بلومبرغ + وكالات
في كتابه "نيويورك 2140"، تخيَّل كيم ستانلي روبنسون، كيف سيكون الحال إذا كانت الأسواق المالية مُصمَّمة للتعامل مع مخاطر التداول، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر أو ارتفاع المد والجزر، لكنَّ الرهان على توقيت وتكلفة إغلاق مناجم الفحم، أصبح شكلاً من أشكال التجارة المناخية القاتمة قليلاً، التي أوشكت على الظهور.
إذا اعتبرنا الأحداث الأخيرة دليلاً على ذلك؛ فإنَّ الأشخاص الذين يقترحون مثل هذا النوع من التداول، سيحاولون تسويقه لأنَّه نوع من الاستثمار المستدام، حتى وإن تحدَّت مبرراتهم المنطق، أو في أسوأ الأحوال، خاطرت فعلياً بتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
يقول بحث لجامعة أكسفورد، إنَّ أغلب القطاع المالي تقبَّل فكرة انتهاء فرص النمو في صناعة الفحم الحراري، فقد ارتفعت تكاليف تمويل الديون بنسبة الثلثين تقريباً من عام 2000 إلى عام 2020 مقارنة بالعقد السابق، كما بدأ الطلب عليه في الانخفاض، حتى في الصين التي تتراجع عن تمويل مشاريع ذلك القطاع في الخارج، برغم خططها لمواصلة بناء مصانع الفحم محلياً.
كما أصبح توليد الطاقة المتجددة أرخص حالياً، وأقل تلويثاً بكثير، باستثناء الأماكن القليلة التي يوجد فيها الفحم الحراري عن كثب ويسهل تعدينه.
مقترحات السوق
ماذا يحدث لمناجم الفحم غير المرغوب فيها؟.
اقترح مديرو الأصول، والبنوك الاستثمارية، وعمال المناجم، ومتداولو السلع، فكرة إنشاء "بنوك سيئة" متعلِّقة بالمناخ، أو صناديق مخصَّصة فقط لمناجم الفحم المنتهية. تدور تلك الفكرة حول إمكانية تقسيم أصول الفحم "السيئة" وتحويلها إلى أداة خاصة، أو فصلها لتتحوَّل إلى شركة مدرجة مُخصَّصة، على أن يتمَّ وضع أحكام وتعهدات بإنهائها في الوقت المناسب وبطريقة مسؤولة.
يتعامل هذا النهج مع مشكلة واحدة تتعلَّق بإغلاق مناجم الفحم. ولكن لا يجب هنا إثقال كاهل الأعمال الأخرى، مثل تعدين المعادن لتصنيع البطاريات التابعة لبعض الشركات المدرجة التي ما تزال تنتج أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً، بالكراهية الشديدة التي يشعر بها المستثمرون حيال شركائهم في أعمال الفحم.
يزيل هذا النهج أيضاً مسؤولية تلك الشركات عن تكاليف التنظيف من دفاترها، بعبارة أخرى؛ يعني هذا الكلام أنَّ هذا الحل يُعدُّ منطقياً بالنسبة إلى مجموعة مثل "بي إتش بي" BHP التي تريد بيع أصول الفحم الحراري المتبقية، لكنَّها تعاني من العثور على مشترين، أو شركة "غلينكور" التي تخطط حالياً للاحتفاظ بها.
وبدعم من قبل "سيتي غروب"، و"ترافيغورا"، يقوم أنصار هذه الأداة، بتجميل صورتها من خلال الترويج لصندوقهم، الذي يسير على غرار "البنوك السيئة"، على أنَّه استثمار صديق للمناخ سيدعم تحوُّل الطاقة.
لا يتعلَّق الأمر فقط بإغلاق مناجم الفحم لكي يتمَّ التوقف عن إنتاج الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، إذ تضرُّ العمليات نفسها بالأرض وبالممرات المائية المحيطة، لأنَّ إصلاح هذا الأمر يعدُّ مكلِّفاً للغاية، وقد يُحرم العمال والمجتمعات المحلية اقتصادياً عند إغلاق المنجم.
