عبدالعزيز الدوسري

فاجأ اتفاق أوبك «مجموعة أوبك بالإضافة إلى روسيا ودول أخرى» الكثير من المراقبين بسبب التزام جميع الدول المشاركة في الاتفاق بالحصص الإنتاجية المخفضة، واستمراره منذ بدايته في 2017 وحتى يومنا هذا. فقد اعتادت أسواق النفط سابقاً على ضعف التنسيق والالتزام من قبل أعضاء أوبك في جميع الاتفاقات السابقة لتنتهي بالفشل. وهذه سمة لازمة للتكتلات التجارية «ما يطلق عليه اسم Cartel» لطالما تحدث عنها الاقتصاديون المتخصصون في هذا المجال.

فالهدف الرئيس بالنسبة لأوبك وبقية الدول المشاركة في الاجتماع الأخير هو في المحافظة على الاتفاق الحالي. وبحث إمكانية تطويره ليتحول إلى آلية ثابتة للتنسيق حول مستويات إنتاج النفط لتفادي تكرار أزمة أسعار النفط 2014-2016.

وبالعودة للاجتماع الأخير، حيث اعتبر كثيرون أن عودة العقوبات الأمريكية على إيران باتت تمثل أبرز تهديد لاستمرار اتفاق أوبك+. فالإدارة الأمريكية الحالية طلبت من جميع مستوردي النفط الإيراني الامتناع تماماً عن شراء النفط من إيران بدءاً من نوفمبر القادم. وفي حال استمرار أي طرف في التعامل مع إيران فقد يتعرض لما يسمى بالعقوبات الثانوية.

بعيداً عن عدم واقعية مطالب الإدارة الأمريكية الحالية، فمن غير المتوقع أن يقوم أكبر زبائن إيران كالصين والهند من الامتثال لهذه المطالب. أولاً لرفض الصين وبقية الدول المشاركة في الاتفاق النووي لانسحاب الولايات المتحدة منه وإعادة فرض العقوبات، ثانياً، لعدم جدوى التهديدات الأمريكية بالعقوبات لكثير من شركات النفط الغير مدرجة في البورصة الأمريكية والتي لا تتعامل مع النظام البنكي الأمريكي كالشركات الصينية والهندية. بل إن نيران العقوبات الأمريكية قد تصيب حلفائها كأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية. مما يزيد من الشكوك حول واقعية هذه المطالب وإمكانية فرض العقوبات الثانوية.

في حقيقة الأمر إن الحاجة لزيادة الإنتاج من قبل أوبك أصبح ضرورة بسبب أوبك نفسها. يعود ذلك إلى قيام اتفاق أوبك+ في تقليل فائض مخزونات النفط الذي تراكم خلال الأعوام 2015-2016. وزاد على ذلك بقيام أعضاء أوبك بتحقيق نسبة التزام في تخفيض الإنتاج فاقت 150%. تعود نسبة الالتزام الكبيرة في الاتفاق لتراجع الإنتاج الغير مقصود من أعضاء منظمة أوبك وعلى رأسهم فينزويلا وليبيا وغيرهما.

فالاجتماع الأخير لأوبك لم يدعو لزيادة الإنتاج عن المستوى المعلن في الاتفاق السابق، بل لتحقيق نسبة التزام بالاتفاق الأساسي عند مستوى 100% وليس أكثر من ذلك. قد يقول أحدهم أن المحصلة واحدة في الحالتين، إلا أن الفرق جوهري بين الالتزام في نسب الإنتاج الأساسية وعدم التخفيض بأكثر ذلك وبين الدعوة لزيادة الإنتاج خارج نطاق الاتفاق.

تكمن الإشكالية في عدم قدرة فنزويلا وغيرها على زيادة إنتاجها لتصل للنسبة المتفق عليها. مما يعني ضمنياً أنه يجب أن تقوم دول أخرى من أوبك بزيادة إنتاجها لتغطية هذا النقص الحاصل، وهنا موضع الإشكال. فمن أجل تحقيق نسبة التزام 100% يتوجب على أوبك+ أن تزيد انتاجها ما بين 600 ألف ومليون برميل يومياً بدون اللجوء لنظام الحصص «الكوتا». ويرى كثير من المختصين أن التخلي، ولو الضمني، عن نظام الحصص يعني انتهاء الاتفاق الحالي ولو بقي شكلياً.

استطاعت دبلوماسية أوبك من تجاوز الكثير الصعوبات لتصدر بيان ختامي يرضي جميع الأطراف ويؤكد على ضرورة تحقيق التزام 100%. إلا أن تفسير كيفية تحقيق هذا الهدف لم يتم التطرق لها. لتفتح المجال أمام التكهنات حول قدرة السعودية ومعها دول الخليج وروسيا من زيادة الإنتاج لتعويض النقص في أسواق النفط. بالإضافة لكيفية المحافظة على الاتفاق في ديسمبر القادم عندما تعود العقوبات الأمريكية على إيران.

*الباحث والمحلل في مجال النفط والطاقة بمركز "دراسات"