- المصلحة الشرعية المتحصلة من المشاركة تحافظ على إنجازات المملكة
- التكيف الفقهي للانتخابات والتأصيل الشرعي لها أنها واجبة وجوب وسائل
- المقصود الشرعي والديني للانتخابات لحفظ الأمن والأمان ودفع الشر
..
دعت إدارة الأوقاف السنية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، الخطباء والأئمة إلى ضرورة حثّ الناس على المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية.
وحول المشاركة بالانتخابات، أكدت "أن المصلحة الشرعية المتحصلة من المشاركة ستحفاظ على المكاسب والإنجازات التاريخية للمملكة، خاصةً وأن الشريعة الإسلامية جاءت في جميع أحكامها ومواردها ونوازلها بقاعدة عظيمة مبنية على تحصيل المصلح وتكميلها ودفع المفاسد أو تقليلها، والحفاظ على صلاح معاش الناس ودينهم في دنياهم وآخرتهم".
وقالت إدارة الأوقاف "يدرك أهلُ القضاء والفتوى وأهلُ العلم والسّياسة وكلُ من تكلم بإنصافٍ وديانةٍ أنّ الشريعة الإسلامية جاءت بالواجب والواقع، وبتحري الحق ورحمة الخلق، وبالوسائل الكاملة والمقاصد السامية، وبالعلوم النافعة والأعمال الصالحة، وبإصلاح الدين والدنيا، وبدفع الشر وتحصيل الخير".
وأضافت "أنها شريعة كاملة في وسائلها ومقاصدها وأدلتها وأحكامها؛ لا تقوم إلا بالمصلحة ولا توصف إلا بالحكمة ولا تظهر إلا بالحجة ولا تسود إلا بالقدرة؛ أحكامها مبنيّة على حفظ الأديان وحراسة الأوطان".
وقالت إن أكثر الأوقات ظهوراً لحكمة الشريعة وسماحتها ورحمتها وعدلها هو عند وقوع النوازل الخطيرة والتحديات الكبيرة، ولاسيما إذا كان استنباط أحكام تلك النوازل مبنيّا على تصوراتٍ دقيقة، وأدلةٍ شرعية صحيحة، ونظرٍ في مقاصد الشريعة وعللها وحكمها.
وقالت الإدارة "ومن تلك التطبيقات العصرية الواقعة المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية؛ كان لزاماً أن نبيّن بالأدلة النقلية والضوابط الشرعية الحكمَ الشرعي للمشاركة في التصويت في الانتخابات نصيحةً للمسترشدين وتذكيراً للغافلين وحجةً على المعاندين الذين لا يلتفتون إلى وقوع الأضرار الجسيمة، ولا يبالون بحصول العواقب الخطيرة، ولا يتألمون من ظهور المفاسد العظيمة".
الجواز الشرعي
وقالت "يعلم كل ناظرٍ في أدلة الشريعة وقواعدها ومقاصدها بنظر الفقيه المتبصر أن حكم المشاركة في الانتخابات هو الجواز الشرعي بل ربما يصل في بعض البلدان إلى الوجوب الشرعي بأدلة نقلية وقواعد شرعية.
فالدليل الأول: أن التكيف الفقهي للانتخابات والتأصيل الشرعي لها أنها واجبة وجوب وسائل؛ إذ الوجوب في الشريعة قد يكون وجوب مقاصد وقد يكون وجوب وسائل؛ فالصلاة والصيام هي واجبة وجوب مقاصد؛ ولكن هذا النوع من الواجب لا يتم إلا بوسائل؛ فتأخذُ هذه الوسائل حكمَ المقصد الذي توصل إليها على القاعدة المعروفة: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". فلا يتصور أن المقاصد واجبة والشرع لا يوجب وسائلها.
ولما كان مقصود الانتخابات وترشيح الأصلح للولايات هو للمصلحة العامة وتحقيق العدل بحسب الإمكان والتقليل من الشر بقدر المستطاع؛ فلما كانت هذه المقاصد واجبة ومطلوبة على الدوام، صارت الوسيلة الموصلة إليها واجبة وجوب وسائل؛ فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وهذا أمر متفق عليه عند علماء الفقه والأصول قديما وحديثا.