هناك مؤشرات على أنَّ الشركات بالفعل تعاني من تكاليف المعالجة، التي قد تكون كبيرة ويصعب تقديرها. في هذا الصدد، تعرَّضت شركة "ثونغيلا ريسورسيز" Thungela Resources للفحم، التابعة لـ"أنغلو أميريكان"Anglo American Plc ، إلى انتقادات من البائعين على المكشوف، تتعلَّق باضطرارها إلى إنفاق ما يزيد عن الميزانية المُخصَّصة للتنظيف.
بدورها، وافقت "ساوث 32" South32، التابعة لشركة "بي إتش بي"، خلال الشهر الماضي على دفع ما يصل إلى 175 مليون دولار، كجزء من بيع أعمالها لتعدين الفحم في جنوب إفريقيا، لكن ذلك غطَّى جزئياً فقط تكاليف المعالجة المتوقَّعة، في حين اقترح رئيسها التنفيذي تمويل المبلغ المتبقي من العمليات الجارية.
مع ذلك، يجب تقديم بعض التأكيدات الكبيرة للغاية قبل أن يتمَّ تغيير ملكية مناجم الفحم القديمة، خصوصاً إذا تمَّ تصوير الأمر على أنَّه تمويل "أخضر"، أو "انتقالي".
كذلك، يجب أن يطالب المستثمرون، والجهات التنظيمية، والجمهور، بالتزام الكيانات الصارم، حيال عدم محاولة زيادة التدّفق النقدي، من خلال التخلُّص من أكبر قدر ممكن من الفحم قبل موعد الإغلاق المقرر، أو حتى محاولة تمديد هذا الجدول الزمني. ويقضي مقترح "سيتي/ترافيغورا" بالاستمرار في إنتاج الفحم حتى عام 2045، وهو تاريخ يتعدى بكثير الموعد النهائي للحدِّ من الاحترار الكارثي.
فوضى كبيرة
هناك عقبة أخرى أيضاً تتعلَّق بضرورة تفسير ماهية تكاليف إصلاح البيئة المحلية ودعم المجتمعات، إذ تعاني تغطية هذه التكاليف بالفعل من فوضى في أجزاء كثيرة من العالم، فعلى عكس العديد من الدول، تطلب الولايات المتحدة من شركات التعدين تخصيص الأموال للإغلاق والتنظيف، إلا أنَّ مكتب المساءلة الحكومية وجدت في عام 2018 أنَّ ما يقرب من ربع الـ 450 منجماً، الذين خسروا أموالهم، لم يدَّخروا أموالاً كافية، في حين لم يقم 26% من الآخرين بادخارها بعد.
هناك حجَّة قوية تقول، إنَّ بناء منظومة ما يُعدُّ أفضل من لا شيء، لكن إذا لم يتم بناء الأدوات بعناية فائقة، فقد ينتهي الأمر ببيع أصول الوقود الأحفوري المتعثِّرة إلى كيانات مبهمة وغير مدرجة، لا تملك النيّة لتشغيلها أو إغلاقها بشكل مسؤول.
فعلياً، لا توجد إجابات سهلة، لكن على أي شخص يريد أن يدَّعي أنَّه مستدام، أن يُقدِّم بعض المطالب المهمة من أجل "إغلاق" مصادر الوقود الأحفوري. وبرغم أنَّ مناجم الفحم ما تزال تدر أموالاً، إلا أنَّ بعضها يجب أن يذهب إلى صندوق ادَّخاري معدٍّ جيداً للمعالجة والإصلاح، بل ومن الأفضل أن تبدأ المعالجة أثناء عمل المناجم. كل هذا سيتطلَّب إشرافاً وتدقيقاً صارماً من قبل مستثمرين يقظين للغاية.
