اليوم السابع
رصدت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية ردود الأفعال والتداعيات المحتملة لقرار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بتحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجد، حيث ألمحت إلى إمكانية تعرض تركيا إلى عزلة خارجية بسبب هذا القرار.
وأشارت الدراسة إلى أن اتجاهات لردود الأفعال حول قضية "آيا صوفيا" انقسمت بين مؤيد ومعارض على نحو كان متوقعًا سلفًا، وربما يعبر أيضًا عن حالة الاستقطاب والجدل الدائر حول قضية “الهوية” التركية بشكل عام، وهو ما يمكن تناوله فيما يلي:
ينظر أنصار هذا الاتجاه إلى “آيا صوفيا” باعتباره أحد أبرز رموز الحقبة العثمانية، وهو تيار يعتبر الحكم بمثابة انتصار لهوية تلك الحقبة، بغض النظر عن هوية “آيا صوفيا” السابقة، واستنادًا إلى أنه ضمن أملاك السلطان العثماني “محمد الفاتح” الذي قام بشرائه من أمواله الخاصة من القساوسة.
وبالتالى، فإن هذا التيار يعتبر إعادة إقامة الشعائر الإسلامية هو تلبية لوصية السلطان، من ناحية أخرى، اعتبر هؤلاء أن القرار هو تعبير عن السيادة المطلقة لتركيا باعتبار ذلك شأنًا داخليًّا.
ويحظى هذا التيار بتأييد شريحة من الأتراك وفقًا لاستطلاع رأي أجرته إحدى المؤسسات البحثية التركية، بجانب دعم بعض الأحزاب السياسية في تركيا.
يرى أنصار هذا الاتجاه أن الأمر لا يخرج عن كونه استمرارًا لسياسات “أردوغان” في خلط الأوراق والتوظيف السياسي.
واستند أصحاب هذا الاتجاه أيضًا إلى استطلاع رأي أجرته مؤسسة “متروبول” للأبحاث كشف أن نحو 44% من الأتراك يعتقدون أن الخطوة الدعائية التي أعقبت القرار تهدف إلى تحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية، وهو ما يشير إليه تناقض مواقف “أردوغان” من القضية وتحولها، فقد صرّح في حديث سابق للتلفزيون التركي بأن تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، لكنه عاد وغير موقفه في مارس 2019 في أعقاب الانتخابات البلدية ليؤيد اتجاه تبني قضية تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد.
وانطلاقًا من هذه الرؤية، اعتبر أنصار هذا الاتجاه أن الحشد والتعبئة التي يُجريها “أردوغان” هذه المرة تهدف إلى تحقيق جملة من المكاسب السياسية، خاصة في ظل تراجع شعبيته على إثر تدهور الاقتصاد التركي وارتفاع أسهم المعارضة.
ويرى هؤلاء أن “أردوغان” ربما يعمل على كسب أصوات القوميين وأصحاب النزعة الإسلامية والمحافظين لصفه من خلال هذه القضية، خاصة في ظل مساعيه للدعوة لعقد انتخابات رئاسية مبكرة تضمن له الاستحواذ على السلطة قبل نجاح أحزاب المعارضة والقوى الناشئة من التكتل ضده.
وسط هذا الجدل والتباين في وجهات النظر، يمكن الإشارة إلى جملة من التداعيات التي قد يفرزها هذا القرار، سواء في الداخل أو الخارج.
من المحتمل أن يجني “أردوغان” مزيدًا من الدعم على إثر هذا القرار، خاصة من جانب المحافظين والقوميين داخل تركيا، وهو الرهان الذي يعمل “أردوغان” على كسبه مؤخرًا خاصة في ظل افتتاحه أكبر مسجد في تركيا (مايو 2019)، ناهيك عن قرب الانتهاء من أعمال التشييد في المسجد الواقع في “ميدان تقسيم” والذي وضعت نواته الأولى في عام 2017، حيث ظلت هذه المنطقة لأكثر من 50 عامًا دون وجود مسجد باعتباره ميدانًا للعلمانيين.
ومن ثم، يمكن لهذه التحركات، من وجهة نظر “أردوغان” بجانب “آيا صوفيا”، أن تحقق له مزيدًا من الدعم.
إلا أن الأمر قد لا يتم بهذه الصورة، خاصة أن مشروع صعود العدالة والتنمية منذ البداية تم من خلال المرتكزات والنجاحات الاقتصادية بشكل أساسي، ومن ثم يمكن أن يتسبب الوضع الاقتصادي المتدهور والمتراجع في تحويل هذا الدعم المؤقت لمزيد من الغضب الداخلي، وهو ما قد تعمل عليه المعارضة في الفترات المقبلة.
