صحيفة الرياض
يعود تاريخ فصل التوءم السيامي لعام 1957 حيث نجحت أول جراحة لفصل توءم سيامي في ولاية أوهايو الأمريكية على يد الطبيب الأمريكي «برترام كاتز» وفريقه الطبي، إذ نجح الأخير في فصل التوءم جوني وجيمي المتحدين في السرة والمشتركين في كبد واحد مع قلبين منفصلين، بيد أن أول سابقة في تاريخ الطب لجهة إجراء عملية جراحية دقيقة لفصل توءم سيامي ملتصق في منطقة حساسة سـُجلت باسم الطبيب الأمريكي «بن كارسون» عام 1987، إذ نجح مع فريق طبي مؤلف من 50 شخصًا، من خلال عملية استغرقت 22 ساعة، في فصل توءم مشترك في الجهة الخلفية من الرأس، إذ كانت هذه العملية حتى تاريخه تفشل وتنتهي بوفاة أحد التوائم أو كليهما معًا.
وما بين عام 1957 وعام 1990.. سنوات عديدة إلا أنه بحلول ديسمبر 2019 كان الدكتور الماهر عبدالعزيز الربيعة قد حطم الرقم القياسي في فصل التوائم السيامية، إذ نشرت قناة ABC News الأمريكية تقريرًا في حينه قالت فيه إن الدكتور الربيعة أجرى على مدار ثلاثين عامًا من حياته 48 عملية (حتى ذلك التاريخ) من هذا النوع الأكثر تعقيدًا في العالم لفصل توائم ملتصقة ولدت لعائلات فقيرة من مختلف دول العالم، من بينها عملية لفصل التوءم الليبيين أحمد ومحمد، وأضاف التقرير أنه لا يوجد جراح في العالم كله تجاوز الربيعة في عدد عمليات فصل التوائم.
بداية النبوغ
وذاع صيت البروفيسور الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد الربيعة الذي ولد بمدينة الرياض في 11 نوفمبر 1954، وعاش سنوات طفولته كغيره من أقرانه في بيئة عادية.. ولم يكن عبدالعزيز الربيعة الذي حمل درجة البكالوريوس في الطب بامتياز، وتفوق على كل دفعته بسبب عشقه لتخصص الطب بأنه سيصبح رائداً عالمياً في مجال طب فصل التوائم السيامية، ويبدو أن وراء ذلك كانت قصة حدثت له في طفولته.
وملخص القصة أنه وقع ذات يوم وهو صغير من دراجته، فشجّ رأسه وذهب للطبيب الذي خيط الجرح بلا مخدر، ما سبب له آلامًا مضاعفة.
وعندما لاحظ والده معاناة فلذة كبده قال له مواسيًا: «ستصبح يومًا ما يا عبدالله جراحًا، وإن شاء الله ستخيط الجروح دون ألم»، وهكذا ظلت هذه الكلمات ترافقه وتشكل له حلمًا معاشًا في سنوات صباه ومراهقته، حتى كبر ودخل كلية الطب.
وبعد أن أكمل تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدرسة المحمدية ومدرسة فلسطين ومدرسة اليمامة على التوالي، والتي كان فيها مثالاً للطالب المثابر والمنضبط والشغوف بالمعرفة، التحق بكلية الطب في جامعة الملك سعود بالرياض التي تخرج منها سنة 1979 حاملاً درجة البكالوريوس في الطب بامتياز، وتفوق على كل دفعته بسبب عشقه لتخصص الطب.
النجاح بتفوق
لم يكتفِ الربيعة بتخرجه متفوقًا في كلية الطب فحسب، وإنما حصل على درجة الامتياز خلال العام الذي قضاه متدربًا في مستشفى الملك خالد، قبل أن يقاسي آلام الغربة والابتعاد عن أسرته وأولاده وأحبابه بسفره إلى كندا من أجل الحصول على درجة الماجستير في جراحة الأطفال المشوهين خلقيًا من جامعة ألبرتا في سنة 1985.
