الحرة
في مناطق مزدحمة بعيدا عن الأحياء الثرية بالعاصمة الدوحة، تعد المنطقة الصناعية موطنا لعدد كبير من العمال المهاجرين في قطر.
وقبل أشهر من استضافة كأس العالم لكرة القدم، زارت صحيفة "إندبندنت" المنطقة التي تعتبر واحدة من أهم أجزاء الدولة الخليجية المزدهرة، ولكنها نادرا ما تظهر على المسار السياحي ولا تجتذب الزوار من الخارج.
تعد المنطقة الصناعية ذات الاسم التقليدي ومدينة العمال المجاورة موطنًا لعدد كبير من إجمالي سكان قطر، حيث يعيش ما يصل إلى 800 ألف مهاجر آسيوي وأفريقي، يعملون بشكل أساسي كعمال بناء وحراس أمن.
ويختبئ العمال خلف السيارات المتوقفة وأكوام الخردة المعدنية والشاحنات المهجورة في الظلام بجوار بائعي الكحول غير القانونيين، إذ يخدمون العملاء الذين يدفعون نقدا فقط.
وتقول الصحيفة البريطانية إن العمل صعب بالنسبة لهؤلاء العمال والكثير منهم لا يتقاضون رواتبهم في الوقت المحدد وبعضهم يتعرض للمضايقة من قبل أرباب العمل. ومع ذلك، فإن العمالة المهاجرة تشكل العمود الفقري للاقتصاد القطري المزدهر.
ولم تستجب اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن الإشراف على إنشاء البنى التحتية المتعلقة بكأس العالم، لطلبات صحيفة "إندبندنت" بإجراء مقابلات وطلبات زيارة معسكرات العمال.
مدمنو كحول
وتشير الصحيفة إلى أن العمالة المهاجرة أدمنت الكحول الذي تشتريه من شبكات غير قانونية لبيع الخمور العادية أو المصنوعة منزليا للعمال المهاجرين الذين يرغبون بالشرب لنسيان واقعهم.
وجاء الأوغندي آلبرت، 29 عاما، إلى الدوحة منذ أربع سنوات وشاهد بانتظام الذين يبيعون الكحول غير المشروع في المنطقة الصناعية والمعروف بين العمال باسم "كاليفورنيا" أو "ذا فيلد".
وقال آلبرت (اسم مستعار) وهو رجل أمن إن "الكثير من العمال هنا مدمنون على الكحول ولا يتعافون تمامًا. كل ليلة خميس، تندلع المعارك لأن الرجال يعودون إلى مساكنهم في حالة سكر".
وأضاف: "في الصيف يموت العمال غالبًا من ضربة شمس بعد أن يناموا بالخارج ثملين بعد أمسية في ذا فيلد".
ويذكر آلبرت: "عامل آخر لم يعد يتقاضَ راتبه من شركته وانتهى به الأمر لتعاطي الكحول"، قائلا إن هناك محاولات انتحار عديدة بين عمال أجانب في المنطقة الصناعية.
وتأتي السيارات الحمراء التي تعود للأمن الداخلي للبحث عن مخزون الكحول الذي يباع في الأسواق غير القانونية، فيما تدور سيارات الدفع الرباعي السوداء التي تعود لقوات الشرطة للبحث عن المخدرات في المقام الأول.
يعتقد يوسف وأحمد وهما عاملان مهاجران من توغو أن الأجور المتأخرة تنتهك قوانين العمل في قطر، لكنهما يقولان إنها قد تكون سياسية للسيطرة على العمال.
في أغسطس 2020، تفاخرت قطر بأنها ألغت نظام إدارة العمل الذي تعرض لانتقادات شديدة المعروف باسم "الكفالة"، والذي يمنح أصحاب العمل سيطرة هائلة على الموظفين وكثير من الأحيان يعرف بالعبودية الحديثة.
