الطريق طويلة لاندلاع حرب تجارية عالمية

بقلم جيكوب باونسي، محلل العملات الرقمية لدى ’ساكسو بنك‘

يلخص هذا القسم من تقريرنا عن الربع الثالث الأحداث القصيرة التي شهدتها السياسة التجارية الأمريكية، والتي من شأنها توفير الرؤى حول مستقبل التجارة الدولية والتأثيرات المحتملة لاندلاع حرب تجارية على المواطنين في الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

يمكننا القول أن السياسة التجارية المعاصرة بدأت في عام 1930 بعد إقرار الكونجرس الأمريكي لقانون التعريفة الجمركية ’سموت - هاولي‘. ورفع القانون التعريفات الجمركية على كل من الزراعة والصناعة في خضم تفاقم الكساد الكبير. وجاءت ردة فعل الدول الأخرى بفرض تعريفات جمركية مماثلة وتعزيز التجارة بين بعضها البعض، وبعيداً عن نطاق النفوذ الأمريكي.

كما جاء التشريع الحمائي استجابة للانعزالية والنزعة القومية التي نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب العالمية الأولى، وأدت إلى الكساد الكبير. ويمكن تتبع السمات المتشابهة لتلك الفترة الزمنية مع الأحداث التي نشهدها اليوم. حيث تتجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو سياسات الانعزال والحمائية في عهد الرئيس ترامب بعد نحو عقد من الأسواق الصاخبة. ومع ذلك، وخلال الدورة الانتخابية الرئيسية التالية بعد تمرير قانون الحمائية، أطلق فرانكلين روزفلت حملة ضد قانون ’سموت - هاولي‘ ليحقق الفوز بالسباق الرئاسي. وما زلنا نترقب إمكانية استغلال مسألة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في إحدى الحملات الانتخابية التي ستنطلق في عام 2020.

وبمجرد وصوله إلى سدّة الرئاسة، وقع فرانكلين روزفلت قانون اتفاقيات التجارة المتبادلة لعام 1934، والذي أحدث موجة جديدة في السياسة التجارية الليبرالية ما زالت سائدة حتى يومنا هذا. ولعب هذا القانون دور المحفز السياسي لفرض تعريفات جمركية مخفّضة وتقليص الدوافع لرفعها من خلال زيادة ضغوطات شركات التصدير الأمريكية المستفيدة من السياسات التجارية الجديدة.

ومنح هذا القانون الرئيس الأمريكي الحق في التفاوض بشكل ثنائي، وأدى إلى توقيع 19 اتفاقية تجارية في غضون خمس سنوات فقط. وبالرغم من تحرر التجارة، شهدت التجارة العالمية وتيرة نمو ضعيفة بنسبة -0.83% بين عامي 1929-1938، وفقاً لـ فريدريكو وجانجويتو (2016).

وتتجلى أهمية قانون اتفاقيات التجارة المتبادلة في أنّه وفّر أول إطار عمل منظم بشأن التجارة الدولية، ومهد الطريق لـ "الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة" ’جات‘ عام 1947، والتي كانت أول اتفاقية تجارية حملت ثقلاً دولياً فعالاً، ووقعت عليها 23 دولة بهدف تحقيق تخفيض كبير في التعريفات الجمركية وغيرها من العوائق أمام التجارة، والقضاء على المعاملة التمييزية في التجارة الدولية.

وفي نهاية المطاف، تم استبدال اتفاقية ’جات‘ بتشكيل منظمة التجارة العالمية المكونة من 123 دولة؛ ومنذ تأسيس ’جات‘/’منظمة التجارة العالمية‘، بلغ متوسط نمو التجارة العالمية نسبة 5.1% بين عامي 1950-2007.

وقبل تأسيس منظمة التجارة العالمية، مررت الولايات المتحدة الأمريكية قانون توسيع التجارة لعام 1963، والذي أتاح للرئيس فرض رسوم جمركية من جانب واحد على أي بند يجد فيه تهديداً للأمن القومي أو يجعله عرضة للضرر. وتم استخدام هذا القانون ست عشرة مرة منذ عام 1981، كما استخدمه ترامب مؤخراً لفرض رسوم جمركية على واردات الصلب و الألمنيوم هذا العام.

واستخدمت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بشكل رئيسي للتأثير على صادرات الصين بمنتجات إضافية، مع احتمال إضافة مزيد من الدول في ظل الإدارة الحالية. وتعتبر الصين الشريك التجاري الأول على الصعيد العالمي للولايات المتحدة الأمريكية، وتمثل 45% من العجز التجاري الأمريكي منذ عام 2009 (و36% منذ عام 2001، عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية).

ومع ذلك، وبالرغم من دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2011، وما تلاه من تضخم تجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الحرب التجارية بين القوتين العظمتين اللتين تجمعهما صلات تجارية متشابكة لن تسهم إلا في إبطاء وتيرة النمو التجارية؛ ولا يمكنها إيقاف المسيرة المستمرة نحو العولمة والتجارة الحرة. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن إجراءات المعاملة بالمثل (أي ضريبة تسوية الحدود) في الحرب التجارية مسألة محايدة تماماً وفقاً لإحدى الدراسات الحديثة، ولكن اعتماد هذه الإجراءات حصراً عبر فرض تعريفات جمركية على الواردات قد يحدث تأثيرات سلبية على التجارة العالمية، مما ينجم عنه انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي في العالم.

وسيتكبّد المواطنون العاديون (في الدولتين) الخسائر خلال هذه المشاجرات، إذ ينبغي عليهم تحمّل التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن زيادة التعرفة الجمركية. وستختبر هاتان الدولتان تضخماً في التكاليف مع ارتفاع تكلفة عوامل الإنتاج المعتمدة على السلع المستوردة، مما يقلل من إجمالي العرض ويدفع الأسعار نحو الارتفاع.

ومع ذلك، يمكن للمستثمر الحكيم استثمار هذا الوقت الفريد في تاريخ التجارة العالمية لتوجيه محفظته نحو الاستفادة - واتخاذ موقف دفاعي - من تأثيرات استعداد هاتين القوتين العظميين لخوض حرب تجارية شاملة.