بعد عامين من الحرب التجارية "الضروس"، توصلت الولايات المتحدة والصين، الأربعاء، إلى اتفاق تجاري، في خطوة وصفت بـ"الهدنة" بين الاقتصادين الكبيرين، لاسيما أن النزاع صار يرخي بظلاله على نمو الاقتصاد العالمي.
وبحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن المسؤولين الأميركيين يراهنون على الاتفاق "التاريخي" لأجل رفع المبيعات الأميركية من السلع والخدمات الموجهة للصين، فضلا عن فتح أسواق البلد الآسيوي للشركات الأجنبية، لاسيما في شق الخدمات المالية، وتعزيز حماية الملكية الفكرية.
وبموجب الاتفاق التجاري الذي جرى توقيعه في البيت الأبيض، وافقت الصين على أن تزيد مشترياتها من الولايات المتحدة بما يقارب مئتي مليار دولار، في غضون سنتين.
ويضع هذا الاتفاق الذي يضم ثمانية أجزاء، حدا للحرب التجارية التي صارت تؤثر على نمو الاقتصاد العالمي، لكن "الصفقة" المبرمة يوم الأربعاء لا تقضي بإلغاء الرسوم المفروضة على 370 مليار دولار من السلع الصينية، أي ما يقارب 75 في المئة من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة.
ومن المرتقب أن يناقش الطرفان خفض هذه الرسوم في مفاوضات مقبلة، لاسيما أن ملفات كثيرة ما زالت على الطاولة، مثل الدعم الذي تقدمه الحكومة الصينية للشركات المحلية.
وينتظر أن تبدأ هذه المباحثات عما قريب، لكن من المستبعد أن تنتهي إلى نتيجة حاسمة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة، في نوفمبر المقبل.
وقال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في تصريح أثناء توقيع الاتفاق، إن كافة الرسوم سيجري إلغاؤها في حال أدت المباحثات المرتقبة إلى اتفاق ثان، وأضاف أن "الاتفاق التاريخي" الأول يؤسس لتجارة مستقبلية يحكمها الإنصاف والتعامل بالمثل.
من جانبه، أشار نائب الرئيس الصيني، ليو هي، إلى ضرورة تعاون البلدين في مواجهة عدد من التحديات الأخرى مثل الإرهاب وحماية البيئة، قائلا "لقد أرست الصين نظامها السياسي ونموذجها في التنمية الاقتصادية، وفق مواصفاتها الخاصة، لكن هذا لا يعني أن واشنطن وبكين لا يمكنهما العمل بشكل مشترك".
ويرى الخبير في شؤون الاقتصاد الصيني في شركة " هيلز آند كو"، جون فريسبي، أن الاتفاق يحقق "انتصارات" للولايات المتحدة، مضيفا أن بقاء الرسوم الجمركية يفتح الباب أمام نمو الاستثمارات بين البلدين.
وما إن كشفت الولايات المتحدة والصين عن قرب التوصل إلى اتفاق تجاري، حتى انتعشت سوق المال الأميركية، وأغلق مؤشر "داو جونز" الصناعي عند أكثر من 29 ألف نقطة لأول مرة، يوم الأربعاء. لكن توقيع الاتفاق بشكل فعلي لم يحدث قفزة ملحوظة، والسبب هو أن نص "الصفقة" لم يتضمن مفاجآت كبرى.
وينظر ترامب إلى الاتفاق كورقة رابحة على المستوى السياسي، لأن ساكن البيت الأبيض سيقدم نفسه بمثابة رجل الصفقات "الحاذق" أمام الناخبين، وسيكرر أنه الشخص الوحيد الذي استطاع أن يضغط على الصينيين ويضطرهم إلى التنازل.
"مكتسبات صينية"
لكن الديمقراطيين ليسوا راضين عن الاتفاق، فجو بايدن الذي يخوض الانتخابات التمهيدية للحزب، قال إن الاتفاق الذي جرى توقيعه اتسم بالغموض والضعف أو أنه وقع فيما سبق أن أشارت إليه "اتفاقيات سابقة أو سارية".
لكن الصين لم تخرج أيضا "خاوية الوفاض" من هذا الاتفاق التجاري، لأن الصفقة المبرمة حديثا لا تلزمها بإحداث أي تغيير في قوانينها ونصوصها التنظيمية الداخلية، حتى تضمن تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه.
وكانت مسودة جرى الكشف عنها في مايو الماضي، قد نصت على إلزام الصين بإقرار عشرات التغييرات القانونية، لكن هذا الأمر لم يحصل، أما خفض الرسوم الجمركية على 120 مليار دولار من السلع، بنسبتي 7.5 و50 في المئة، فمن المرتقب أن يجري خلال ثلاثين يوما.
وفي الشق المتعلق بحقوق الملكية الفكرية، استجابت الصين للولايات المتحدة بشكل "محدود"، فحتى وإن أكد البلد الآسيوي أنه سيفرض عقوبات وإجراءات ضد من ينتهكون "الأسرار" وبراءات الاختراع، لم ينص الاتفاق على خطوات ملموسة في الجانب المتعلق بالصيدلة وصناعة الدواء.
وأوردت "وول ستريت جورنال" أن الاتفاق التجاري لم ينص على عقوبات صارمة ضد منتهكي الحقوق الفكرية في المجال البيولوجي، رغم أن هذه "الانتهاكات" شكلت إزعاجا كبيرا لصناع الدواء الأميركيين الذين كانوا يطمحون إلى ما يحميهم من "الدواء الجنيس" المصنوع في الصين.