البعض يرى أن تاريخ الأرجنتين يعيد نفسه، فبعد نحو 17 عاماً من إعلانها الإفلاس والتوقف عن خدمة ديون بأكثر من 80 مليار دولار، ومروراً بأزمة العام 2014، تواجه الأرجنتين من جديد شبح أزمة اقتصادية حادة تعصف بعملاتها التي فقدت أكثر من 50% من قيمتها منذ بداية العام.
وأعادت التظاهرات الحاشدة في العاصمة بينوس آيرس ومدن أخرى إلى الأذهان احتجاجات المواطنين على ارتفاع الأسعار وموجة التقشف الحادة ورفض اللجوء إلى صندوق النقد الدولي كما حدث في 2001، حين شهدت الأرجنتين أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة شهدت أكبر تعثر عن سداد ديونها في تاريخ البلاد.
وتعاني الأرجنتين، ثالث قوة اقتصادية في أمريكا اللاتينية، وأحد اقتصادات مجموعة العشرين، انكماشاً وصعوبة في إنعاش اقتصادها مع قفزة التضخم إلى 31% في الاثني عشر شهراً حتى يوليو الماضي، وفي ظل التوترات التجارية العالمية التي ألقت بظلال سلبية على صادرات الأرجنتين.
ورفع البنك المركزي في الأرجنتين سعر الفائدة إلى 60% من 45% بعد هبوط عملة "البيزو" إلى مستوى متدنٍ جديد أمام الدولار، فالتهاوي السريع لعملتها البيزو "peso" أمام الدولار أرغم البنك المركزي على رفع نسبة الفائدة الرئيسية بـ15% دفعة واحدة إلى 60% لتصبح من أعلى المستويات عالمياً.
كما أجرى المركزي تدخلات واسعة في سوق الصرف، بما في ذلك بيع احتياطيات بـ500 مليون دولار الأسبوع الماضي، ليرتفع ما ضخه المركزي منذ بداية العام لأكثر من 13 مليار دولار في سوق الصرف الأجنبي، لدعم العملة المحلية ولتتراجع بذلك احتياطياته لحوالي 54 مليار دولار.
لم يخفف تسريع الحصول على دفعات قرض صندوق النقد بقيمة 50 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات دعما لبرنامج التقشف الحكومي، وفقا لما أعلنه الرئيس الأرجنتيني، من الضغط على العملة ولم يساهم في طمأنة الأسواق.
كما تسبب ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي في زيادة تكلفة الديون الأرجنتينية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى صعوبة نمو اقتصاد الأرجنتين، وهو ما دفع المستثمرين إلى التخلص من البيزو.
وتبلغ ديون الأرجنتين المقومة بالبيزو والعملة الأجنبية المستحقة السداد هذا العام حوالي 25 مليار دولار، في حين يبلغ إجمالي الحاجات التمويلية للعام الحالي ما يزيد على 32 مليار دولار.
في المقابل تتوقع الحكومة انكماش الاقتصاد بنسبة 1% في 2018، وتحقيق نمو بما لا يقل عن 1.5% في 2019، خاصة مع تلقيها 15 مليار دولار تُمثّل الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي.