بقلم: أكرم مكناس

يعتبر توافر الإرادة الإصلاحية القوية والثقة بالإمكانات والقدرات الذاتية أحد الركائز الأساسية التي لا تنجح الاستراتيجيات والخطط والعمليات التنموية بدونها، وحتى أكون صريحاً لمست علامات هذه الإرادة والثقة في توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس التنمية الاقتصادية وذلك خلال ترؤسه الاجتماع الأخير لمجلس التنمية الاقتصادية والذي أكد خلالها على أهمية أن تتواصل جهود التنويع الاقتصادي التي تسهم في تعزيز الاستدامة للاقتصاد الوطني، حيث تعتبر الاستدامة أحد مبادئ الرؤية الاقتصادية 2030.

وسأكون صريحاً مرة أخرى إذا قلت إن مثل هذه التوجيهات التي تصدرت هذا الاجتماع إنما تبث الأمل لدى الجميع بشأن مستقبل التنمية الاقتصادية في المملكة وتعزز ثقتهم بما تم إنجازه على أرض الواقع وبالاستراتيجيات الوطنية التي تروم التخطيط للمستقبل وذلك في الوقت الذي تواجه فيه الاقتصاديات العالمية آثار ومفاعيل مقلقة لجائحة (كوفيد-19) التي ألقت بآثارها على نمو العديد من كبريات الاقتصاديات العالمية.

وإن كان من الطبيعي أن تمر الاقتصاديات العالمية بتحديات كبيرة جراء هذه الجائحة التي أخذت الجميع على حين غرة إلا أن الوقوف مذهولين أمامها والتحسر على ما فات لن يفيد في شيء، وما سعت إليه مملكة البحرين من مواصلة استراتيجية التنويع الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات المباشرة الأجنبية والنوعية في العديد من القطاعات الحيوية إلى جانب دعم القطاع الخاص وبالأخص الشركات الناشئة ورواد الأعمال إنما يعكس شجاعة استثنائية تبثها القيادة الرشيدة في مفاصل الدولة التي تسعى لأن تحقق النجاح في تحويل التحديات إلى فرص، وبالتالي تتوسع مجالات النمو لدى العديد من القطاعات التي لها مستقبل واعد وحظ كبير في الصعود مثل قطاع التكنولوجيا المالية «الفنتيك» وقطاع تكنولوجيا معلومات الاتصال.

وما ألمسه هو الحرص على أن يستفيد جميع أبناء هذا البلد من عملية التنمية الاقتصادية وأن يتم تعزيز بيئة الأعمال ودعمها وزيادة إمكاناتها التنافسية مهما كانت الظروف صعبة، وهو ما أثمر عن نجاح مثل هذه الجهود التي دلل عليها الإعلان عن نجاح مجلس التنمية الاقتصادية في تجاوز سقف أهدافه للسنة 2020 من خلال جذب استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 333 مليون دينار بحريني "885 مليون دولار أمريكي" تنوعت بين شركات محلية وخليجية وأوروبية وآسيوية ساهمت في قطاعات متنوعة منها القطاع المصرفي والمالي، والصناعي، واللوجستي وقطاع التجزئة، والتعليم والخدمات الصحية، والعقارات والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وكرجل أعمال ومستثمر فإنني أفهم صعوبة ودقة أن يقوم أي مستثمر باتخاذ قرار مصيري بشأن تنمية أعماله وتطويرها والاتجاه نحو موقع إقليمي وعالمي جديد لمواكبة تطلعاته وطموحاته فيما يخدم أهدافه والأهداف التنموية للبلد المضيف وأبنائه، وبالتالي فإن دخول هذا المبلغ الكبير من الاستثمارات الأجنبية في قطاعات اقتصادية متنوعة رغم جميع التحديات يعتبر شهادة على الحجم الكبير من الثقة التي يضعها المستثمر في إمكانات ومزايا هذا البلد التنافسية والتي تتيحها بيئة الأعمال المواتية لتطلعاتها وتشجع على الاستثمار وترحب به، على مستوى التنمية والازدهار الذي تحقق القطاعات الاقتصادية المختلفة في البلد، وقبلها الرؤية الواقعية والمتكاملة التي يتبناها هذا البلد وخطاب قيادته الموجه للعالم وأبناء البلد الذي يقتبس منه صناع القرار السياسي والاقتصادي وقطاعات الأعمال.

