الحديث عن الأزمات وآثارها دائماً ما يكون ثقيل الظل، إلا أن محاولة تكشف هذه الأزمات ومسبباتها قد يقي من وقوعها أو على أقل تقدير يحد من آثارها السلبية وتبعاتها، وهذا ما يفهمه الاقتصاديون جيداً ويعتبر شغلهم الشاغل خاصة صانعي السياسة النقدية والمسؤولين التنفيذيين.
البعض يرى مؤشرات التباطؤ في الاقتصاد العالمي بدأت ملامحها في الظهور، وتكثر هذه الملامح شيئاً فشيئاً، والكثيرون يشيرون بأصابع الاتهام إلى الأسواق الناشئة باعتبارها ربما تكون مصدر قلق وتهديد كبيرين، إلا أن هذا قد يكون محل شك.
صحيح أن المرشح الأبرز والمناسب لهذه البدايات هي الأسواق الناشئة، والتي عادة ما تكون مكاناً جيداً لتكوين ملامح أزمة جديدة، ولكن الأمور قد تكون مختلفة حالياً.
فمسارات النمو العالمية وتوقعات السياسة النقدية تنفصل، ليصبح المشهد الجيوسياسي أقل قابلية للتنبؤ بذلك.
إذ من المرجح تعزيز مستويات الدين العام والخاص مع استمرار نموها، وسوف تستمر في النمو بالفعل، ولعل هذا الانقسام الخاطئ بين البلدان الناشئة والمتقدمة يحجب المشهد ويحول الاستثمارات عن الفرص الصحية.
يقول الرئيس التنفيذي لبنك بيكاو، مايكل كروبينسكي، حسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إن التشاؤم من الأسواق الناشئة لا يستند إلى أي أساس على الإطلاق، إلا لأن مسؤوليتها عن الأزمة منشر على نطاق واسع.
ويضيف "هذا الانقسام المعيب بين الدول الناشئة والدول المتقدمة عامل رئيسي في زيادة الغموض، كما يبعد الاستثمارات عن الشركات والفرص الجيدة".
وقال كروبينسكي إنه ليس أدل على ذلك من الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي أثبتت خلاف ما يتم الترويج له الآن.
نحن نتحدث عن البلدان التي سيكون فيها النمو حوالي 7%، والتضخم يتراوح من 1%، إلى 15%، أو حتى أكثر، وعند النظر إلى مشهد الأسواق الناشئة، سواءً أطروحة المخاطر، أو المخاوف السياسية التي تحقق اختلالات اقتصادية محلية واضحة، إلا أن هذه النتائج عادة ما ترد عند الحديث عن أسواق محددة.
وبالرغم من ذلك فإن هذه المخاوف الآتية من كل من تركيا والأرجنتين معزولة إلى حد ما.
والعديد من "الأسواق الناشئة" لديها مسار جديد للتطور، وهذه الأسواق تم دمجها بشكل جيد في الاقتصاد العالمي، وهي قادرة على أن تقدم قادة مبدعين في عدد من القطاعات على سبيل المثال، عند النظر إلى الخدمات المصرفية الرقمية في بولندا، أو الشركات الناشئة في الشرق الأوسط.
وفي الواقع، هذه الأسواق لديها أيضاً درجة أكبر من الاعتماد الاقتصادي واعتماد أكبر على مصادر التمويل الخارجية، في الوقت الذي تشعر فيه الأسواق بالتوتر في هذه المرحلة من الدورة الاقتصادية، من الحكمة تذكر هذا الدرس.
ولهذه بحسب كروبينسكي يجب إيجاد آلية مغايرة لعملية تقييم الأداء الاقتصادي مثل التركيز على الاستدامة للسياسات الاقتصادية لكل دولة، بغض النظر عن كونها دولة متقدمة أو تنتمي للأسواق الناشئة.
رئيس قسم الأبحاث في AswagalMal.com عبدالعظيم الأموي، قال في مقابلة مع "العربية.نت"، إن من الصعب التنبؤ بمكان حدوث الأزمة المالية العالمية، سواءً من الاقتصادات الناشئة أو الدول المتقدمة.
وأضاف أن شرارة الأزمة قد تنطلق من أي مكان وسرعان ما تنتشر كالنار في الهشيم، لتتوالي نقاط الضعف في الاقتصاد العالمي.
وبالمقابل؛ وفي تقرير حديث قبل أيام لمؤسسة التمويل الدولية، ذكرت أن المخاطر من الأسواق الناشئة تكاد تكون محدودة وأنها ستعود للاستقرار قبل نهاية العام الجاري.
وذكر التقرير "نقدر تدفقات رأس المال غير المقيم إلى الأسواق الناشئة سوف تنزلق من 1.26 تريليون دولار في عام 2017 إلى 1.14 تريليون دولار في عام 2018، على أن تعود وتستقر على نطاق واسع عند 1.13 تريليون دولار في عام 2019".
وهذا الانسحاب سوف يقلل من التدفقات إلى 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو هذا العام، وهو أعلى من متوسط مثيله بين عامي 2014 و2017 والبالغ 3.4%.
وبالرغم من التراجع الملحوظ في أسعار الأصول وانخفاض قيم العديد من العملات، فإن تقييمات الأسواق الناشئة واستثمارات الصناديق الدولية بها، وخاصة في أسواق الأسهم قد وصلت إلى مستويات منخفضة تشجع على العودة مجددا للأسواق الناشئة.