د. عبدالمحسن محمد دسوقي

شهد الاقتصاد العالمي العديد من الأزمات الاقتصادية خلال العقود القليلة الماضية، كان أولاها تلك الأزمات المعاصرة في التاسع عشر من أكتوبر عام 1987 حينما حدثت هزات عنيفة في معظم كبريات الأسواق المالية العالمية.

وسميت تلك الأزمة لاحقاً بأزمة "الاثنين الأسود"، إذ نجمت عنها خسائر فادحة في معظم أسواق المال في مختلف بقاع الأرض. وبعد قرابة عقدين من الزمن حدثت أزمة مالية أخري وذلك في عامي2007 و2008م اعتبرت من أسوأ الأزمات الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد العالمي منذ الكساد الكبير عام 1929م.

وحدثت الأزمة كنتيجة لمجموعة من الأحداث المتتابعة أدت إلى انهيار الأنظمة المصرفية في العديد من الدول. وبدأت تلك الأزمة المالية العالمية والتي سميت أيضاً بـ "أزمة التمويل العقاري" بتعثر بعض المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، وتطورت بشكل متسارع لتصبح أزمة عالمية نتج عنها انهيار الكثير من البنوك الأمريكية والأوروبية، وتبعها أيضاً انخفاض حاد في معظم مؤشرات أسواق المال وأسعار الأسهم المسجلة في تلك الأسواق. وقد أدت تلك الأزمة الحادة إلى مشاكل متعددة في السيولة والتمويل المالي للعديد من المؤسسات العالمية وبخاصة المؤسسات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

وأخيراً شهد عام 2016 تقلبات حادة في الاقتصاد العالمي جاءت كنتيجة لمجموعة من العوامل المختلفة أثرت عليه كتذبذبات أسعار النفط، والانتخابات الأمريكية، وخروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي حيث كان لقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثر كبير صادم على الاقتصاد العالمي.

وعلي عكس الأزمات المالية الأخري، كانت أزمة عامي 2007 و2008 الأعنف والأبعد أثراً على الاقتصاد العالمي، إذ كشفت تلك الأزمة مدى تدهور الأوضاع المالية في مختلف دول العالم وأظهرت بما لا يدع مجالاً للشك العديد من الحقائق أهمها عدم الالتزام بقواعد الحوكمة، وسوء الإدارة، وغياب الشفافية والإفصاح.

وفي ضوء ذلك، بدت الحاجة ملحة أكثر من أي وقت سابق إلي التزام الشركات بقواعد الحوكمة، فضلاً عن الحاجة إلى نشر مزيد من المعلومات المالية وغير المالية عن الشركات وبخاصة المالية منها. وكنتيجة طبيعية لما حدث اهتمت معظم الحكومات بموضوع حوكمة الشركات، وتزايدت الحاجة الملحة إلى القيام بمزيد من الدراسات من قبل المؤسسات أو الأفراد حول مسببات تلك الأزمة وسبل تجنبها في المستقبل.

ومن المسارعين في البحث حكومة مملكة البحرين التي اهتمت بهذا الموضوع الهام فأصدر البنك المركزي البحريني دليلاً لحوكمة الشركات يعد أول دليل متكامل لحوكمة الشركات في المملكة، على أن تلتزم بتطبيقه جميع الشركات المسجلة في البورصة البحرينية بدءاً من العام 2011، بهدف تحسين ممارسات حوكمة الشركات في مملكة البحرين، والارتقاء بها ، ثم تم إجراء بعض التعديلات علي هذا الدليل وأعيد إصداره معدلاً في العام 2018م.

وإلى جانب الاهتمام الواضح بموضوع حوكمة الشركات من قبل الحكومات في دول العالم، نال الموضوع نصيباً وافراً من اهتمام المؤسسات المختصة والأفراد فظهرت دراسات متعددة في العديد من دول العالم حول حوكمة الشركات بشكل عام، والاهتمام بتحسن مستويات الشفافية والإفصاح بشكل خاص.

وكان لكاتب المقال شرف المشاركة بإعداد دراسة تناولت موضوع ممارسة حوكمة الشركات من قبل الشركات المسجلة في بعض أسواق المال الناشئة ودراسة مدي تأثير خصائص الشركة علي الشفافية والإفصاح كأحد الأركان الأساسية لحوكمة الشركات. وتم إعداد مقياسين مختلفين، الأول وهو مقياس حوكمة الشركات والذي تضمن 12 عنصراً لتقييم مدي تقدم ممارسات الحوكمة في تلك الشركات، أما الثاني فهو مقياس الشفافية والإفصاح والذي أعد من خلال اختيار 65 عنصراً من عناصر المعلومات التي يجب أن تفصح عنها الشركات حيث قسم هذا المقياس إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى تضمنت معلومات عامة عن الشركة وعن مجلس الإدارة، أما الثانية فتضمنت معلومات عن الشفافية والإفصاح، وذلك بهدف دراسة مستوي الشفافية والإفصاح لدى تلك الشركات.

وفي ضوء تلك الدراسة والدراسات الأخري في هذا المجال يوصي الكاتب بضرورة عمل تقييم دوري لمدي التزام الشركات المسجلة في البورصة البحرينية بما ورد من شروط وقواعد في دليل حوكمة الشركات، وأن يطلب من تلك الشركات تعيين مسؤول عن علاقات المستثمرين وعن التعامل معهم وتوفير كل احتياجاتهم من المعلومات والتقارير والقوائم المالية كأحد الممارسات المهمة لحوكمة الشركات.

كما أوصى بضرورة أن يكون لدى الشركة شخص أو لجنة مسؤولة عن التأكد من مدى التزام الشركة بما يرد من قواعد وشروط بدليل حوكمة الشركات الصادر عام 2018م.

* أستاذ مشارك المحاسبة - جامعة البحرين