وقالت الدولة المضيفة لكأس العالم 2022 إنها أدخلت سلسلة من الإصلاحات العمالية تشمل الحد الأدنى للأجور للعمال، ونظام حماية الدفع الذي يسعى إلى ضمان حصول الموظفين على رواتبهم وحريات أكبر لتغيير الوظائف أو مغادرة البلاد.
وأشادت مجموعات مثل منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" المشرف على المونديال بتلك الإصلاحات.
منذ مارس 2021، حددت قطر الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين في القطاع الخاص عند 1000 ريال قطري (حوالى 270 دولا) شهريًا، إضافة إلى 500 ريال (حوالى 137 دولار) شهريا يقدمها صاحب العمل كبدل سكن، و300 ريال (82 دولار) شهرية بدل طعام.
ويحق للموظفين مغادرة قطر دون موافقة الكفيل أو تغيير الشركات بحرية، بشرط ألا ينضم إلى شركة منافسة في نفس الصناعة.
ومع ذلك، لم يحصل العاملان التوغوليان يوسف وأحمد اللذان يعيشان في قطر منذ سنوات على أي فوائد تذكر من هذه الإصلاحات. وأشاروا إلى أنهم في حال تحدثوا إلى صاحب العمل بشأن حقوقهم أو قدموا شكوى لدى وزارة العمل فسينتهي بهم الأمر بإعادتهم لبلادهم.
طريح الفراش
غالبا ما توجّه المنظمات الحقوقية الدولية إلى الإمارة الخليجية الغنيّة بالغاز انتقادات بسبب الظروف التي يعمل فيها مئات آلاف العمّال، في مواقع بناء المنشآت الضخمة التي ستستضيف أحد أهمّ الأحداث الرياضية في العالم.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي وبعد الاتهامات التي وجهت لقطر بعدم احترام حقوقهم، طالبت منظمة العفو الدولية، الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بدفع تعويضات بـ440 مليون دولار للعمال الأجانب الذين "تعرضوا لسوء المعاملة" في قطر أثناء مشاركتهم في بناء ملاعب كأس العالم 2022.
في المقابل، ترفض الدوحة تلك الاتهامات وتؤكد أنها أجرت إصلاحات على نظام العمل في الدولة.
وقالت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر ردا على منظمة العفو الدولية إنها "عملت بلا كلل لضمان احترام حقوق كل عامل مشارك في مشاريع كأس العالم لكرة القدم في قطر من خلال فرق مخصصة من خبراء رعاية العمال، وتم إجراء تحسينات كبيرة على مستوى معايير الإقامة والصحة والرعاية".
وفي موقع آخر من الدوحة، لا يزال حارس الأمن دومينيك طريح الفراش، حيث يقيم في غرفة مزدحمة بها أربعة أسرة وأربع خزائن.
وتعرض دومينيك لكسر في الكاحل بعد حادث متعلق بالعمل، حيث أجرى عمليات جراحية متعددة. ومع ذلك، لا يزال يُطلب منه العمل واقفا لساعات طويلة.
وقال: "طلبت من شركتي الحصول على وظيفة تناسب حالتي البدنية الحالية، لكن ليس لديهم أي شيء آخر متاح. في غضون ذلك، يرفضون دفع فواتيري الطبية وتوقفوا عن إرسال راتبي، بينما لا يزال يتعين علي إكمال أربعة أشهر من إعادة التأهيل" بعد العمليات الجراحية.
من جانبه، قال رجل الاعمال القطري، أحمد حسين الخلف، الذي يقف على هرم 20 شركة في البلاد، إن كأس العالم "سرَّعت بشكل كبير من تحسين الظروف المعيشية والسكنية للعمال".
وتابع: "اليوم، يجب أن يكون لدى الشركات مساكن مناسبة ومعتمدة لا يمكن مقارنتها بالماضي. الأمر نفسه ينطبق على حقوق العمال المهاجرين. أود أن أقول إن أسلوب حياتهم في قطر أفضل حقًا من ذي قبل".