هذا الخطاب يجب أن نتلقفه نحن معشر رجال الأعمال والمستثمرين، وأن نشعر بمسؤوليتنا أكثر تجاه وطننا في هذه الظروف، ونتفاعل مع التوجهات العامة للبحرين على صعيد مواجهة التحديات الاقتصادية واجتياز المرحلة الصعبة الراهنة بأقل ما يمكن من الخسائر، فليس هناك مكان في العالم لا يعاني اقتصادياً من آثار الجائحة، بل ربما تكون البحرين من أقل الدول معاناة، وذلك بفضل الإدارة الحصيفة لأزمة جائحة كورونا بما في ذلك المنح المالية والإعفاءات وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لدعم القطاع الخاص.

وأول ما يجب فعله في هذه الاتجاه هو أن يحافظ التاجر على منشأته أو شركته أو محله يعمل، ولو بالحد الأدنى، في انتظار تحسن الأحوال من جديد، وذلك عن طريق ابتكار طرق جدية لخفض نفقات التشغيل، والتفاوض مع الموردين والمؤجرين وغيرهم، والبحث عن طرق جديدة لتطوير الإنتاجية ونموذج العمل عبر البيع أونلاين أو غيره، ذلك أن خروج أي نشاط تجاري من السوق وتسريح موظفيه يعتبر خسارة للاقتصاد الوطني ككل.

أنا متفائل لكني واقعي في ذات الوقت، وأرى أن الأعمال في تراجع، لكن دعونا نشببه بتراجع السهم قبل انطلاقه من القوس. وجميع رجال الأعمال يعرفون أنه في بعض الأحيان يسعون لتنمية استثماراتهم وزيادة أرباحهم، وفي أحيان أخرى يعملون فقط للمحافظة على ما بين أيديهم، وفي كلتا الحالتين يجب التحلي بالعمل والأمل.

ما بعد جائحة كورونا ليس كما قبلها، فقد غيرت الجائحة الكثير من المفاهيم وطرق أداء الأعمال إلى الأبد، لذلك يجب التفكير بقطاعات الاستثمار الجديدة التي تتضمنها الثورة الصناعية الرابعة من تقنيات حديثة كالحوسبة السحابية والذكاء الصناعي وانترنت الأشياء والروبوتات، وحتى أبحاث الفضاء، والبيولوجيا، والابتعاد ما أمكن عن الاستثمارات التقليدية، أو إدخال التقنيات الحديثة في الاستثمارات التقليدية على أضعف تقدير.

لقد تسنت لي فرصة التعرف عن كثب على طبيعة عمل فريق البحرين من الكوادر البحرينية في مجلس التنمية الاقتصادية خلال مرافقتي لهم في زيارة إلى إيطاليا قبل نحو عام، وأستطيع التأكيد أن هذا الفريق قادر على كتابة مستقبل أفضل للاقتصاد الوطني، ويملك من الفاعلية والكفاءة ما يجعله أهلاً للمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه.

وأرى أن البحرين وأبناءها سائرون على سكة النجاح على صعيد التنويع الاقتصادي وتعزيز التعاون الاستثماري وفي معركة التنمية وقلب التحديات إلى فرص في مرحلة (كوفيد19)، وأستطيع التأكيد بناء على ذلك أن الوقت لم ينفد بعد، ولا زال لدينا نحو عقد من الزمان لنحقق رؤية البحرين 2030، ونصل بالبحرين إلى القمة التي ننشدها جميعاً.