أما الدليل الثاني: هو الترشيح للولايات العامة منصوص عليه في القرآن ولو رشح الإنسان نفسه، وعرض نفسه لتولي الوظيفة؛ كما قال -تعالى- على لسان يوسف عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف: 55)؛ وفي الآية دليل على أنه يجوز للإنسان - بل قد يجب- أن يرشح نفسه لتولي الولايات العامة إذا علم من نفسه المقدرة والأهلية، وكان ترشيحه داخلاً في المصلحة الراجحة؛ ويوسف -عليه السلام- رشح نفسه لولاية على المشركين ؛ فكيف بمن يرشح نفسه لولاية يخدم فيها المسلمين؛ فهذا أولى بالجواز.
أما الدليل الثالث: أن القرآن نصّ على اختيار الأفضل وتقديم الأحسن في كل الولايات العامة، وانتخاب الأشخاص لتمثيلهم في المجالس النيابية والبلدية لا يخرج عن هذه الولايات.
كما قال تعالى على لسان ابنه شعيب:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}(القصص: 26)؛ فإذا كانت الإجارة وهي مصلحة جزئية خاصة اشترط لها القرآن القوة والأمانة؛ فمن باب أولى أن يعد جانب الكفاءة والأمانة في اختيار المترشح لهذه المجالس؛ لأن المصلحة في هذا الباب كلية عامة.
والدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الانتخاب وترشيح الأصلح من الأشخاص في ولايته على الناس ؛ وكان يجعل هذا الأمر من باب الوسائل كما في بيعة العقبة الثانية.
وقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أَخْرِجُوا إليَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، لِيَكُونُوا عَلَى قومِهم بِمَا فِيهِمْ. فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ الأوْس" .
وهذه هي حقيقة الانتخاب؛ فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن يرشحوا له 12 نقيباً يختارونهم بالانتخاب؛ وكان اختيار الأنصار مبنيّاً على اختيار الأصلح ولم يكن اختيارهم بالمناصفة ؛ فاختاروا 9 من الخزرج و3 من الأوس، وهم مجتهدون في ذلك؛ إذ مدار الأمر في الاختيار على الاجتهاد وما يصلح لكل مكان وبحسب الحال.
أما الدليل الخامس: أن الترشيح لهذه المجالس واختيار من يمثل الناس في الولايات والوظائف العامة من باب التزكية والشهادة؛ والأصل في الشهادة هو عدم الكتمان؛ بل كتمان الشهادة والتزكية أمر محرم في الشريعة؛ لا سيما إذا أدى الكتمان إلى الإضرار بالمصلحة العامة؛ كما قال تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
وقطعا، أن انتخاب المترشح لهذه المجالس بمثابة التزكية له التي تجري مجرى الشهادة؛ بل إشهار هذه الشهادة من خلال التصويت أهم من إشهارها في المعاملات المالية؛ لأن تولي من لم يكن موصوفاً بالأهلية الولايات العامة ضرره كبير على الفرد والمجتمع.
- الدليل السادس: إن القاعدة الفقهية المتفق عليها هي أن الأمور بمقاصدها؛ فحكم الشيء في الوجوب أو في الحرمة يأخذ حكم مقصده؛ لهذا معرفة حكم الانتخابات متوقف على معرفة المقصود من هذه الانتخابات.
وفي مملكة البحرين وغيرها لا يخرج مقصود الانتخاب عن أمرين أولهما: هو أن النائب ممثل عن الناس في تحقيق العدل وتحصيل الحقوق، والأمر الثاني والأهم: أن الانتخابات قد تكون - تحت وطأة الظروف والتحديات التي تحيط ببعض الدول ولاسيما والمنطقة عموماً بما هو واضح جلي لكل متابع للأحدث والتطورات - ضرورة شرعية وحاجة إنسانية ومسؤولية أخلاقية، عليه فإن المقصود الشرعي والديني للانتخابات غالبا ما يكون في ظل هذه التحديات هي لحفظ الأمن والأمان، والحفاظ على المصالح العظام، ولدفع الشر الواقع أو المتوقع.
- الدليل السابع، فإن قيل: إن بعض العلماء قد اختلف في الحكم على الانتخابات؛ فالمسألة اجتهادية خلافية؛ فكيف يقال بالوجوب؟ والجواب على هذا الاستشكال من وجوه 3 مهمة:
- الأول: أن القاعدة المعروفة عند العلماء المحققين هي: "أن حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ". ومعنى القاعدة أن رأي ولي الأمر في الأمور التي وقع فيها الخلاف يكون نافذا ؛ فإذا وقع الخلاف بين العلماء في مسألة اجتهادية، وأخذ الحاكم "ولي الأمر" بأحد القولين؛ فيكون رأي الحاكم نافذا ويرفع الخلاف؛ ويلزم الناس بقول الحاكم لا بالقول المتنازع فيه.
