قال رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف البحرين، والرئيس السابق لمجلس إدارة اتحاد المصارف العربية عدنان أحمد يوسف، إن صناعة التكنولوجيا المالية ليست مرتبطة فقط بتأثيرها على الصناعة المصرفية والاقتصاديات الوطنية، وإنما بالجوانب التشريعية والرقابية التي تهم هذه الصناعة أيضاً، فالجهات الرقابية والبنوك المركزية في العالم تتساءل بالفعل كيف ستغير التكنولوجيا المالية مشهد الصيرفة المركزية على مدار الجيل القادم.
وأضاف يوسف في واحد من سلسلة مقالات يكتبها تحت عنوان "التكنولوجيا المالية وأبعادها المصرفية والاقتصادية" إن البنوك المركزية اليوم عادة ما تؤثر على أسعار الأصول عن طريق وسطاء السوق الأولية، أو البنوك الكبيرة، التي تقدم لها السيولة بأسعار ثابتة – أو ما يسمى عمليات السوق المفتوحة.
وتساءل "إذا كانت أهمية هذه البنوك ستتوارى في العالم المالي الجديد، وإذا كان الطلب سيتراجع على أرصدة البنوك المركزية، فهل يمكن أن يظل انتقال آثار السياسة النقدية بنفس الفعالية؟ وفي ضوء هذه التوقعات، فأن البنوك المركزية قد تضطر له بالفعل إلى زيادة عدد الأطراف المقابلة في عملياتها في السوق المفتوحة".
وأشار يوسف إلى أن هذا سيكون له انعكاسات تنظيمية ورقابية بطبيعة الحال. فزيادة الأطراف المقابلة يعني دخول عدد أكبر من البنوك تحت المظلة التنظيمية والرقابية للبنك المركزي – وهو الثمن الذي يدفع لحصول هذه البنوك على السيولة في أوقات العسر. كما سوف ترفض تلك الانعكاسات تحسين تنظيم صيرفة الظل "مجموعة الوسطاء الماليين غير المصرفيين الذين يقدمون خدمات مماثلة للمصارف"، حيث بات الأمر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
وأشار إلى أن مهام البنوك المركزية ستتوسع، ومعها ربما تزداد ضغوط التمحيص العام والضغوط السياسية. وستحتاج الاستقلالية – على الأقل في وضع السياسة النقدية – إلى مزيد من التحصينات كما ستتطلب تواصلاً أكثر وضوحاً بين مختلف شركاء النظام المصرفي. وقد نرى أيضاً تحولاً في الممارسات التنظيمية، فالأجهزة التنظيمية تركز في العادة على الإشراف على كيانات محددة بدقة. ولكن مع دخول مقدمي الخدمات الجديدة بصور وأشكال جديدة، قد لا يكون من السهل إدراجها ضمن الفئات أو التصنيفات القائمة.
وقال يوسف "من الأمور الممكنة التي سوف نشهدها في هذا الصدد أن يتم تقسيم الخدمات المصرفية أو تفكيكها، وهذا سوف يخلق تحديات جديدة أمام البنوك المركزية، ففي المستقبل، قد نحتفظ بأرصدة ضئيلة لخدمات الدفع في محافظنا الإلكترونية، ويمكن الاحتفاظ ببقية الأرصدة في صناديق مشتركة، أو استثمارها في منصات للإقراض المباشر بين الأطراف تتميز بتفوقها من حيث البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي من أجل احتساب الجدارة الائتمانية تلقائياً".
وأضاف "إذا نحن سنكون أمام عالم يتميز بدورات تطوير المنتجات وعمليات التحديث التي لا تتوقف، ولا سيما لبرمجيات الكمبيوتر، حيث تولى قيمة كبيرة لبساطة واجهات المستخدم والأمن الموثوق. عالم يضم أطرافاً فاعلة جديدة دون الحاجة إلى مقار للفروع. وقد يرى البعض أن التطورات قد تقود أيضاً إلى تقليص نموذج الصيرفة بالتجزئة كما نعرفه اليوم، إذا تقلص الطلب على الودائع المصرفية وتدفقت الأموال إلى الاقتصاد من خلال قنوات جديدة".