{{ article.visit_count }}
في كتابه "نيويورك 2140"، تخيَّل كيم ستانلي روبنسون، كيف سيكون الحال إذا كانت الأسواق المالية مُصمَّمة للتعامل مع مخاطر التداول، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر أو ارتفاع المد والجزر، لكنَّ الرهان على توقيت وتكلفة إغلاق مناجم الفحم، أصبح شكلاً من أشكال التجارة المناخية القاتمة قليلاً، التي أوشكت على الظهور.
إذا اعتبرنا الأحداث الأخيرة دليلاً على ذلك؛ فإنَّ الأشخاص الذين يقترحون مثل هذا النوع من التداول، سيحاولون تسويقه لأنَّه نوع من الاستثمار المستدام، حتى وإن تحدَّت مبرراتهم المنطق، أو في أسوأ الأحوال، خاطرت فعلياً بتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
يقول بحث لجامعة أكسفورد، إنَّ أغلب القطاع المالي تقبَّل فكرة انتهاء فرص النمو في صناعة الفحم الحراري، فقد ارتفعت تكاليف تمويل الديون بنسبة الثلثين تقريباً من عام 2000 إلى عام 2020 مقارنة بالعقد السابق، كما بدأ الطلب عليه في الانخفاض، حتى في الصين التي تتراجع عن تمويل مشاريع ذلك القطاع في الخارج، برغم خططها لمواصلة بناء مصانع الفحم محلياً.
كما أصبح توليد الطاقة المتجددة أرخص حالياً، وأقل تلويثاً بكثير، باستثناء الأماكن القليلة التي يوجد فيها الفحم الحراري عن كثب ويسهل تعدينه.
مقترحات السوق
ماذا يحدث لمناجم الفحم غير المرغوب فيها؟.
اقترح مديرو الأصول، والبنوك الاستثمارية، وعمال المناجم، ومتداولو السلع، فكرة إنشاء "بنوك سيئة" متعلِّقة بالمناخ، أو صناديق مخصَّصة فقط لمناجم الفحم المنتهية. تدور تلك الفكرة حول إمكانية تقسيم أصول الفحم "السيئة" وتحويلها إلى أداة خاصة، أو فصلها لتتحوَّل إلى شركة مدرجة مُخصَّصة، على أن يتمَّ وضع أحكام وتعهدات بإنهائها في الوقت المناسب وبطريقة مسؤولة.
يتعامل هذا النهج مع مشكلة واحدة تتعلَّق بإغلاق مناجم الفحم. ولكن لا يجب هنا إثقال كاهل الأعمال الأخرى، مثل تعدين المعادن لتصنيع البطاريات التابعة لبعض الشركات المدرجة التي ما تزال تنتج أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً، بالكراهية الشديدة التي يشعر بها المستثمرون حيال شركائهم في أعمال الفحم.
يزيل هذا النهج أيضاً مسؤولية تلك الشركات عن تكاليف التنظيف من دفاترها، بعبارة أخرى؛ يعني هذا الكلام أنَّ هذا الحل يُعدُّ منطقياً بالنسبة إلى مجموعة مثل "بي إتش بي" BHP التي تريد بيع أصول الفحم الحراري المتبقية، لكنَّها تعاني من العثور على مشترين، أو شركة "غلينكور" التي تخطط حالياً للاحتفاظ بها.
وبدعم من قبل "سيتي غروب"، و"ترافيغورا"، يقوم أنصار هذه الأداة، بتجميل صورتها من خلال الترويج لصندوقهم، الذي يسير على غرار "البنوك السيئة"، على أنَّه استثمار صديق للمناخ سيدعم تحوُّل الطاقة.
لا يتعلَّق الأمر فقط بإغلاق مناجم الفحم لكي يتمَّ التوقف عن إنتاج الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، إذ تضرُّ العمليات نفسها بالأرض وبالممرات المائية المحيطة، لأنَّ إصلاح هذا الأمر يعدُّ مكلِّفاً للغاية، وقد يُحرم العمال والمجتمعات المحلية اقتصادياً عند إغلاق المنجم.
