أكد النائب السابق وعضو مجلس الشورى د.عبدالعزيز أبل، أن أداء مجلس النواب يجب أن يقاس بأداء الجلسة العامة، والقرار الذي يصدر منها، لا بقياس أداء العضو حتى إن أبدى رأيه، فربما يكون رأيه جيداً جداً، لكنه غير مقبول من الآخرين، لاعتبارات عدة منها عدم القناعة أو عدم الدراية، مضيفاً أن "التشريع يحكم السلطة التنفيذية والقضائية، وبالتالي دور المشرع كبير والآليات الداخلية دقيقة ومهنية، فلا يجب أن نظلم النائب الذي نتوقع منه أن يفعل المعجزات لأنه مقيد بآليات مهنية موجودة في جميع البرلمانات الأخرى".
وقدم أبل محاضرة نظمها مجلس الدوي بالمحرق بعنوان "عناصر الأداء المتطور لأعضاء السلطة التشريعية"، وأدراها خليفة الشوملي، وسط حضور عديد من رواد المجلس ونواب ومترشحون، منهم عبدالله الحويحي، ورؤى الحايكي، وليالي شهاب.
وقال أبل إن النواب يجب أن يفرقوا بين المرسوم والمرسوم بقانون، والاقتراح بقانون والمشروع بقانون، والمرسوم الذي يصدر في وقت الإجازة أي ضمن حالات الضرورة، مشيراً إلى أن آليات المجلس تتطلب فهماً ووعياً لعمل البرلمان، مقابل آليات وعناصر خارجية مطلوب مراعاتها ويمكن للنائب أن يبدي رأيه فيها ويكون صريحاً، لكن لا يصل إلى حد أن يغلق الأبواب على نفسه، بل يمسك العصا من الوسط.
فيما قال الشوملي في تقديم الندوة "في ظل الأجواء الانتخابية التي تعيشها البحرين هذه الأيام، وفي ظل التنافس بين المترشحين، والحوارات والنقاشات التي تدور بين الناخبين في جميع المحافل والمجالس، تبرز حالات من الإحباط أحياناً ومن التبريرات أحياناً أخرى حول نتاجات وجدوى المجالس النيابية والتشريعية والبلدية، الأمر الذي يتطلب الوقوف على ذلك ووضع حد لهذا الجدل".
في حين قال أبل "في الحقيقة حديثي لن يكون تقييماً للمجلس، فكعضو في مجلس الشورى لا أسمح لنفسي أن أقيم أداء زملائي الأعزاء في مجلس النواب، بل سأتحدث عن الآلية والعناصر التي تحكم التشريع أو السلطة التشريعية. وسأحدد بعض العوامل التي يمكن أن تحكم العضو سواء في مجلس النواب أو الشورى، حتى يتم توضيح أن العضو محكوم باعتبارات معينة سواء كان أداؤه جيداً أم غير ذلك".
وأوضح أن مجلس الشورى يختص بالتشريع فقط وليس لديه أي سلطة رقابية، فيما مجلس النواب منتخب من الإرادة الشعبية ويمثل إرادة المواطنين، ولديه سلطة تشريعية ورقابية وأيضاً سلطة تمثيل.
آليات داخلية وخارجية
وعن عناصر الأداء في مجلس النواب، قال أبل "يوجد جزآن داخلي وخارجي، الداخلي يتعلق بالمجلس نفسه، أي أن المجلس فيه عوامل وآليات عدة تحكمه، فهو مكون من 40 عضواً، ثلاثة منهم رئيس ونائبا رئيس لا يشاركون في اللجان، وبالتالي هم خارج التأثير المباشر للجان. وتوجد 5 لجان دائمة، بعضها متكون من 7 أعضاء وبعضها 8، لكن المهم هو الآليات والأداء في المجلس. وقد لا يستطيع الشخص تحقيق ما قاله سابقاً خارج المجلس، لأن العضو يمكن أن يقترح وليس لديه مجال أن يقرر إلا بالتصويت. العضو يقترح، واللجنة بأغلبيتها تقرر، وقرار اللجنة يبقى توصية للمجلس في الجلسة العامة، ويكفي في هذه الحالة أن نقول إن أداء العضو فقط محدود في الاقتراح، ثم يكون القرار من اللجنة كتوصية، والقرار الأخير للمجلس. وقرار المجلس لا يكون اعتباطا، لابد أن تكون هناك أغلبية، وتتشكل الأغلبية من خلال التوافق وقاعدة الحل الوسط، بمعنى إذا تم التوافق على الحل أصبح توصية، وبنفس الآلية خلال الجلسة العامة من الممكن لأي شخص من اللجان الأخرى أن يبدي رأياً معاكساً لرأي اللجنة ولا يقبله، حيث تتشكل الأغلبية إما بـ21 عضواً يصوتون مع بعض ويخرجون بقرار، أو بأغلبية الحاضرين مع استبعاد الممتنعين".
وأضاف أن" أداء المجلس يجب أن يقاس بأداء الجلسة العامة، والقرار الذي يصدر منها، وليس بقياس أداء العضو حتى لو أبدى رأيه، حيث يمكن أن يكون رأيه جيداً جداً، لكنه غير مقبول من الآخرين، لاعتبارات عدة منها عدم القناعة أو عدم الدراية، أو مجرد رأي يتفق مع آخر ويعترض مع آخر، وهذه الآليات تنهك الأعضاء تماماً، لأن العضو في الجلسة يتداول في الرأي، وبالتالي لا تتم تسمية الجلسة جلسة مناقشة بل تداول في الرأي وإبداء حجج معارضة لحجج أو مصالح معينة"، موضحاً "حين نتحدث عن التشريع فهو مختلف تماماً، وعلى سبيل المثال قانون التقاعد، لماذا وقع خلاف على قانون التقاعد، لأن فيه تضارب مع مصالح معينة، مصالح المواطنين عند مجلس وجد أنه لا يمكن أن يوافق عليها، ومجلس آخر وجد أنه من الممكن التعديل في بعض النصوص فتكون المصالح مصانة وليست معرضة للضرر، فالأساس هو أن يوجد اتفاق واختلاف وبالتالي يظهر القرار".