ولفت يوسف إلى أنه كي تصبح الأمور أكثر سلاسة، فأن الجهات الرقابية والبنوك المركزية بحاجة إلى إقامة حوار بين الأجهزة التنظيمية المتمرسة والأجهزة التنظيمية التي بدأت مؤخراً في التعامل مع التكنولوجيا المالية، بين صناع السياسات والمستثمرين وشركات الخدمات المالية وبين البلدان. وسيكون من الضروري تخطي الحدود الوطنية ليشمل التعاون المستوى الدولي مع اتساع الرقابة التنظيمية والرقابية من الكيانات الوطنية إلى الأنشطة بلا حدود، من فروع البنوك المحلية إلى المعاملات العالمية المؤمنة بالتشفير الكمي.
وخص يوسف بالذكر البنوك المركزية العربية بالقول "لاحظنا بكل وضوح أنها أدركت بالفعل التأثيرات البالغة الأهمية المتوقعة لتطور صناعة التكنولوجيات المالية على البنوك في بلدانها، فإذا لم تكن البنوك قادرة على تلبية زبائنها المتمرسين في التكنولوجيا في عصر التنقل الفائق الاتصال وقوة الحوسبة الهائلة، فإنها تخاطر بفقدانها المنافسة مع التغيرات المتسارعة التي يشهدها القطاع المالي".
وأشار إلى أن هذه البنوك أبدت تفهما للتأثيرات الواسعة لصناعة التكنولوجيا المالية على نماذج الأعمال والوظائف، ويبدو انها وجدت أنه لا بديل عن قرار اعتماد وتبني هذه الصناعة لرفع وتيرة الابتكار، وهو الخيار الوحيد الذي لديها في الاستعداد للمرحلة المقبلة، وقد بادر العديد منها بإصدار التشريعات الخاصة بالبيئة التنظيمية لتقديم خدمات التكنولوجيا المالية التي يمكن للشركات الجديدة اختبار حلولها، أعقبها تشجيع قيام التحالفات بين الشركات الناشئة محلياً والشراكات العالمية المعروفة في هذا المجال، كذلك تشجيع البنوك المحلية على اتخاذ مبادرات عديدة بهدف خلق النظام البيئي الملائم لنجاح وازدهار هذه الصناعة.
واختتم يوسف مقاله بالقول "لكننا نعتقد إن المشوار لا يزال في بدايته وسوف نشهد تحولات عميقة في البيئة التشريعية والتنظيمية تواكب المتغيرات السريعة الجارية في هذه الصناعة".
{{ article.visit_count }}
وأضاف يوسف في واحد من سلسلة مقالات يكتبها تحت عنوان "التكنولوجيا المالية وأبعادها المصرفية والاقتصادية" إن البنوك المركزية اليوم عادة ما تؤثر على أسعار الأصول عن طريق وسطاء السوق الأولية، أو البنوك الكبيرة، التي تقدم لها السيولة بأسعار ثابتة – أو ما يسمى عمليات السوق المفتوحة.
وتساءل "إذا كانت أهمية هذه البنوك ستتوارى في العالم المالي الجديد، وإذا كان الطلب سيتراجع على أرصدة البنوك المركزية، فهل يمكن أن يظل انتقال آثار السياسة النقدية بنفس الفعالية؟ وفي ضوء هذه التوقعات، فأن البنوك المركزية قد تضطر له بالفعل إلى زيادة عدد الأطراف المقابلة في عملياتها في السوق المفتوحة".
وأشار يوسف إلى أن هذا سيكون له انعكاسات تنظيمية ورقابية بطبيعة الحال. فزيادة الأطراف المقابلة يعني دخول عدد أكبر من البنوك تحت المظلة التنظيمية والرقابية للبنك المركزي – وهو الثمن الذي يدفع لحصول هذه البنوك على السيولة في أوقات العسر. كما سوف ترفض تلك الانعكاسات تحسين تنظيم صيرفة الظل "مجموعة الوسطاء الماليين غير المصرفيين الذين يقدمون خدمات مماثلة للمصارف"، حيث بات الأمر أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
وأشار إلى أن مهام البنوك المركزية ستتوسع، ومعها ربما تزداد ضغوط التمحيص العام والضغوط السياسية. وستحتاج الاستقلالية – على الأقل في وضع السياسة النقدية – إلى مزيد من التحصينات كما ستتطلب تواصلاً أكثر وضوحاً بين مختلف شركاء النظام المصرفي. وقد نرى أيضاً تحولاً في الممارسات التنظيمية، فالأجهزة التنظيمية تركز في العادة على الإشراف على كيانات محددة بدقة. ولكن مع دخول مقدمي الخدمات الجديدة بصور وأشكال جديدة، قد لا يكون من السهل إدراجها ضمن الفئات أو التصنيفات القائمة.