- الوجه الثاني: أن المشاركة في الانتخابات في بعض الدول في ظل هذا الظروف هو داخل في طاعة ولي الأمر؛ لأن ولي الأمر يحث على المشاركة؛ لأنه أقدر وأعلم من غيره في ترجيح الراجح من المصالح العامة.
- الوجه الثالث: أن العلماء الذين قالوا بالمنع؛ قالوا بالنسبة لواقع معين قد لا يكون مناط حكمهم موجوداً في واقع آخر؛ ولو سألوا عن حكم المشاركة في واقع البحرين وما يحيطه من تحديات ومخاطر لما ترددوا في القول بالوجوب؛ فظهر لنا أن أحكام المشاركة في الانتخابات أحكام اجتهادية منوطة بالمصلحة الراجحة وبرأي الإمام ؛ وهي من الأحكام التي تتغير بتغير الزمان والمكان.
وإكمالاً للمقصود وتحصيناً للعقول وثبيتاً للقلوب نذكر بالقواعد الفقهية والضوابط الشرعية التي تعين على فهم هذه الأمور المهمة من السياسة الشرعية:
- درء المفاسد مقدم على تحصيل المصالح.
- الحفاظ على رأس المال مقدم على تحصيل الأرباح.
- الضرر الأكبر يرفع بالضرر الأصغر.
- تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة.
- الحفاظ على الموجود أولى من طلب المفقود.
- اختيار النبلاء اختيار مصلحة لا اختيار شهوة.
- الولاية الكاملة لا تقوم إلا بالقوة والأمانة.
- إذا تعذر وجود الكامل يصار إلى الأمثل فالأمثل.
- الشر المتوقع في باب السياسة الشرعية ينزل منزلة الواقع.
- إذا تعذر تحصيل الكل لا يصار إلى ترك الجزء.
- وجوب المقاصد لا يتم إلا بإيجاب الوسائل.
- المصلحة الشرعية تارة تقوم بأهل الدين الكامل وتارة تقوم بأهل الدين الناقص.
- الأحكام السلطانية منوطة بالمصلحة والقدرة.
- منفعة وجود الإمام لا تتحقق إلا بطاعته.
فهذه وغيرها نصوص قاطعة وأدلة واضحة وقواعد ظاهرة على وجوب المشاركة في الانتخابات.
{{ article.visit_count }}
- التكيف الفقهي للانتخابات والتأصيل الشرعي لها أنها واجبة وجوب وسائل
- المقصود الشرعي والديني للانتخابات لحفظ الأمن والأمان ودفع الشر
..
دعت إدارة الأوقاف السنية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، الخطباء والأئمة إلى ضرورة حثّ الناس على المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية.
وحول المشاركة بالانتخابات، أكدت "أن المصلحة الشرعية المتحصلة من المشاركة ستحفاظ على المكاسب والإنجازات التاريخية للمملكة، خاصةً وأن الشريعة الإسلامية جاءت في جميع أحكامها ومواردها ونوازلها بقاعدة عظيمة مبنية على تحصيل المصلح وتكميلها ودفع المفاسد أو تقليلها، والحفاظ على صلاح معاش الناس ودينهم في دنياهم وآخرتهم".
وقالت إدارة الأوقاف "يدرك أهلُ القضاء والفتوى وأهلُ العلم والسّياسة وكلُ من تكلم بإنصافٍ وديانةٍ أنّ الشريعة الإسلامية جاءت بالواجب والواقع، وبتحري الحق ورحمة الخلق، وبالوسائل الكاملة والمقاصد السامية، وبالعلوم النافعة والأعمال الصالحة، وبإصلاح الدين والدنيا، وبدفع الشر وتحصيل الخير".
وأضافت "أنها شريعة كاملة في وسائلها ومقاصدها وأدلتها وأحكامها؛ لا تقوم إلا بالمصلحة ولا توصف إلا بالحكمة ولا تظهر إلا بالحجة ولا تسود إلا بالقدرة؛ أحكامها مبنيّة على حفظ الأديان وحراسة الأوطان".
وقالت إن أكثر الأوقات ظهوراً لحكمة الشريعة وسماحتها ورحمتها وعدلها هو عند وقوع النوازل الخطيرة والتحديات الكبيرة، ولاسيما إذا كان استنباط أحكام تلك النوازل مبنيّا على تصوراتٍ دقيقة، وأدلةٍ شرعية صحيحة، ونظرٍ في مقاصد الشريعة وعللها وحكمها.
