لقد أصبحت الدول المتقدمة والنامية على حد سواء تراهن على أهمية التعلم باعتباره الوسيلة المثلى لتحقيق النهوض والتنمية في المجتمعات؛ ومن هذا المنطلق جاء مفهوم المنظمة المتعلمة الذي يعد من أكثر المجالات الإدارية حداثة في الآونة الأخيرة، وإن لهذا المفهوم أهمية كبيرة في عالم اليوم الذي سمته التغير والتجدد والسعي نحو تحقيق التوازن داخل المنظمة، باعتباره منطلق النجاح في بيئة شديدة التنافس.
فالمنظمة المتعلمة هي منظمة القرن الحادي والعشرين الذي يتسم بسرعة التغيرات، وكثرة التحديات، وتقدم التقنية وسبل الاتصالات، وتوليد المعرفة وإدارتها، والاهتمام برأس المال الفكري الذي يتولد عن العنصر البشري معاملة وتقديراً وثقة، وتحفيزاً على التعلم والابتكار والمشاركة في صياغة الرؤية، وبلورة الاستراتيجية وصناعة القرار. إن المنظمة المتعلمة متميزة في سماتها، وفي استراتيجيتها، وفي أهدافها، وفي إدارتها.
فمنظمات التعلم تسعى إلى توفير فرص التعلم المستمر واستخدامه في تحقيق الأهداف وربط أداء العامل بأداء المنظمة، وتشجيع البحث والحوار والمشاركة والإبداع، كمصدر للطاقة والقدرات والتجديد والتفاعل مع البيئة.
إن التبني الواسع لمنظمة التعلم أصبح من الظواهر المعاصرة في تحقيق أبعاد النجاح الفعال في الوصول لأفضل الإنجازات التي تتطلبها مواصلة التحسن المستمر والتطور الفعال، إذ أن منظمات اليوم لكي تمارس دورها في البقاء والاستمرار؛ لا بد لها أن تتعلم أولاً ثم أن تتكيف مع مجالات التعلم، وبعد ذلك لا بد لها أن تتغير، إذ أن حالات التغير تعتبر المعيار الذي تلجأ إليه المنظمات لمواصلة البقاء والاستمرار، لا سيما وأن التغيير يمثل بطبيعته الحالة الحقيقية والدائمة في الحياة، فالاستقرار أو الثبات يمثل الموت، والتغير يمثل الحياة.
لا شك في أن التعلم هو من الظواهر ذات الأهمية الكبيرة في دراسة سلوك الفرد والمنظمة، إذ مثلما يتأثر الفرد سلوكياً من خلال المتغيرات الداخلية (كالإدراك والدوافع)، فإن ما يمتلكه من خبرات متراكمة سابقة (من خلال تفاعله مع البيئة) هي أيضاً من العوامل المحددة والموجهة للسلوك الإنساني، ومن هنا أصبحت دراسة التعلم ذات موقع متميز في إطار دراسات سلوك الفرد والمنظمة على حد سواء.
وفي ضوء ذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى تجديد المنظمات والمؤسسات العربية من خلال تبني مفهوم المنظمة المتعلمة، وذلك لأن التعليم أمر ضروري لإحداث التغيير الجوهري لكونه يشمل الأفراد، ولأن البيئة الإيجابية للتعلم توفر إمكانية أكبر للإبداع والابتكار.