مرصد الشرق الأوسط
تتصاعد الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سوريا مع سلسلة الإجراءات التي أصدرتها حكومة النظام السوري مؤخراً، بهدف توفير القطع الأجنبي والدولار، من خلال تقييد عمليات الاستيراد للعديد من السلع بما فيها سلعاً أساسية.
يشار إلى أن مصرف سوريا المركزي أصدر أواخر شهر آب الماضي، قرارين، قيّد الأول عمليات تمويل مستوردات القطاع الخاص، وحصرها بقنوات رسمية، فيما فرض القرار الثاني إعادة 50 بالمئة من قطع التصدير على المصدّرين، من جديد، وهو ما أثار جدلاً بين المستوردين السوريين، على اعتبار أن تلك القرارات تصيب الاقتصاد السوري بالشلل، خاصة وأن سوريا ليست بلد صناعي.
هروب رؤوس الأموال ومصائب تتساقط على رأس المواطن
يقول المحلل الاقتصادي، “عامر عرفة” تعليقاً على قرارات قوات النظام: “حكومة بشار الأسد تتعامل مع الأزمة وفق مبدأ قتل المريض ينهي المرض، والنظام السوري يقتل الاقتصاد للقضاء على الأزمة الاقتصادية ولتحقيق أهداف أخرى”، مشيراً إلى أن إجراءات النظام ستؤدي إلى هروب المزيد من رؤوس الأموال المحلية، من سوريا.
واعتبر “عرفة” أن نتائج إجراءات النظام بدأت بالظهور بشكل سريع مع تصاعد معدلات خروج رؤوس الأموال باتجاه العديد من الدول في مقدمتها مصر، التي باتت تعتبر أفضل وجهة لرؤوس الأموال السورية في ظل المناخ الاستثماري هناك، متهماً نظام بشار الأسد بارتكاب الخيانة العظمى بحق الاقتصاد السوري.
كما يوضح “عرفة”: “قرارات حصر تمويل مستوردات القطاع الخاص والمشترك، في أربع قنوات فقط، يعني أن عجلة الاستيراد ستتوقف تماماً وسيتحول الدولار إلى عامل صراع اقتصادي، ما ينشط عمل السوق السوداء بالنسبة لمن سيبقى من المستوردين”، لافتاً إلى أن الهدف الأساسي للنظام السوري من عملية تقييد تمويل المستوردات هو حصر تلك العمليات بطبقة تابعة له ومقربة منه.
يذكر أن قنوات التمويل المعتمدة من قبل حكومة النظام تنحصر إما بحساب المستورد المفتوح بالقطع الأجنبي لدى أحد المصارف العاملة في سوريا، والمرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، أو عبر بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق إحدى المصارف العاملة بسوريا، أو عبر بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق إحدى شركات الصرافة المرخص لها هذا النشاط بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في آذار/مارس المنصرم، أو عبر إحدى حسابات المستورد في الخارج.
في ذات السياق، يعتبر المحلل الاقتصادي، “أحمد زهير” أن قرارات المركزي، مُفصّلٌة على قياس كبار التجار، ومن شأنها أن تخرج العديد من الصناعيين والتجاريين من نشاطهم الاقتصادي بسبب عدم قدرتهم على تحقيق المحددات والمعايير التي اشتملها قرار مصرف سورية المركزي لتمويل المستوردات.
كما يرى “زهير” أن القرار يسهم في تعزيز حالة التفرد في السوق من جانب بعض المستوردين الذين لديهم القدرة على تحقيق محددات تمويل المستوردات الجديدة، مما سيعزز حالات احتكار العديد من المستوردات من جانب بعض التجار وهو ما سيسهم غالباً في رفع أسعار هذه المستوردات.
ويشير “زهير” إلى أن النظام يدرك جيدا تأثير هذه القرارات على الحركة التجارية في البلاد، لكنه يسعى من خلالها لفرض قيود جديدة على صغار التجار بهدف دفعهم إلى مغادرة البلاد.
في ذات السياق، يجمع المحللان الاقتصاديان، “زهير” و”عرفة” أن ما يحدث في نهاية المطاف سيدفع المواطن السوري ثمنه على شكل أزمات وفقدان للمواد الأساسية، لافتين إلى أن كل تلك الازمات ستقود إلى أزمات غلاء وتدهور في الوضع المعيشي.
سرقة كاملة الأركان
في تعليقه على قرارات المصرف المركزي، يقول الباحث الاقتصادي مناف بكور: “لو كنتُ تاجراً سورياً لوصفت القرارين الأخيرَين، بأنهما سرقة كاملة الأركان، لأموالي، من جانب “الدولة”.
ويوضح “بكور”، أن التاجر الذي سيصدر بضاعةً بقيمة 1000 دولار، ستبلغ قيمتها 3.6 مليون ليرة سورية حسب سعر صرف السوق السوداء الرائج حالياً، 3600 ليرة سورية للدولار الواحد، مبيناً أن قرار المركزي الأخير، الخاص بإعادة قطع التصدير، ألزم التاجر، بأن يبيع 500 دولار من قيمة البضاعة التي صدّرها، لصالح مصرفٍ محلّي سوريّ، بقيمة 2512 ليرة للدولار الواحد السعر الرسمي للمركزي.
ويلفت “بكور” إلى أن التاجر سيضطر لبيع الـ 500 دولار، بقيمة 1.2 مليون ليرة سورية تقريباً، فيما قيمتها الحقيقية هي 1.8 مليون ليرة سورية، ما يعني أن التاجر سيخسر حوالي 30% من قيمة البضاعة التي قام بتصديرها، وذلك لصالح خزينة “الدولة”، مشيراً إلى أن معظم التجار السوريين يعملون على خطَي التصدير والاستيراد معاً، لذلك فإن التاجر، لن يستطيع الاستفادة من حصيلة تصديره للبضاعة في استيراد بضاعة أخرى إلى الداخل السوري، إلا بنسبة الثلثين، فقط، ما يعني أن تجارته ستكون فعلياً، خاسرة وسيضمحل رأس ماله، كلما قام بصفقات جديدة.