وقال يوسف "من الأمور الممكنة التي سوف نشهدها في هذا الصدد أن يتم تقسيم الخدمات المصرفية أو تفكيكها، وهذا سوف يخلق تحديات جديدة أمام البنوك المركزية، ففي المستقبل، قد نحتفظ بأرصدة ضئيلة لخدمات الدفع في محافظنا الإلكترونية، ويمكن الاحتفاظ ببقية الأرصدة في صناديق مشتركة، أو استثمارها في منصات للإقراض المباشر بين الأطراف تتميز بتفوقها من حيث البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي من أجل احتساب الجدارة الائتمانية تلقائياً".
وأضاف "إذا نحن سنكون أمام عالم يتميز بدورات تطوير المنتجات وعمليات التحديث التي لا تتوقف، ولا سيما لبرمجيات الكمبيوتر، حيث تولى قيمة كبيرة لبساطة واجهات المستخدم والأمن الموثوق. عالم يضم أطرافاً فاعلة جديدة دون الحاجة إلى مقار للفروع. وقد يرى البعض أن التطورات قد تقود أيضاً إلى تقليص نموذج الصيرفة بالتجزئة كما نعرفه اليوم، إذا تقلص الطلب على الودائع المصرفية وتدفقت الأموال إلى الاقتصاد من خلال قنوات جديدة".
ولفت يوسف إلى أنه كي تصبح الأمور أكثر سلاسة، فأن الجهات الرقابية والبنوك المركزية بحاجة إلى إقامة حوار بين الأجهزة التنظيمية المتمرسة والأجهزة التنظيمية التي بدأت مؤخراً في التعامل مع التكنولوجيا المالية، بين صناع السياسات والمستثمرين وشركات الخدمات المالية وبين البلدان. وسيكون من الضروري تخطي الحدود الوطنية ليشمل التعاون المستوى الدولي مع اتساع الرقابة التنظيمية والرقابية من الكيانات الوطنية إلى الأنشطة بلا حدود، من فروع البنوك المحلية إلى المعاملات العالمية المؤمنة بالتشفير الكمي.
وخص يوسف بالذكر البنوك المركزية العربية بالقول "لاحظنا بكل وضوح أنها أدركت بالفعل التأثيرات البالغة الأهمية المتوقعة لتطور صناعة التكنولوجيات المالية على البنوك في بلدانها، فإذا لم تكن البنوك قادرة على تلبية زبائنها المتمرسين في التكنولوجيا في عصر التنقل الفائق الاتصال وقوة الحوسبة الهائلة، فإنها تخاطر بفقدانها المنافسة مع التغيرات المتسارعة التي يشهدها القطاع المالي".
وأشار إلى أن هذه البنوك أبدت تفهما للتأثيرات الواسعة لصناعة التكنولوجيا المالية على نماذج الأعمال والوظائف، ويبدو انها وجدت أنه لا بديل عن قرار اعتماد وتبني هذه الصناعة لرفع وتيرة الابتكار، وهو الخيار الوحيد الذي لديها في الاستعداد للمرحلة المقبلة، وقد بادر العديد منها بإصدار التشريعات الخاصة بالبيئة التنظيمية لتقديم خدمات التكنولوجيا المالية التي يمكن للشركات الجديدة اختبار حلولها، أعقبها تشجيع قيام التحالفات بين الشركات الناشئة محلياً والشراكات العالمية المعروفة في هذا المجال، كذلك تشجيع البنوك المحلية على اتخاذ مبادرات عديدة بهدف خلق النظام البيئي الملائم لنجاح وازدهار هذه الصناعة.
واختتم يوسف مقاله بالقول "لكننا نعتقد إن المشوار لا يزال في بدايته وسوف نشهد تحولات عميقة في البيئة التشريعية والتنظيمية تواكب المتغيرات السريعة الجارية في هذه الصناعة".