يكابد الاقتصاد اللبناني عدداً من المصاعب في الآونة الأخيرة، وسط مخاوف من أن يشهد الوضع مزيداً من الانهيار خلال الفترة المقبلة.

وبحسب تقرير لمجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية، فإن الاقتصاد اللبناني الذي يعتمد على ثلاثة أعمدة أساسية لتحقيق النمو، وهي السياحة والعقار والقطاع المالي، يواجه وضعاً داخلياً صعباً وتحديات مقلقة مثل أزمة اللاجئين الذين تدفقوا إلى البلاد والانقسامات الطائفية التي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار.

وتظهر الأرقام في القطاع السياحي، أن عدد من زاروا البلاد خلال العام الماضي، كانوا الأكثر في السنوات الخمس الماضية، في حين يظل السياح الذين زاروا لبنان في 2017 دون الرقم؛ الذي كانت البلاد قد في 2010، أي قبل بداية احتجاجات شعبية واضطرابات بعدد من الدول العربية، في وقت هبطت نسبة شغل الفنادق في البلاد بنسبة 17% في شهر واحد فقط خلال العام الماضي.

وأوردت "ذا إيكونوميست" أن شركة "كفالات" اللبنانية المختصة في منح القروض للشركات الصغرى والمتوسطة أشرفت على 117 مشروعاً فقط خلال العام الماضي، بتراجع قدره 6 %، مقارنة مع 2016، وتكشف الأرقام المسجلة في السنة الحالية أن عدد المشاريع أقل بنسبة 18%، مقارنة بالسنة الماضية.

وعلى الرغم من كثرة مشاريع البناء في العاصمة اللبنانية بيروت حيث يتجاوز سعر الشقة الواحدة مليون دولار في بعض الأحيان، تقول المجلة إن قطاع العقار يشهد تراجعاً ملحوظاً، وهو ما ينذر بتفاقم أزمة البطالة، على اعتبار أن هذا القطاع يؤمن واحدة من أصل كل عشرة وظائف بالبلاد.

وتكشف البيانات أن عدد تراخيص البناء في بيروت تراجعت بنسبة 8% خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، في حين انخفضت الصفقات العقارية بنسبة 17% خلال الربع الأول من 2018، مقارنة بالفصل نفسه من 2017.

ويخشى مطورون عقاريون في لبنان أن تتفاقم الأزمة على نحو أكبر من السنوات الماضية، نظراً للتغييرات التي طرأت على سياسة القروض في البلاد.

وكان البنك المركزي اللبناني يدعم القروض لسنوات طويلة، إلا هذا الامتياز توقف في مارس الماضي، ولم تعد ثمة إمكانية لأخذ قروض طويلة الأمد يمكن سدادها في 30 عاماً، وبنسبة فائدة لا تتجاوز 3%.

وإزاء هذا التغيير في نسبة الفائدة والدعم، أضحى الأزواج الشباب يجدون صعوبة في أخذ قروض عقارية تصل نسبتها إلى 8 أو 9%، مع ضرورة سدادها في فترة أقصر.

ولا تقف أزمة لبنان عند هذا الحد، فالناتج المحلي للبلاد نما بنسبة 8% خلال 2010 أي قبل بداية الأحداث في عدد من الدول العربية، و هبط هذا النمو إلى 2% فقط، بعد اندلاع الفوضى وتحول الاحتجاجات في سوريا إلى حرب أهلية وصراع إقليمي، أما الركود العقاري فسيكون له تأثير أكبر وقد يجر الوضع إلى مزيد من التردي.

وفي منطقة الحمرا، غربي بيروت، تقول "ذا إيكونوميست" إن أصحاب متاجر الأجهزة الإلكترونية يشكون كساداً غير مألوف حتى أن عدد منهم لجأ إلى تسريح العمال أو خفض رواتبهم حتى تقوى المحلات على الاستمرار.

ويقول مالك إحدى المشاريع الصغيرة في المنطقة، رافي سبونجيان، إن هذا الوضع هو أسوأ ما رأى منذ أربعين عاماً.

وبما أن نسبة الفائدة في لبنان قد ارتفعت على نحو ملحوظ في مسعى لجلب الأموال إلى البلاد، فإن هذا يعني تعثراً للمشاريع الصغرى التي ستجد صعوبة في الحصول على قروض لبدء أعمالها وخلق الوظائف.



وفيما يعلق البعض آمالاً على المساعدة الدولية لانتعاش الوضع الاقتصادي في لبنان، يقول متابعون إن الدعم كان مخيباً في المؤتمر الذي أقيم بباريس في أبريل الماضي، إذ لم يتعهد المانحون سوى بتقديم 12 مليار دولار، وجزء من هذه المساعدات عبارة عن قروض.

في غضون ذلك، يرجح صندوق النقد الدولي أن ترتفع مديونية لبنان لتصل إلى 180% من الناتج المحلي الإجمالي في خمس سنوات، بينما يصل الرقم حالياً إلى 150%، وهذا يعني أن دفع الديون سيلتهم نسبة تقارب60% من ميزانية لبنان، وعندئذ لن يظل هامش كبير لإنفاق الدولة في باقي المناحي.