سكاي نيوز عربية
بعد مفاوضات شاقة استمرت أشهرا طويلة، توصلت بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق يحكم العلاقات التجارية بين الطرفين بعد نهاية المرحلة الانتقالية من "بريكست"، لكن الاتفاق لم يحسم كل الأمور، فبعضها سيبقى معلقا إلى حين.
وكانت لندن وبروكسل أعلنتا، الخميس، التوصل إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).
وفي عام 2016، صوّت البريطانيون بأغلبية بسيطة لمصلحة خروج بلادهم من التكتل الاقتصادي، بعد 47 عاما من عضويتها فيه.
وكان من الأسباب التي دفعت البريطانيين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي صعود تيار قومي يشدد على مسألة الهوية الوطنية والاستقلال عن أوروبا، وعجز القارة العجوز عن التعامل مع أزمة اللاجئين.
ولم تسر عملية "بريكست" بيسر، فقد كان مقررا أن تخرج لندن من الاتحاد في مارس 2019، لكن تم تأجيل الخروج ثلاث مرات وصولا إلى أواخر يناير 2020.
وخلال الأشهر الماضية، كانت بريطانيا ملتزمة بالقوانين الأوروبية، مع استمرار المفاوضات بشأن العلاقات التجارية لما بعد هذه المرحلة التي تنتهي مع نهاية اليوم الأخير من العام الجاري 2020.
وبدا أن الطرفين سعيدان بما جرى التوصل إليه، فالأوروبيون قالو إنه "عادل" و"متوازن"، فيما قال البريطانيون إن الاتفاق أعاد لهم السيطرة على حدودهم وأموالهم ومياه صيدهم.
وعمليا، لم يدخل الاتفاق حيز التنفيذ، ليس بسبب الزمن فحسب، بل هناك خطوات برلمانية لازمة خلال الأيام المقبلة. وسيناقش البرلمان البريطاني الاتفاق ويصوّت عليه في 30 ديسمبر الجاري، أي قبل يوم واحد فقط من انقضاء الفترة الانتقالية.
وبدوره، سيبدأ الاتحاد الأوروبي الاثنين دراسة الاتفاق التجاري لتحديد إذا ما كان ينطوي على جوانب خفية يمكن أن تثير مشاكل، قبل المصادقة النهائية عليه.
الصيد
ولا يبدو أن الاتفاق نهائي بين الطرفين، على الأقل بالنسبة إلى صيد الأسماك، إذ ستكون هناك فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ونصف بالنسبة لهذه الصناعة.
ورغم أن قطاع الصيد لا يساهم سوى في 0.1 في المئة من الاقتصاد، إلا أن استعادة السيادة البريطانية على قرارها فيما يتعلق بمياهها الاقتصادية يمثل أمرا رمزيا بالغ الأهمية.
وتقول لندن إنها حققت إنجازا بتنازل الأوروبيين عن 25 في المئة من حصتهم في الأسماك خلال الفترة الانتقالية، وسيتم بعدها إجراء مفاوضات بصورة دورية.
لكن صيادين بريطانيين رأوا أن رئيس الوزراء بوريس جونسون ضحى بمخزون البلاد من الأسماك خصوصا في البحر الكلتي لصالح الأوروبيين.
الرسوم الجمركية
وبموجب الاتفاق، لن تكون هناك أي رسوم أو حصص على المنتجات البريطانية والأوروبية، التي يتبادلها الطرفان، وبهذا حافظت بريطانيا على جزء من الميزات التي تمتعها بها سابقا عندما كانت عضوا في الاتحاد.
وسيكون لهذا الأمر تداعيات إيجابية على الطرفين، على الأقل في المدى القصير، إذ مثّل الاتفاق ارتياحا كبيرا للعديد من الشركات البريطانية التي تعاني بالفعل من تداعيات فيروس كورونا، وكانت تخشى حدوث اضطراب على الحدود عندما تغادر المملكة المتحدة الاتحاد.
وسيبقى على الصادرات البريطانية الامتثال لمعايير الصحة والسلامة، التي يضعها الاتحاد الأوروبي، بينما تحكم قواعد صارمة المنتجات المصنوعة من ماكّينات مصدرها خارج المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
قواعد الفرص المتساوية
هي نقطة أصر عليها الاتحاد الأوروبي لمنع الشركات البريطانية من امتلاك أفضلية تنافسية على نظيرتها الأوروبية، في محاولة لتقييد قدرة بريطانيا على دعم شركاتها في حال غير قوانين دعم الشركات.
وفي الأول من يناير، ستفقد مجموعات الخدمات المالية التي مقرها بريطانيا وضعها بالسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
ويقول وزير المالية البريطاني، ريشي سوناك، إن انفصال بلاده عن التكتل يتيح لها تقديم الخدمات المالية بشكل مختلف، مع تحررها من قيود الاتحاد الأوروبي.
وحتى مع إبرام الاتفاق، لا تزال هناك مفاوضات مطلوبة بين الطرفين للوصول إلى اتفاق بشأن الخدمات المالية وتكافؤ الفرص.
وبموجب النظام المعروف بالتكافؤ، لن تحصل البنوك وشركات التأمين وغيرها من الشركات المالية في بريطانيا على حق العمل بالأسواق الأوروبية إلا إذا ارتأت بروكسل أن القواعد المحلية "مكافئة"، أو بنفس قوة قواعد الاتحاد.
وتقول لندن إنها تهدف إلى تعاون بشأن التعاون التنظيمي في الخدمات المالية بحلول مارس 2021.
العمل والإقامة
ولن يكون من الممكن أن يواصل مواطنو المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الاستفادة من حرية الحركة للإقامة والعمل على طرفي الحدود، كما هو معمول به الآن، وهو ما سيترك تداعيات اجتماعية كبيرة.
وسيكون مواطنو الطرفين ملزمين بتقديم تأشيرات لاجتياز الحدود، لأي إقامة تزيد عن 90 يوما.
التحديات
وسيمثل بريكست تحديا لقدرة بريطانيا على عقد اتفاقيات تجارية ثنائية مع أطراف أخرى في العالم، إلى جانب الحفاظ على موقعها على مركز مالي، والوفاء بالتعهدات المالية التي قطعتها لصالح الاتحاد الأوروبي.
وسيكون على لندن إجراء مزيد من المفاوضات مع دول في الاتحاد الأوروبي وخارجه لبناء علاقات تجارية، وعلى سبيل المثال لدى بريطانيا أسواق في أكثر من 50 دولة بسبب عضويتها في التكتل الأوروبي، وبعد الانفصال عليها إبرام اتفاقات جديدة.