وبعد نيله هذه الدرجة بقي في كندا لنيل زمالة جراحة الأطفال من مستشفى جامعة ألبرتا أدمنتون، وبعد ذلك أكمل تخصصه في الجراحة العامة وأمراض الأطفال بجامعة دلهاوسي بمدينة هاليفاكس في مقاطعة نوفا سكوشيا الكندية سنة 1987.
العودة للوطن
في العام 1988 عاد الربيعة إلى بلاده ليسدد لها دينًا في رقبته، وليبدأ فصلاً جديدًا من حياته، فشغل في الفترة ما بين عامي 1989 و2010 العديد من المناصب الطبية الاستشارية والوظائف الإدارية القيادية في عدد من المستشفيات فكان متميزًا في جميع مناصبه كعادته.
وما بين هذا المنصب وذاك وجد الربيعة بعض الوقت لإعطاء اهتمام خاص بأمراض البنكرياس لدى الأطفال الرضع، ومشاكل المواد الكيميائية التي تتسبب في تليف وحروق الجهاز التنفسي والهضمي لدى الأطفال، بل أشرف على حالات عديدة منها ونشر خبراته العملية عنها.
كتابة البحوث
من جانب آخر، خصص جزءًا من وقته لكتابة البحوث وتأليف الكتب، فألف أربعة كتب تتعلق بالتوائم السيامية وطب جراحة الأطفال، ومنها كتابه الموسوم «تجربتي مع التوائم السيامية» الصادر عام 2009، والذي يفتح فيه المؤلف الباب ليـُدخل القارئ بسلاسة إلى عالم التوائم السيامية بغرائبه وعجائبه ومعاناة الوالدين قبل الإنجاب ومعاناة التوائم بعد الولادة ومعاناة فريق العمل الطبي في أثناء عملية الفصل وبعدها وغير ذلك، كما ألف وشارك في نشر أكثر من 72 بحثًا وورقة عمل في مجلات علمية متخصصة ومحكمة، تمّ ترجمة بعضها إلى اللغات الفرنسية والألمانية والبولندية والصينية.
الحب واليأس
في المقابل، اختارته الأديبة الرومانية «دومنيكا سيف اليزل» بطلاً لروايتها المعنونة بـ«الحب واليأس» عن قصة عملية فصل التوءم الماليزيين التي أجراها الربيعة سنة 2002، وذلك تعبيرًا عن امتنانها لإنجازاته وأعماله الإنسانية، ولأن الملك عبدالله - رحمه الله - تكفل بمصاريف تلك العملية، فقد أهدت الأديبة الرومانية أول نسخة من كتابها إلى جلالته.
الترجل عن الوزارة
في فبراير من عام 2009 كان الربيعة على موعد لدخول مجلس الوزراء وزيرًا للصحة، حتى تاريخ سنة 2014
بخروجه من الوزارة سنة عاد الربيعة إلى ممارسة عشقه طبيبًا للعمليات الجراحية المتعلقة بفصل التوائم السيامية، مع ملاحظة أنه لم يتخلَّ يومًا عن مزاولة تخصصه هذا حتى وهو على رأس وزارة الصحة.
العمل الإنساني
ومنذ العام 2015 يتولى الربيعة، إلى جانب مهامه الأخرى، مهمة الإشراف على مركز الملك سلمان للإغاثة، منفذًا توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لجهة تقديم برامج إنسانية وإغاثية متنوعة تتصف بمبادئ الحيادية والشفافية والاحترافية والمهنية، وبناء الشراكات والدعم المجتمعي للدول الشقيقة والصديقة.
الدكتور الربيعة أب لثمانية أطفال، سبع فتيات (بما في ذلك مجموعة من التوائم المتماثلة)، وصبي واحد اسمه خالد. وخالد سار على خطى أبيه، فهو بدأ دراسة الطب بجامعة الملك سعود وحصل على الزمالة من كندا، ويعمل استشاريًا طبيًا متخصصًا في جراحة المسالك البولية.