يقال "وقت الأزمات يصنع الثروات"، وهو ما شهدناه من وراء الكواليس بعد سلسلة أحداث مفاجئة هزت العالم اقتصادياً وحتى اجتماعياً، فإذا افترضنا أن أزمة فيروس كورونا (كوفيد19) شبيهة بالحرب المستحدثة لتصنف بالعالمية الثالثة، فإن التاريخ يشهد أن الحروب العالمية لم تبدأ شرارتها باجتياحات أو اعتداءات لكنها ترجع لأسباب أهمها اقتصادية تشبه الغليان حتى جاء حدث معين أشعل فتيل الحرب.

وسأكون أكثر دقة، فقد تحدثت عن شكل المنظومة الاقتصادية المقبلة في مقالات سابقة، خصوصاً بعدما انهيار القارتين العجوزين أوروبا وأمريكا، واليوم أعود بسؤال افتتاحي لمقالتي..من سيخرج من السباق فائزاً؟!.

من الواضح أن أزمة كورونا، ماهي إلا شرارة لمجموعة ممارسات كانت موجودة سابقاً أهمها نقطتين هما: العولمة وحرية انتقال البضائع والأفراد عبر اتفاقيات التجارة الحرة وعبر السفر إلى أي بقعة في العالم بتأشيرة أو بدون تأشيرة.

ولنبين أخطار العولمة، التي كانت شعاراً جميلاً يرفع مع ممارسات تطبيقات الأنشطة الديمقراطية - لكنه وبصراحة - أدى إلى تكدس أزمات حقيقية، أهمها هجرة العقول من الدول الأقل ثراءًا إلى الدول المتطورة والعكس صحيح، بالنسبة للمصانع والبضائع التي هاجرت من الدول الثرية المتطورة إلى الدول أقل ثراءًا ومن ثم تستورد من مصانعها.

وبالتالي، فإن هذين العاملين شكلا غلياناً دولياً حقيقياً في جميع الدول بأن المواطن الحقيقي يفقد وظائفه نظير المقيم أو الوافد سواءً كان شرعيا أو لا، مع الأخذ بعين الاعتبار اقتسام موارد الدول والتي نراها اليوم حيوية وتعد ثراء البلد الحقيقي من سكن وموارد صحية وغذائية وتعليم!! وهي بالتأكيد ليس جميعها من باب الصدفة!!.

ومن الأساس، كان هناك تيار يدعو لتراجع واضح عن العولمة، وما أزمة كورونا إلا عذر حقيقي وفرصة لاستغلال صعود هذا التيار عبر ممارسات إعادة هيكلة استراتيجيات الدول والتي كانت أشبه بمعسكرات حقيقية تربطها مجموعة اتفاقيات بين دول الخليج وأوربا والولايات المتحدة الأمريكية ماعدا الصين التي أثبت نفسها بأنها كانت رقم "2" عالمياً، وهي الآن في طريقها لأن تصبح رقم "1" وهي دولة شعبية غير ديمقراطية ونظامها لا يشبه أي نظام حالي في العالم مما يدعو لوقفة حقيقية لدراسة التنظيم الاقتصادي للعملاق الصناعي القادم!!!.

في الحقيقة، إن هذا الأمر يعود لتراجع النموذج الأمريكي مقابل كفة صعود وبروز نجم النموذج الصيني والذي بالطبع سيرتبط معه مجموعة استثمارات واتفاقات اقتصادية جديدة، ما يدفعنا إلى طرح سؤال قد يكون سابق لآوانه، وهو من سيخرج من السباق منتصرا هل الصين الشعبية أم أمريكا الديمقراطية؟!.

هذا ما أكده د. ستيف في إحدى تنبؤاته الاقتصادية، بأن موازين القوى ستنتقل من الغرب إلى الشرق وهو ما تتصدره العناوين والقراءات ما بين الأسطر بقصة نجاح الصين في احتواء الفيروس ورجوع كل مفاصل الدولة إلى تنظيمها الذي لم يتغير.

أما بالنسبة إلى الغرب فإننا نرى تخبطاً عظيماً.. انهيارات اقتصادية.. إفلاسات متكررة ناهيك علن الخلافات السياسية الحادة، وهو ما تنتهزه الصين الآن لتسويق قصة نجاحها عبر وسائل الإعلام للترويج لبضائعها.

نحن لا نلمح طبعا لانهيار حتمي لمجموعة دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لكننا نبين أن فشل منظومة القارتين العجوزين، أبرزتا نجاح الصين في جعلها الأولى اقتصاديا، وتسارع الدول لإبرام صفقات العلاج والاستيراد ومصادقتها استعدادا لتحول العالم حقيقة نحو صف الصين.

دول الخليج، والتي أصر على أنها مقبلة على نشاط اقتصادي حقيقي، يحررها من تبعات الأزمة المالية عام 2008، حيث ستصبح الصين الصديقة، أولى المستثمرين في أراضيها، بالإضافة إلى أنها الدولة الأولى في استيراد النفط الخليجي وبالذات السعودي وهو ما أعلنت عنه الحكومة السعودية قبل يومين عبر وكالة أنباء واس بتوقيع اتفاقية طبية ضخما بين البلدين بقيمة 995 مليون ريال سعودي - والتي تتضمن في اعتقادي الخاص - إيجاد سوق طويلة الأجل لنفط أرامكو وهي مرتاحة البال في مقابل تعثر شركات النفط الأمريكية ببيع أو حتى تخزين النفط، حيث بدأ المنتجون يتوسلون للبيع الآجل لتخفيف الخسارة.

يبقى هاجس نجاح دول الخليج العربي، مرهون بمدى استيعابها للاستفادة من موارد اقتصادها عبر الاهتمام بالفرد والمواطن لا بصفقة أو رقم وهو ما يشكل تحديا لدولنا بكيفية إعادة الاستثمار وهيكلة الاستثمارات الوطنية بعد تشافي بلدان منظومة الخليج العربي من أزمة فيروس كوفيد 19 في مشاركة حقيقية مع الطبقة التجارية ودعم المصالح المشتركة، ففي نهاية المطاف نحن جميعا نبحر في قارب وسفينة واحدة.

بتول شبر - سيدة أعمال ومحللة إقتصادية

[email protected]