وقالت الإدارة "ومن تلك التطبيقات العصرية الواقعة المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية؛ كان لزاماً أن نبيّن بالأدلة النقلية والضوابط الشرعية الحكمَ الشرعي للمشاركة في التصويت في الانتخابات نصيحةً للمسترشدين وتذكيراً للغافلين وحجةً على المعاندين الذين لا يلتفتون إلى وقوع الأضرار الجسيمة، ولا يبالون بحصول العواقب الخطيرة، ولا يتألمون من ظهور المفاسد العظيمة".
الجواز الشرعي
وقالت "يعلم كل ناظرٍ في أدلة الشريعة وقواعدها ومقاصدها بنظر الفقيه المتبصر أن حكم المشاركة في الانتخابات هو الجواز الشرعي بل ربما يصل في بعض البلدان إلى الوجوب الشرعي بأدلة نقلية وقواعد شرعية.
فالدليل الأول: أن التكيف الفقهي للانتخابات والتأصيل الشرعي لها أنها واجبة وجوب وسائل؛ إذ الوجوب في الشريعة قد يكون وجوب مقاصد وقد يكون وجوب وسائل؛ فالصلاة والصيام هي واجبة وجوب مقاصد؛ ولكن هذا النوع من الواجب لا يتم إلا بوسائل؛ فتأخذُ هذه الوسائل حكمَ المقصد الذي توصل إليها على القاعدة المعروفة: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". فلا يتصور أن المقاصد واجبة والشرع لا يوجب وسائلها.
ولما كان مقصود الانتخابات وترشيح الأصلح للولايات هو للمصلحة العامة وتحقيق العدل بحسب الإمكان والتقليل من الشر بقدر المستطاع؛ فلما كانت هذه المقاصد واجبة ومطلوبة على الدوام، صارت الوسيلة الموصلة إليها واجبة وجوب وسائل؛ فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وهذا أمر متفق عليه عند علماء الفقه والأصول قديما وحديثا.
أما الدليل الثاني: هو الترشيح للولايات العامة منصوص عليه في القرآن ولو رشح الإنسان نفسه، وعرض نفسه لتولي الوظيفة؛ كما قال -تعالى- على لسان يوسف عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف: 55)؛ وفي الآية دليل على أنه يجوز للإنسان - بل قد يجب- أن يرشح نفسه لتولي الولايات العامة إذا علم من نفسه المقدرة والأهلية، وكان ترشيحه داخلاً في المصلحة الراجحة؛ ويوسف -عليه السلام- رشح نفسه لولاية على المشركين ؛ فكيف بمن يرشح نفسه لولاية يخدم فيها المسلمين؛ فهذا أولى بالجواز.
أما الدليل الثالث: أن القرآن نصّ على اختيار الأفضل وتقديم الأحسن في كل الولايات العامة، وانتخاب الأشخاص لتمثيلهم في المجالس النيابية والبلدية لا يخرج عن هذه الولايات.
كما قال تعالى على لسان ابنه شعيب:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}(القصص: 26)؛ فإذا كانت الإجارة وهي مصلحة جزئية خاصة اشترط لها القرآن القوة والأمانة؛ فمن باب أولى أن يعد جانب الكفاءة والأمانة في اختيار المترشح لهذه المجالس؛ لأن المصلحة في هذا الباب كلية عامة.
والدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الانتخاب وترشيح الأصلح من الأشخاص في ولايته على الناس ؛ وكان يجعل هذا الأمر من باب الوسائل كما في بيعة العقبة الثانية.
وقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أَخْرِجُوا إليَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، لِيَكُونُوا عَلَى قومِهم بِمَا فِيهِمْ. فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، تِسْعَةً مِنْ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةً مِنْ الأوْس" .
وهذه هي حقيقة الانتخاب؛ فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أن يرشحوا له 12 نقيباً يختارونهم بالانتخاب؛ وكان اختيار الأنصار مبنيّاً على اختيار الأصلح ولم يكن اختيارهم بالمناصفة ؛ فاختاروا 9 من الخزرج و3 من الأوس، وهم مجتهدون في ذلك؛ إذ مدار الأمر في الاختيار على الاجتهاد وما يصلح لكل مكان وبحسب الحال.
أما الدليل الخامس: أن الترشيح لهذه المجالس واختيار من يمثل الناس في الولايات والوظائف العامة من باب التزكية والشهادة؛ والأصل في الشهادة هو عدم الكتمان؛ بل كتمان الشهادة والتزكية أمر محرم في الشريعة؛ لا سيما إذا أدى الكتمان إلى الإضرار بالمصلحة العامة؛ كما قال تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}.
