساس منذ أن حرر سعر صرف الجنيه لمواجهة ارتفاع التضخم. ويقول خبراء اقتصاديون إنهم يتوقعون أن يبدأ البنك خفض أسعار الفائدة في الاجتماع القادم للجنته للسياسة النقدية المقرر أن يعقد في 15 فبراير شباط.