ويضيف “بكور”: “لنفرض أن التاجر اشترى بالفعل، الدولار من شركات الصرافة، بـ 3290 ليرة سورية للدولار الواحد، سيضطر لاحقاً، وفق قرار المركزي الخاص بإعادة قطع التصدير، لأن يبيع نصف دولاراته التي حصّلها من عملية التصدير، بسعر 2512 ليرة سورية للدولار الواحد، لصالح خزينة الدولة، بمعنى أن التاجر سيخسر 778 ليرة سورية في كل دولار. لذلك، قلنا في بداية مقالنا، أن من حق التجار في سوريا، أن يصفوا قرارَي المركزي الأخيرَين، بأنهما، سرقة كاملة الأركان، لأموالهم.
ويشدد “بكور” على أن حكومة النظام تدرك كل ما سبق، لذلك كانت تتريث في فرض هكذا قرارات مؤلمة، وقد مهدت لها منذ نيسان/أبريل الفائت، حينما أعلمت غرف التجارة والصناعة بنيتها إحياء آلية إعادة قطع التصدير، لكن ردود فعل غرف التجارة حينها، أن النتائج ستكون سلبية للغاية، فيما مضت حكومة النظام في دراسة هذه الإجراءات، قبل أن تُصدرها في قرارَين للمركزي مؤخرا.
أما حول إصرار الحكومة على اتخاذ هذه الإجراءات رغم علمها بوجود آثار سلبية لها على الاقتصاد، ورغم معارضة قطاع الأعمال السوري لها، يقول “بكور” إن الأمر يتعلق بتضييق شريحة التجار والصناعيين القادرين على العمل في سوريا، ودفع جزء كبير منهم للمغادرة، لصالح حفنة صغيرة من حيتان المال الجدد، الذين قرر النظام أن يجعلهم رأس حربته للاستيلاء على كل ما يتعلق بالمال والاقتصاد في سوريا.
ويتوقع “بكور”، أن تشهد الأشهر وربما الأسابيع المقبلة، هجرة ثانية كبرى لرؤوس الأموال المحلية، قد لا تكون أقل وطأة من تلك التي شهدتها سوريا في بدايات الثورة بعيد العام 2011، مؤكدا أن أصوات جريئة داخل قطاع الأعمال السوري بدأت تتحدث عن موجة الهجرة الجديدة، لوسائل الإعلام الموالية.
يشار إلى أن “غرفة صناعة دمشق” التابعة لحكومة النظام السوري، كانت كشفت أن البلاد شهدت خلال العام الماضي “هجرة خيالية” للصناعيين إلى مصر، واعتبر رئيس قطاع النسيج بغرفة الصناعة، “مهند دعدوش”، أن هؤلاء الصناعيين “لا يمكن تعويضهم”، وغادروا البلاد بسبب الصعوبات التي يعانون منها.
يذكر أن وزارة الصناعة كانت قدرت في شهر آذار/ مارس الماضي حجم الخسائر التي طالت القطاع الصناعي العام والخاص منذ عام 2011 بأكثر من 600 تريليون ليرة سورية.
وقبل نحو شهرين، اعترف رئيس غرفة التجارة السورية الإيرانية المشتركة، “فهد درويش” بالعقبات التي تضعها إيران في طريق تصدير المنتجات السورية إلى طهران، كاشفاً أن النظام مستعد لتقديم تنازلات وإغراءات لإيران تتعلق بانخراطها في إعادة الإعمار والسماح بالاستيلاء على المصانع الحكومية المتضررة بحجة إعادة تأهيلها.
حملة تهجير من بوابة الضرائب
أصدرت وزارة المالية التابعة للنظام، الأسبوع الماضي، قراراً بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة، العائدة لمالكي شركة الوزير للمنظفات والصابون، وجميع ذويهم، وذلك بعد تغريم الشركة بغرامة تفوق الـ 7 مليارات ليرة، بحجة مخالفتها لبعض القوانين وإدخال مهربات.
وسائل إعلام محلية، قالت إن الحجز شمل أموال مالك شركة الوزير، “جمال الدين دعبول” وجميع أولاده وزوجته، والتاجر “إبراهيم برغلي”، بتهمة الاستيراد تهريباً لبضاعة ناجية من الحجز بقيمة نحو 3 مليار ليرة سورية، بالإضافة إلى غراماتها ورسومها ليصل المبلغ المطلوب تحصيله لصالح خزينة الدولة، أكثر من 7 مليار ليرة سورية.
وقبل بأيام، توفي رجل الأعمال الحلبي “هشام دهمان”، إثر نوبة قلبية بعد إغلاق معمله لصناعة المنتجات البلاستيكية في منطقة الشيخ نجار، جراء فرض ضرائب عليه بمليارات الليرات.
وكان دهمان، قد كتب منذ أسابيع منشوراً على صفحته الشخصية في “فيسبوك”، قال فيه: “رغم الحصار والمعاناة وتحملنا لكل الظروف الاقتصادية والاجتماعية وإعادة إعمار مصانعنا بعد تحريرها من الإرهاب، ومثابرتنا على الإنتاج لصنفنا المنتج البلاستيكي بكل أنواعه، نفاجأ بالأمس بدخول لجنة التكليف الضريبي إلى معملي في الشيخ نجار وتكليفها لي بمبلغ من المال لا يستوعبه البنك المركزي بمليارات الليرة السورية”.