وقطعا، أن انتخاب المترشح لهذه المجالس بمثابة التزكية له التي تجري مجرى الشهادة؛ بل إشهار هذه الشهادة من خلال التصويت أهم من إشهارها في المعاملات المالية؛ لأن تولي من لم يكن موصوفاً بالأهلية الولايات العامة ضرره كبير على الفرد والمجتمع.
- الدليل السادس: إن القاعدة الفقهية المتفق عليها هي أن الأمور بمقاصدها؛ فحكم الشيء في الوجوب أو في الحرمة يأخذ حكم مقصده؛ لهذا معرفة حكم الانتخابات متوقف على معرفة المقصود من هذه الانتخابات.
وفي مملكة البحرين وغيرها لا يخرج مقصود الانتخاب عن أمرين أولهما: هو أن النائب ممثل عن الناس في تحقيق العدل وتحصيل الحقوق، والأمر الثاني والأهم: أن الانتخابات قد تكون - تحت وطأة الظروف والتحديات التي تحيط ببعض الدول ولاسيما والمنطقة عموماً بما هو واضح جلي لكل متابع للأحدث والتطورات - ضرورة شرعية وحاجة إنسانية ومسؤولية أخلاقية، عليه فإن المقصود الشرعي والديني للانتخابات غالبا ما يكون في ظل هذه التحديات هي لحفظ الأمن والأمان، والحفاظ على المصالح العظام، ولدفع الشر الواقع أو المتوقع.
- الدليل السابع، فإن قيل: إن بعض العلماء قد اختلف في الحكم على الانتخابات؛ فالمسألة اجتهادية خلافية؛ فكيف يقال بالوجوب؟ والجواب على هذا الاستشكال من وجوه 3 مهمة:
- الأول: أن القاعدة المعروفة عند العلماء المحققين هي: "أن حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ". ومعنى القاعدة أن رأي ولي الأمر في الأمور التي وقع فيها الخلاف يكون نافذا ؛ فإذا وقع الخلاف بين العلماء في مسألة اجتهادية، وأخذ الحاكم "ولي الأمر" بأحد القولين؛ فيكون رأي الحاكم نافذا ويرفع الخلاف؛ ويلزم الناس بقول الحاكم لا بالقول المتنازع فيه.
- الوجه الثاني: أن المشاركة في الانتخابات في بعض الدول في ظل هذا الظروف هو داخل في طاعة ولي الأمر؛ لأن ولي الأمر يحث على المشاركة؛ لأنه أقدر وأعلم من غيره في ترجيح الراجح من المصالح العامة.
- الوجه الثالث: أن العلماء الذين قالوا بالمنع؛ قالوا بالنسبة لواقع معين قد لا يكون مناط حكمهم موجوداً في واقع آخر؛ ولو سألوا عن حكم المشاركة في واقع البحرين وما يحيطه من تحديات ومخاطر لما ترددوا في القول بالوجوب؛ فظهر لنا أن أحكام المشاركة في الانتخابات أحكام اجتهادية منوطة بالمصلحة الراجحة وبرأي الإمام ؛ وهي من الأحكام التي تتغير بتغير الزمان والمكان.
وإكمالاً للمقصود وتحصيناً للعقول وثبيتاً للقلوب نذكر بالقواعد الفقهية والضوابط الشرعية التي تعين على فهم هذه الأمور المهمة من السياسة الشرعية:
- درء المفاسد مقدم على تحصيل المصالح.
- الحفاظ على رأس المال مقدم على تحصيل الأرباح.
- الضرر الأكبر يرفع بالضرر الأصغر.
- تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة.
- الحفاظ على الموجود أولى من طلب المفقود.
- اختيار النبلاء اختيار مصلحة لا اختيار شهوة.
- الولاية الكاملة لا تقوم إلا بالقوة والأمانة.
- إذا تعذر وجود الكامل يصار إلى الأمثل فالأمثل.
- الشر المتوقع في باب السياسة الشرعية ينزل منزلة الواقع.
- إذا تعذر تحصيل الكل لا يصار إلى ترك الجزء.
- وجوب المقاصد لا يتم إلا بإيجاب الوسائل.
- المصلحة الشرعية تارة تقوم بأهل الدين الكامل وتارة تقوم بأهل الدين الناقص.
- الأحكام السلطانية منوطة بالمصلحة والقدرة.
- منفعة وجود الإمام لا تتحقق إلا بطاعته.
فهذه وغيرها نصوص قاطعة وأدلة واضحة وقواعد ظاهرة على وجوب المشاركة في الانتخابات.