هناك مؤشرات على أنَّ الشركات بالفعل تعاني من تكاليف المعالجة، التي قد تكون كبيرة ويصعب تقديرها. في هذا الصدد، تعرَّضت شركة "ثونغيلا ريسورسيز" Thungela Resources للفحم، التابعة لـ"أنغلو أميريكان"Anglo American Plc ، إلى انتقادات من البائعين على المكشوف، تتعلَّق باضطرارها إلى إنفاق ما يزيد عن الميزانية المُخصَّصة للتنظيف.
بدورها، وافقت "ساوث 32" South32، التابعة لشركة "بي إتش بي"، خلال الشهر الماضي على دفع ما يصل إلى 175 مليون دولار، كجزء من بيع أعمالها لتعدين الفحم في جنوب إفريقيا، لكن ذلك غطَّى جزئياً فقط تكاليف المعالجة المتوقَّعة، في حين اقترح رئيسها التنفيذي تمويل المبلغ المتبقي من العمليات الجارية.
مع ذلك، يجب تقديم بعض التأكيدات الكبيرة للغاية قبل أن يتمَّ تغيير ملكية مناجم الفحم القديمة، خصوصاً إذا تمَّ تصوير الأمر على أنَّه تمويل "أخضر"، أو "انتقالي".
كذلك، يجب أن يطالب المستثمرون، والجهات التنظيمية، والجمهور، بالتزام الكيانات الصارم، حيال عدم محاولة زيادة التدّفق النقدي، من خلال التخلُّص من أكبر قدر ممكن من الفحم قبل موعد الإغلاق المقرر، أو حتى محاولة تمديد هذا الجدول الزمني. ويقضي مقترح "سيتي/ترافيغورا" بالاستمرار في إنتاج الفحم حتى عام 2045، وهو تاريخ يتعدى بكثير الموعد النهائي للحدِّ من الاحترار الكارثي.
فوضى كبيرة
هناك عقبة أخرى أيضاً تتعلَّق بضرورة تفسير ماهية تكاليف إصلاح البيئة المحلية ودعم المجتمعات، إذ تعاني تغطية هذه التكاليف بالفعل من فوضى في أجزاء كثيرة من العالم، فعلى عكس العديد من الدول، تطلب الولايات المتحدة من شركات التعدين تخصيص الأموال للإغلاق والتنظيف، إلا أنَّ مكتب المساءلة الحكومية وجدت في عام 2018 أنَّ ما يقرب من ربع الـ 450 منجماً، الذين خسروا أموالهم، لم يدَّخروا أموالاً كافية، في حين لم يقم 26% من الآخرين بادخارها بعد.
هناك حجَّة قوية تقول، إنَّ بناء منظومة ما يُعدُّ أفضل من لا شيء، لكن إذا لم يتم بناء الأدوات بعناية فائقة، فقد ينتهي الأمر ببيع أصول الوقود الأحفوري المتعثِّرة إلى كيانات مبهمة وغير مدرجة، لا تملك النيّة لتشغيلها أو إغلاقها بشكل مسؤول.
فعلياً، لا توجد إجابات سهلة، لكن على أي شخص يريد أن يدَّعي أنَّه مستدام، أن يُقدِّم بعض المطالب المهمة من أجل "إغلاق" مصادر الوقود الأحفوري. وبرغم أنَّ مناجم الفحم ما تزال تدر أموالاً، إلا أنَّ بعضها يجب أن يذهب إلى صندوق ادَّخاري معدٍّ جيداً للمعالجة والإصلاح، بل ومن الأفضل أن تبدأ المعالجة أثناء عمل المناجم. كل هذا سيتطلَّب إشرافاً وتدقيقاً صارماً من قبل مستثمرين يقظين للغاية.