قد يؤدى هذا التحرك إلى توتر العلاقات بين تركيا وعدد من الدول، وفي مقدمتها اليونان التى تنظر إلى “آيا صوفيا” باعتبارها جزءًا من تراثها ورمزًا لإمبراطوريتها.
كما قد يزيد من الاحتقان والتوتر مع عدد من القوى والمؤسسات الدولية، وهو ما بدا واضحًا في ردود الفعل الخارجية المناهضة لهذا القرار، خاصة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن انتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي واليونسكو. ومن ثم، يمكن أن يتسبب هذا القرار في إحداث مزيد من الفجوة بين تركيا ومحطيها الإقليمي والخارجي.
كما يمكن أن يفتح الباب أمام مزيد من الضغوطات والقيود التي يمكن أن تُفرض على أنقرة، خاصة في ظل التوقعات بقيام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا في الاجتماع المزمع عقده في 13 يوليو الجاري.
من المرجّح أن يكون لتحويل هذا الأثر المهم من متحف إلى مسجد تداعيات على القطاع السياحي التركي، حيث يعتبر “آيا صوفيا” ضمن أبرز المعالم السياحية في تركيا، فقد زاره كمتحف نحو 3.7 ملايين سائح خلال عام 2019. كما تشير التقديرات إلى أن عدد زواره بلغ نحو 31 مليون سائح خلال الاثني عشر عامًا الماضية.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد لا تؤثر على إجمالي أعداد السياح الوافدين إلى تركيا بشكل ملحوظ، إلا أنها ستؤدي إلى انخفاض عائدات قطاع السياحة بما يقدر بنحو 41 مليون دولار.
وأكدت ان الجدل الدائر في تركيا حول قضية “آيا صوفيا” لن يكون المحطة الأخيرة في عهد النظام التركي المثير للجدل داخليًّا وخارجيًّا، وكأحد مؤشرات التحول التي تشهدها تركيا تحت مظلة العدالة والتنمية، والنهج الدعائي في الترويج للعثمانية الجديدة التي يروج لها “أردوغان” وحزبه، والتي سيجري توظيفها في الخطاب السياسي لاستقطاب تأييد شرائح من المؤيدين لتوجهات هذا التيار، والتي ستنعكس بالتبعية على تأييد هذه الشرائح لسياساته الاستعمارية الخارجية كما في سوريا والعراق وليبيا التي يوظف فيها هذا الخطاب لتبرير سلوكه وسياساته الخارجية.
{{ article.visit_count }}
رصدت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية ردود الأفعال والتداعيات المحتملة لقرار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بتحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجد، حيث ألمحت إلى إمكانية تعرض تركيا إلى عزلة خارجية بسبب هذا القرار.
وأشارت الدراسة إلى أن اتجاهات لردود الأفعال حول قضية "آيا صوفيا" انقسمت بين مؤيد ومعارض على نحو كان متوقعًا سلفًا، وربما يعبر أيضًا عن حالة الاستقطاب والجدل الدائر حول قضية “الهوية” التركية بشكل عام، وهو ما يمكن تناوله فيما يلي:
ينظر أنصار هذا الاتجاه إلى “آيا صوفيا” باعتباره أحد أبرز رموز الحقبة العثمانية، وهو تيار يعتبر الحكم بمثابة انتصار لهوية تلك الحقبة، بغض النظر عن هوية “آيا صوفيا” السابقة، واستنادًا إلى أنه ضمن أملاك السلطان العثماني “محمد الفاتح” الذي قام بشرائه من أمواله الخاصة من القساوسة.
وبالتالى، فإن هذا التيار يعتبر إعادة إقامة الشعائر الإسلامية هو تلبية لوصية السلطان، من ناحية أخرى، اعتبر هؤلاء أن القرار هو تعبير عن السيادة المطلقة لتركيا باعتبار ذلك شأنًا داخليًّا.
ويحظى هذا التيار بتأييد شريحة من الأتراك وفقًا لاستطلاع رأي أجرته إحدى المؤسسات البحثية التركية، بجانب دعم بعض الأحزاب السياسية في تركيا.
يرى أنصار هذا الاتجاه أن الأمر لا يخرج عن كونه استمرارًا لسياسات “أردوغان” في خلط الأوراق والتوظيف السياسي.
واستند أصحاب هذا الاتجاه أيضًا إلى استطلاع رأي أجرته مؤسسة “متروبول” للأبحاث كشف أن نحو 44% من الأتراك يعتقدون أن الخطوة الدعائية التي أعقبت القرار تهدف إلى تحويل الانتباه عن المشاكل الداخلية، وهو ما يشير إليه تناقض مواقف “أردوغان” من القضية وتحولها، فقد صرّح في حديث سابق للتلفزيون التركي بأن تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، لكنه عاد وغير موقفه في مارس 2019 في أعقاب الانتخابات البلدية ليؤيد اتجاه تبني قضية تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد.
