تسود خلافات بين مفاوضين عالميين يحاولون إعادة صياغة القواعد الضريبية للعصر الرقمي. وسادت الخلافات حول الحدِّ الأدنى لإيرادات الشركات؛ كأحد المعايير لحلِّ المشكلة المتعلِّقة بكيفية فرض ضرائب على الشركات الأمريكية العملاقة بقطاع التكنولوجيا، التي تعمل في أسواق عالمية، مثل: "أمازون" و"فيسبوك".

يدرس المسؤولون الأوروبيون اقتراحاً قدَّمته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن تدفع الشركات التي تحقق إيرادات سنوية لا تقل عن 20 مليار دولار فاتورتها الضريبية في الأماكن التي تعمل فيها، في حين أنَّهم أقل حماساً، لأنَّ المقترح الأمريكي يقصر دفع الضرائب على 100 شركة فقط، وفقاً لمصادر مطَّلعة على المناقشات.

قالت المصادر التي تحدَّثت بشرط عدم الكشف عن هويتها، إنَّ المفاوضين يواصلون أيضاً المساومة حول الحدِّ الأدنى للربحية بالنسبة للشركات الخاضعة للضرائب،

لاسيَّما المستوى الذي يضمن أن تدفع "أمازون" هامشاً منخفضاً.

معضلة الحد الأدنى

يمكن لمجرد تحديد مستوى إيرادات تبلغ 20 مليار دولار أن يجذب حوالي 540 شركة مدرجة في البورصة، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".

يؤدي مستوى الربحية المرتفع إلى تقليل عدد الشركات في القائمة، وقد أظهرت الإصدارات السابقة من خطة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنَّ الدول تفكِّر أيضاً في إعفاء صناعات معينة، بما في ذلك النفط والخدمات المالية.

ويعدُّ التوصل إلى اتفاق بشأن معايير الإيرادات، والأرباح للشركات الكبرى -إلى جانب مقدار أرباحها التي يجب إعادة تخصيصها- ضرورياً بالنسبة لاتفاق ضريبي أوسع، يشمل أيضاً حدَّاً أدنى للضريبة عالمياً على أرباح الشركات، الذي اقترحت الولايات المتحدة أن يكون 15% على الأقل.

من شأن المقترح تحقيق أكثر من 48 مليار يورو (59 مليار دولار) من الإيرادات الضريبية حال تطبيقه خلال 2021 في الاتحاد الأوروبي، وحوالي 41 مليار دولار في الولايات المتحدة، وفقاً للتوقُّعات التي نشرها مرصد الضرائب في الأوروبي المؤسَّس حديثاً.

تضغط إدارة بايدن من أجل التوصل إلى اتفاق عالمي بشأن الحدِّ الأدنى للضرائب من شأنه أن يساعد في دعم الإصلاح الضريبي الأمريكي الذي يهدف إلى تمويل أجندة الاستثمار الاقتصادي البالغة قيمتها 4 تريليونات دولار على مدار العقد المقبل. وتريد الإدارة تعزيز قواعد الحد الأدنى للضرائب في الولايات المتحدة، بما في ذلك رفع المعدل إلى 21%.

خلافات مستمرة

وبرغم أنَّ الولايات المتحدة أعطت الأمل للمحادثات التي استمرت لسنوات بمقترحاتها منذ أوائل إبريل، إلا أنَّ الخلافات المستمرة تؤكِّد صعوبة إيجاد أرضية مشتركة بين ما يقرب من 140 دولة مشاركة في المناقشات التي تقودها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

يتوخى المسؤولون الحذر، لأنَّه من غير المتوقَّع أن يتوصَّل وزراء مالية مجموعة الدول السبع إلى اتفاق بشأن هذه النقاط المحددة خلال اجتماع بلندن في نهاية الأسبوع الجاري، ومن المرجح أن يشيروا إلى تقدُّم عام نحو التوصل لاتفاقات عبر مجموعة العشرين، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الأشهر القليلة المقبلة.

قال الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المنتهية ولايته، أنجيل جوريا الإثنين الماضي بعد تقاعده، بعد أن ترأس المنظمة 15 عاماً: "أعتقد أنَّ لدينا اتفاقاً وشيكاً، ونأمل أن نتوصل إليه خلال العام الجاري".

ويأتي هذا الجهد مدفوعاً بمخاوف البلدان من أنَّ القواعد الضريبية الحالية لا تعكس بشكل مناسب الطريقة التي تعمل بها الشركات الرقمية من أجل الوصول إلى العملاء والمستخدمين في البلدان دون الوجود المادي الذي يعدُّ تقليدياً معيارَ الخضوع للضرائب.

محادثات صعبة

أصبح عدد متزايد من البلدان، بما في ذلك فرنسا والهند، يشعر بالإحباط بسبب وتيرة جهود منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمعالجة فرض الضرائب على الشركات الرقمية، وتحوَّلت إلى تدابيرها الخاصة لجني المزيد من الإيرادات من شركات التكنولوجيا العملاقة.

لكن تلك الضرائب على الشركات الرقمية قوبلت بتهديدات بالردِّ التجاري من جانب الولايات المتحدة، في ظلِّ كلٍّ من إدارتي ترمب وبايدن.

وتتناول "الركيزة" الأولى من خطة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المخاوف الضريبية على الشركات الرقمية من خلال تخصيص حصة أكبر من أرباح الشركات للبلدان التي تحقق فيها مبيعات، بدلاً من مكان وجودها.

تحدِّد "الركيزة الثانية" من الخطة حدَّاً أدنى عالمياً لمعدل الضريبة على الشركات، لإنهاء المنافسة على معدل الضريبة بين البلدان وزيادة الإيرادات.

منذ أن بدأ المشروع يكتسب زخماً في عام 2018، أدى الجدل حول نطاق قواعد الركيزة الأولى -تحديد الشركات التي ستشهد إعادة تخصيص أرباحها- إلى إرباك المفاوضين.

العين على "أمازون"

أرادت بعض البلدان تطبيق القواعد على شركات التكنولوجيا فقط، بحجة أنَّ النظام الحالي للقواعد الضريبية لا يتناسب مع نماذج الشركات الرقمية، لكنَّ الولايات المتحدة عارضت ذاك التوجه، الذي من شأنه نقل الإيرادات بعيداً عن الولايات المتحدة، لأنَّه يؤثِّر بشدَّة في الغالب على الشركات الأمريكية.

بعد سنوات من المناقشات، ما تزال البلدان تدرس نوعية الشركات التي تخضع للقواعد الجديدة، لاسيَّما عندما تحاول إيجاد طريقة لتشمل "أمازون".

تحقق أمازون عملاق التجارة الإلكترونية إيرادات ضخمة، لكنَّها تعمل بهامش ربح منخفض، وقد تفلت من معايير قواعد إعادة تخصيص الربح ما لم يتم تصميم القواعد خصيصاً لتشملها، مثل النظر في الأعمال السحابية للشركة بشكل منفصل عن ذراع البيع بالتجزئة.

قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير الأسبوع الماضي، إنَّ حلَّ مسألة شركة

"أمازون" أمر بالغ الأهمية لفرنسا. وأضاف: "عندما أقول جميع الشركات الرقمية المهمة، فهذا يعني جميع الشركات الرقمية المهمة"، في إشارة إلى الشركات التي تشملها الخطة.

وما يزال المفاوضون يعملون لتحديد الحدِّ الأدنى للضريبة بموجب الركيزة الثانية، وتفاصيل الخطة.