بقلم: فادي الشيخ
على غرار التكنولوجيا المالية FinTech، يقف القطاع العقاري على أعتاب حقبة جديدة من التحول الرقمي، هذه المرة تعبير طنّان جديد بدأ صداه يصدح في الأوساط العقارية، هو باختصار PropTech أو تكنولوجيا العقار، بغية تحسين طرق شراء وبيع وتأجير وبناء وإدارة أية أصول عقارية.
هذا المصطلح الجديد يحمل بين طياته فرصاً وتحديات جمّة لقطاع اعتاد لعقود طويلة من الزمن أن يكون تقليدياً حد الرتابة في أدوات تسويقه، وجامداً في طرق إبرام عقوده الإنشائية والتمويلية، لكن التسارع الحميد بجهود رقمنة الكثير من القطاعات الاقتصادية كان له أثر إيجابي في أن تنال الأنشطة العقارية نصيباً من كعكة التغيير هذه.
حسناً فعل مجلس التنمية الاقتصادية في تنظيم قمة تكنولوجيا العقار خلال شهر سبتمبر الجاري لزيادة التوعية والتعريف بهذا التوجه العالمي الذي سيكون ثورياً بشروعه في إعادة قولبة وجه جديد كلياً لهذا القطاع الحيوي للاقتصاد الوطني، والذي مايزال ثاني أكبر قطاع غير نفطي في المملكة بعد القطاع المصرفي، بمساهمته بنسبة تفوق 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
ستكون مملكة البحرين بلا أدنى شك سباقة كما جرت عليه العادة في تبني موجة التغيير القادمة في قطاع العقار عبر استقطاب استثمارات PropTech، بفضل ما تملكه من مقومات جاذبة لتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية ومواكبتها لكل ما هو جديد في عالم تكنولوجيا المعلومات والتوجه المتسارع نحو الاقتصاد الرقمي. خاصة إذا ما علمنا بأن العام الماضي 2018 شهد لوحده صفقات عالمية حجمها 24 مليار دولار في مجال تكنولوجيا العقار، مع توقع ان يتخطى حجم الاستثمار في هذا الحقل الجديد حاجز 32 تريليون دولار خلال السنوات العشر القادمة.
ثمة أشكال عديدة ومتنوعة تندرج تحت مظلة تكنولوجيا العقار، لعل أبرزها المنازل الذكية التي تدار من قبل منصات رقمية تراقبها وتضمن حمايتها أمنيا، واستخدام منظم حرارة ذكي ينظم درجة حرارة في الوحدات السكنية غير المأهولة، ومصابيح الإنارة الذكية التي يمكن تشغيلها او إطفاءها عبر تطبيق هاتف ذكي أو مساعد رقمي مثل المساعد الافتراضي "أليكسا" من إنتاج شركة "أمازون".
كذلك الحال بالنسبة لتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز VR/AR التي تسمح لزبائن أي شركة عقارية في التنزه داخل أي مجسم لعقار سكني او مكتبي وكأنه حقيقة ملموسة، علاوة على بناء المنازل باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. أضف الى ذلك تسخير تقنية سلاسل الكتل الرقمية Blockchain لضمان مدفوعات مالية آمنة وسلسة في صفقات بيع وشراء الأصول العقارية والاستغناء عن المعاملات الورقية من غير رجعة.
وبفضل الثورة الرقمية في العقار على نطاق عالمي، طفت على السطح أيضاً نزعة متزايدة نحو الاقتصاد التشاركي، والذي يقدم حلولا وبدائل أقل كلفة وأكثر مرونة وإنتاجية على غرار مقايضة المنازل لغايات التأجير الموسمي والتشارك في مساحات التخزين والمكاتب والسكن وحتى متاجر التجزئة، ولعل موقعي WeWork و Airbnb أشهر مثالين على ذلك. كما بدأنا نسمع بين الفينة والأخرى عن توفر وظائف غير تقليدية في القطاع العقار مثل "طياري طائرات الدرون" و"خبراء تصميم المنازل بالواقع الافتراضي" و"مجمعي بيانات عقارية" وغيرها من شواغر معصرنة.
إن المتتبع لكل ما ذكر آنفاً لابد أن يدرك سريعاً بأن التحول الرقمي في القطاع العقاري في منطقتنا قادم لا محالة، شئنا أم أبينا، لذا يجب علينا تأهيل أنفسنا جيداً لركوب أمواج عاتية من التغيير القادم والذي سيعيد صياغة مستقبل أنشطة التطوير العقاري والمقاولات والبناء والتشييد، ولضمان النجاح في تحقيق ذلك، علينا أولاً أن نقبل به بكامل تفاصيله ومواصلة المثابرة للحفاظ على قاعدة قوية من العملاء الحاليين والمستقبليين عبر متابعة آخر المستجدات في تكنولوجيا العقار، ومضاعفة الاستثمار في أدوات التسويق الرقمي، والخروج بأفكار مبتكرة قادرة على الارتقاء بطرق إرضاء العملاء وتلبية احتياجاتهم العقارية بحرفية واقتدار على أعلى مستوى.