وانطلاقًا من هذه الرؤية، اعتبر أنصار هذا الاتجاه أن الحشد والتعبئة التي يُجريها “أردوغان” هذه المرة تهدف إلى تحقيق جملة من المكاسب السياسية، خاصة في ظل تراجع شعبيته على إثر تدهور الاقتصاد التركي وارتفاع أسهم المعارضة.
ويرى هؤلاء أن “أردوغان” ربما يعمل على كسب أصوات القوميين وأصحاب النزعة الإسلامية والمحافظين لصفه من خلال هذه القضية، خاصة في ظل مساعيه للدعوة لعقد انتخابات رئاسية مبكرة تضمن له الاستحواذ على السلطة قبل نجاح أحزاب المعارضة والقوى الناشئة من التكتل ضده.
وسط هذا الجدل والتباين في وجهات النظر، يمكن الإشارة إلى جملة من التداعيات التي قد يفرزها هذا القرار، سواء في الداخل أو الخارج.
من المحتمل أن يجني “أردوغان” مزيدًا من الدعم على إثر هذا القرار، خاصة من جانب المحافظين والقوميين داخل تركيا، وهو الرهان الذي يعمل “أردوغان” على كسبه مؤخرًا خاصة في ظل افتتاحه أكبر مسجد في تركيا (مايو 2019)، ناهيك عن قرب الانتهاء من أعمال التشييد في المسجد الواقع في “ميدان تقسيم” والذي وضعت نواته الأولى في عام 2017، حيث ظلت هذه المنطقة لأكثر من 50 عامًا دون وجود مسجد باعتباره ميدانًا للعلمانيين.
ومن ثم، يمكن لهذه التحركات، من وجهة نظر “أردوغان” بجانب “آيا صوفيا”، أن تحقق له مزيدًا من الدعم.
إلا أن الأمر قد لا يتم بهذه الصورة، خاصة أن مشروع صعود العدالة والتنمية منذ البداية تم من خلال المرتكزات والنجاحات الاقتصادية بشكل أساسي، ومن ثم يمكن أن يتسبب الوضع الاقتصادي المتدهور والمتراجع في تحويل هذا الدعم المؤقت لمزيد من الغضب الداخلي، وهو ما قد تعمل عليه المعارضة في الفترات المقبلة.
قد يؤدى هذا التحرك إلى توتر العلاقات بين تركيا وعدد من الدول، وفي مقدمتها اليونان التى تنظر إلى “آيا صوفيا” باعتبارها جزءًا من تراثها ورمزًا لإمبراطوريتها.
كما قد يزيد من الاحتقان والتوتر مع عدد من القوى والمؤسسات الدولية، وهو ما بدا واضحًا في ردود الفعل الخارجية المناهضة لهذا القرار، خاصة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن انتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي واليونسكو. ومن ثم، يمكن أن يتسبب هذا القرار في إحداث مزيد من الفجوة بين تركيا ومحطيها الإقليمي والخارجي.
كما يمكن أن يفتح الباب أمام مزيد من الضغوطات والقيود التي يمكن أن تُفرض على أنقرة، خاصة في ظل التوقعات بقيام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا في الاجتماع المزمع عقده في 13 يوليو الجاري.
من المرجّح أن يكون لتحويل هذا الأثر المهم من متحف إلى مسجد تداعيات على القطاع السياحي التركي، حيث يعتبر “آيا صوفيا” ضمن أبرز المعالم السياحية في تركيا، فقد زاره كمتحف نحو 3.7 ملايين سائح خلال عام 2019. كما تشير التقديرات إلى أن عدد زواره بلغ نحو 31 مليون سائح خلال الاثني عشر عامًا الماضية.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد لا تؤثر على إجمالي أعداد السياح الوافدين إلى تركيا بشكل ملحوظ، إلا أنها ستؤدي إلى انخفاض عائدات قطاع السياحة بما يقدر بنحو 41 مليون دولار.
وأكدت ان الجدل الدائر في تركيا حول قضية “آيا صوفيا” لن يكون المحطة الأخيرة في عهد النظام التركي المثير للجدل داخليًّا وخارجيًّا، وكأحد مؤشرات التحول التي تشهدها تركيا تحت مظلة العدالة والتنمية، والنهج الدعائي في الترويج للعثمانية الجديدة التي يروج لها “أردوغان” وحزبه، والتي سيجري توظيفها في الخطاب السياسي لاستقطاب تأييد شرائح من المؤيدين لتوجهات هذا التيار، والتي ستنعكس بالتبعية على تأييد هذه الشرائح لسياساته الاستعمارية الخارجية كما في سوريا والعراق وليبيا التي يوظف فيها هذا الخطاب لتبرير سلوكه وسياساته الخارجية.