انعكست الحرب الروسية الأوكرانية سريعا على الوضع الاقتصادي الهش في لبنان، الذي يعاني أصلا أزمة خانقة تضيق الوضع على رقاب المستهلكين وصغار التجار.
وأدى الارتفاع السريع في أسعار النفط والقمح والمواد الأولية الصناعية، إلى ارتفاع كبير في الطلب على الدولار لتسديد قيمة المشتريات نفسها لكن بمبالغ أكبر، ومع هذه الزيادة التي يعجز مصرف لبنان عن تأمينها أصيب الدولار بحالة من عدم الاستقرار، وارتفع في السوق السوداء بحوالي ألفي ليرة مقارنة بالسعر الرسمي.
وسجل الدولار في السوق السوداء، الإثنين، 22450 ليرة للشراء، في حين وصل سعر البيع إلى 22350 ليرة.
واعتبر الصحافي الاقتصادي المتخصص منير يونس في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تداعيات الحرب الأوكرانية على لبنان مشابهة لكل دول العالم، إذ "ارتفعت أسعار النفط مما أدى قفزة في أسعار المواد الأولية والسلع الاستهلاكية والنقل، وكذلك ارتفاع سعر القمح الأوكراني وشح الموارد عالميا".
وأضاف يونس أن "لبنان يستورد القمح من أوكرانيا تحديدا، ويجب البحث عن بلدان أخرى لاستيراده منها، وهي حتما من مسافات بعديدة أبعد من أوروبا".
وأوضح: "ارتفعت أسعار المواد الأولية والمعادن مثل الألومنيوم والنحاس، وهذا يعني زيادة الطلب على الدولار داخل السوق اللبنانية لتسديد الفواتير الخارجية بسعر مضاعف. وكان يجب تأمين كمية أكبر من الدولارات يوميا، وكان مصرف لبنان يؤمّن قسما من الدولارات من الاحتياطي الإلزامي لديه، والجزء الباقي يأتي من محلات الصرافة الخاصة".
وقال يونس إنه "عندما زاد الطلب على الدولار وصار السوق يحتاج يوميا ما بين 70 و80 مليون دولار، ارتفع سعر العملة الخضراء مجددا وصار الفرق واضحا بين منصة صيرفة الرسمية التي يديرها مصرف لبنان من جهة، وبين السوق السوداء لتجارة الدولار، وتوسع الفارق إلى أكثر من ألفي ليرة لكل دولار حتى اليوم".
وأردف: "من المتوقع أن تبقى الأمور تحت السيطرة إذا استقرت أسعار النفط والقمح عند حدودها الحالية، أما إذا ارتفعت أكثر فسيضطر مصرف لبنان للتدخل مجددا وضخ دولارات في السوق، لكنه لا يمكنه أن يذهب بعيدا في هذه اللعبة لأن كمية الدولارات لديه محدودة، وهي من الاحتياطي الإلزامي وأموال المودعين من المواطنين في المصرف، وتبلغ حوالي 11 مليار دولار، وهو قد تعهد بضبط الأمور ومنع تفلتها حتى الانتخابات النيابية خلال الشهرين المقبلين على أبعد تقدير".
وتابع الصحفي الاقتصادي: "إذا ارتفع سعر برميل النفط إلى 150 دولارا مثلا، حينها تتجاوز المشكلة لبنان ويضيق هامش المناورة للمصرف المركزي كلما زادت الأزمة عالميا، لاسيما عندما ترتفع أسعار المحروقات والمواد الأولية التي تدخل في الصناعة، وكذلك القمح".
وفي السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل الاقتصادي عماد الشدياق إن "هذا الواقع الجديد الذي نتج عن الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط بشكل خاص، يحول المستوردين وخصوصا مستوردي المحروقات إلى شركات الصرافة الخاصة مجددا، من أجل تغطية الفرق لتأمين الدولارات التي يعجز عن تأمينها مصرف لبنان".
وأوضح الشدياق في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذا هو ما أعاد القوة إلى صرافي السوق السوداء، فشهدنا خلال الأيام الماضية قفزات متتالية لسعر صرف الدولار من نحو 20400 ليرة إلى 24000، ثم استقر على نحو 22400 ليرة مقابل الدولار الواحد".
وأضاف: "لم تكن زيادة الطلب على الدولار نتيجة لزيادة الطلب على السلع، فالاستهلاك هو نفسه لم يتغير، لكن التضخم في أسعار السلع حول العالم فرض طلب المزيد من الدولارات لشراء الكميات نفسها من المحروقات والقمح والزيت والسكر واللحوم، وكذلك ارتفاع تكاليف الشحن البحري والتأمين".
وتابع: "إذا كان مصرف لبنان مثلا يبيع ألف دولار يوميا عبر منصة صيرفة قبل الحرب الروسية الأوكرانية، صار بسبب الحرب بحاجة إلى 1500 دولار لتسديد فواتير الاستيراد نفسها".
وختم الشدياق قائلا: "اكتشف مصرف لبنان أن الارتفاع الكبير في سعر الدولار ناتج عن الارتفاع العالمي في سعر المحروقات، وبعد أن كان يطلب من المستوردين تأمين 15 بالمئة من سعر المحروقات بالدولار من السوق السوداء، عرض المصرف على المستوردين بيعهم الدولار من منصة صيرفة التي يديرها لتغطية شراء المحروقات بنسبة 100 بالمئة، في محاولة منه لقطع الطريق على شركات الصيرفة الخاصة بالمضاربة على الدولار ورفع سعره بعد الطلب المتزايد عليه، مما ساهم في لجم ارتفاع العملة الخضراء بعد قفزاتها خلال الأيام الماضية".