وعن الجزء الخارجي، قال أبل "الواقع خارج المجلس أن الشخص يعد وعوداً كبيرة وعندما يدخل إلى المجلس، فالعمل كله قانوني، وعلى من لا يملك خلفية قانونية أن يقرأ في القانون حتى يثقف نفسه، حتى حينما يتحدث يكون على صواب. العمل البرلماني مهني ودقيق جداً. ويجب اختيار المترشح الملم بالشأن القانوني والدستوري والمالي، حتى حين يتداول الرأي مع زملائه الأعضاء، يمكن أن يقنعهم ويشكل معهم أغلبية نحو اتجاه معين".
وأضاف "المجلسان النواب والشورى يتعاملان مع السلطة التنفيذية، والأخيرة هي ليست فقط الحكومة، إنما كل الهيئات التنفيذية في الوزارات، فالسلطة التنفيذية هي مجموع الوزارات، والحكومة مجموع الوزراء. المجلس يتعامل مع السلطة التنفيذية على مستويين، مجلس الشورى للتشريع فقط ومجلس النواب للتشريع والرقابة، ويشمل ذلك الصياغات التي تكون محكومة بالتوافق مع السلطة التنفيذية، حيث لا تستطيع السلطة التشريعية أن تسن قانوناً دون أن تأخذ بعين الاعتبار رأي السلطة التنفيذية، وبالتالي هذه من العناصر الخارجية المؤثرة خارج المجلس، وعندما تصوغ السلطة التشريعية القانون يجب أن تنظر أنه حينما يطبق من قبل السلطة القضائية ستفسر الأخيرة القانون وكل كلمة فيه ما إذا كانت في السياق أو خارجه، وتنظر إلى نية وقصد المشرع في الجلسة وتسجيل المضبطة، ثم تطبقه".
من يصوغ القوانين؟
وعن صياغة القوانين قال أبل "إن المجلس لا يصوغ القوانين، بل يصوغها ناس مختصون في الصياغة القانونية لأنها صياغة مهنية راقية جداً، وفي البحرين الجهة المختصة بالصياغة هي هيئة التشريع والإفتاء القانوني. وحتى يصاغ المشروع بقانون صياغة سليمة، يجب التشاور مع هيئة التشريع، والحكومة هي التي تنفذ، ويمكن أن تقترح الحكومة صياغة معينة فيها معوقات معينة دستورية أو إدارية، فالتشاور مع السلطة التنفيذية في حد ذاته أحياناً يعتبر أحد العناصر الأساسية في عمل السلطة التشريعية، فحسب الدستور يوجد فصل بين السلطات مع تعاون بينها".
وأضاف "نحن نقول دائماً إن النواب يجب أن يحققوا جزءاً من التمثيل بتحقيق المتطلبات والخدمات من إسكان وغيرها، وبمجرد ذهاب النائب إلى الوزير فهو يضع نفسه في وضع دقيق، فإذا صاغ صياغة معينة وتعقدت المسألة على الوزير، فكأنه أغلق الباب، لأن الوزير حين يقول إن القانون لا ينص على الموضوع فهذا يعني أنه لن يحدث شيء، وهنا يكون النائب أمام مشكلة أنه مسؤول عن الدائرة وفيها على سبيل المثال مطالبات إسكان عديدة، وبالتالي يطلب في المجلس مراعاة هذا الموضوع، فلا بد أن تتم مراعاته لأن لا يجب إغلاق الأبواب على خدمات النواب في جانب الإسكان أو الصحة أو التعليم مثلاً".
العلاقة مع القضاء
ومن العوامل الخارجية ذكر أبل أحكام القضاء. وقال "النائب لا يستطيع بأي شكل من الأشكال أن يعلق على أحكام القضاء، لأن القضاء مستقل ونزيه في عمله، لأنه يطبق القانون الذي أسهم النائب في صياغته أو تعديله، وبالتالي إذا وجد أي عتب على القضاء، فهو عتب على السلطة التشريعية وعلى الصياغة، لأن الصياغة إذا كانت مرنة يمكن تفسيرها بشكل مختلف، وإذا كانت صارمة جداً لا يتم تطبيقها بسهولة، فالقاضي يكون أمام خيار محدود جداً ويطبق ما يراه في القانون بشكل ملزم، وأحياناً يمكن أن يفسره تفسيرات معينة بانتظار حكم محكمة الاستئناف والتمييز. التشريع يحكم السلطة التنفيذية والقضائية، وبالتالي دور المشرع كبير والآليات الداخلية دقيقة ومهنية، فلا يجب أن نظلم النائب الذي نتوقع منه أن يفعل المعجزات لأنه مقيد بآليات مهنية موجودة في جميع البرلمانات الأخرى، ومثال على ذلك في بريطانيا، مجلس النواب لا يجتمع أصلاً بأغلبية، والقرار يكون في اللجان، فإذا وافقت لجنة معينة على قرار معين، لو اجتمع المجلس بأقلية يمرر القرار تمريراً طالما يوجد رئيس المجلس وممثل للمعارضة وممثل للحكومة، وبالتالي هم مضوا أسرع في هذا الجانب منذ 800 سنة في الممارسة، ونحن لا يمكن أن نطبق هذا الشيء لأن التجربة ناشئة منذ أربع فصول أي 12 سنة".