عبدالعزيز الدوسري

بينما تتجه الأنظار إلى نتائج اجتماع أوبك الأخير وتأثير زيادة الإنتاج على توازن أسواق النفط. إلا أن هناك جانب آخر لمعادلة النفط يتعلق بالاستهلاك يجب ألا يغفل عنه.

تسارعت وتيرة نمو استهلاك النفط العالمي بدرجة كبيرة منذ تراجع الأسعار في عام 2014 مما سلط الضوء على الدور الهام الذي يلعبه الطلب على توازن أسواق النفط. فقد أدى انخفاض الأسعار إلى تحفيز الاستهلاك في الدول المتقدمة، أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بشكل واضح خلال الأعوام 2015-2017.

إلا أنه خلال 2017 وحتى الآن ارتفعت أسعار النفط بنسبة 70% عن مستوياتها السابقة نتيجة لاتفاق أوبك+ لتخفيض الإنتاج. وفي حال استقرار الأسعار عند هذه المستويات، أو حتى ارتفاعها، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك سلباً على نمط الاستهلاك التصاعدي للدول المتقدمة خلال العامين القادمين.

يتميز النفط كسلعة عن بقية السلع الأخرى «بانخفاض» المرونة السعرية للطلب على المدة القصير. حيث أن الطلب على النفط لا يتأثر بالتغييرات الطفيفة والمؤقتة في الأسعار. فالتغيير الكبير في أسعار النفط الذي حصل في 2014-2015 تسبب في ارتفاع النمط الاستهلاكي بشكل واضح. فحسب تقديرات شركة BP فإن استهلاك النفط تزايد بعدل 1.7 مليون برميل يومياً للسنوات الثلاث الماضية. مقارنة بمعدل 1.1 مليون برميل يومياً للأعوام 2012-2014. حيث كان معدل الأسعار 51 دولاراً بين عامي 2015-2017 و112 دولاراً بين عامي 2012-2014.

فمع تثبيت مستوى الإنتاج من أوبك، سيشكل الاستهلاك العامل الأساسي في تحديد مسار أسعار النفط. وبشكل أوضح، ستعتمد أسعار النفط في المدى القريب والمتوسط على ردة فعل المستهلكين تجاه أسعار النفط الحالية.

لم تستقبل أسواق النفط بشكل إيجابي نتائج الاجتماع الأخير لأوبك الذي يهدف لتقليل من النقص في إمدادات الأسواق بسبب الانقطاعات في فنزويلا وغيرها. فزيادة الإنتاج من قبل السعودية ومعها دول الخليج وروسيا سيقلل من الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لهذه الدول. وهذا بحد ذاته مؤشر سلبي لأسواق النفط التي تتعرض لانقطاعات متكررة تتطلب توفر طاقة إنتاجية احتياطية كبيرة للتغطية على هذه الانقطاعات.

في أسواق النفط هناك تفاصيل كثيرة وقطع متحركة متعددة تزيد من صعوبة مهمة التنبؤ باتجاه أسعار النفط في المستقبل.

ولعل السؤال الأبرز لفهم مستقبل أسعار النفط هو ما إذا كانت الأسعار الحالية مرتفعة بما فيه الكفاية لتتسبب في تراجع معدلات النمو الكبيرة للسنوات الثلاث الماضية أم لا؟

من أسباب صعوبة فهم تأثير الأسعار هو عدم تفاعل الطلب مع التغيرات في سعر النفط بالسرعة الكافية. فكما ذكرنا سابقاً حول مرونة الطلب على النفط، فإن أسواق النفط عادة ما تتطلب بين ستة أشهر إلى سنة ونصف لكي تتجاوب مع التغيرات «الكبيرة والمستمرة» في الأسعار.

ففي كثير من الدول، لا تتوفر الإحصائيات المتعلقة بالاستهلاك إلا بعد ثلاث شهور على أقرب تقدير. وحتى ذلك الحين سيكون من الصعوبة بمكان لمنتجي النفط اتخاذ أي قرار لتعديل الأسعار للمحافظة على زخم الاستهلاك. كما حدث في 2008 و2014، حينما كان الكثير من المحللين لا يرون أي بوادر للتباطؤ في الطلب. فلم تظهر علامات التراجع في الطلب إلا بعد فوات الأوان وانهيار الأسعار.

في حقيقة الأمر هذه النظرة هي أقرب للواقعية منها للتشاؤم. فلطالما كانت صناعة النفط تخضع لدورات عميقة وطويلة الأمد من الازدهار والكساد، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن السنوات القليلة المقبلة ستكون مختلفة. فالسلوك الدوري هو أهم خاصية مميزة لأسواق وأسعار النفط، وهي متجذر بعمق في هذا القطاع التجاري.

*الباحث والمحلل في مجال النفط والطاقة بمركز «دراسات»

الباحث والمحلل في مجال النفط والطاقة بمركز "دراسات"