إبان فترة رئاسة محمد خاتمي، للجمهورية الإسلامية في إيران، تحدث مكتب رئيس الجمهورية مع شخصية سعودية في الحكومة، معنية بمتابعة التنسيق والحوار والتعاون بين الرياض وطهران.

كان خاتمي الذي عُرف بنهجه الإصلاحي يرغب في تعزيز العلاقات مع دول الخليج العربية، وتحديداً المملكة العربية السعودية، وأن يبدي مقداراً كبيراً من الجدية في هذا الاتجاه، ولذا تواصل مكتب رئيس الجمهورية، بهدف تسليم مجموعة من الموقوفين التابعين لـ"تنظيم القاعدة"، المحتجزين في إيران، بحسب الحديث الذي تم مع المبعوث السعودي الذي زار العاصمة طهران على وجه السرعة.

الإيرانيون أبلغوا الشخصية الدبلوماسية السعودية – حينها – أن القائمة تضم عدداً من السعوديين المنتمين لـ"القاعدة"، وأن هذه المبادرة تثبت جدية حكومة الرئيس محمد خاتمي في التعاون الأمني والسياسي مع الحكومة السعودية.

تفاعل سعودي

عاد المبعوث السعودي إلى المملكة، ونقل تفاصيل ما دار من نقاشات، والمعلومات التي زودته بها السلطات الإيرانية، ليرجع تالياً رفقة شخصية أرفع إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بغية ترتيب الإجراءات اللوجستية.

تم الاتفاق على تحضير وفد سعودي من الخبراء، كي يتأكدوا من دقة أسماء أفراد "القاعدة"، والتحقق مما إذا كانوا سعوديين بالفعل، ومطابقة الصور مع الأسماء، وأيضا تحليل عينات "الحمض النووي"، لربطها بقاعدة البيانات الموجودة لدى السلطات السعودية.

بالفعل، توجه وفد الخبراء الفنيين والأمنيين إلى إيران، وجلسوا بانتظار أن يسمح لهم بمقابلة عناصر "القاعدة"، لعمل الإجراءات الأولية، إلا أن انتظارهم طال أكثر من المتوقع.

انتظار دون نتيجة

الرئيس السابق محمد خاتمي، وجد نفسه في موقف محرج، فهو صاحب المبادرة، إلا أنه تفاجأ في منتصف الطريق أن القرار لم يكن بمقدوره أن يتخذه وحيداً، بل هنالك "مكتب مرشد الثورة" وأيضاً "الحرس الثوري" وما يشكله من قوة ضاغطة، حيث تم إلغاء العملية بأكملها، بسبب أن هاتين الجهتين اعترضتا على الفكرة، واعتبرتها هدية مجانية للسعودية، لم يكن يفترض بخاتمي أن يقدمها دون مقابل!

هذه القصة تعطي نموذجاً على المسار الصعب في العلاقة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، وهو مسار تخللته الكثير من المشكلات والأزمات التي أدت لاضطرابٍ في الثقة. ثقة هي اليوم من الضروري أن يتم بناؤها بشكل سليم، وعلى أسس ثابتة، واتفاقيات واضحة، والتزام تام، إذا ما أريد لإعلان إعادة العلاقات بين الرياض وطهران برعاية بكين، أن يكون صلباً ويرتقي نحو شراكات وتعاون مستقبلي.

تضارب السياسات

إحدى الإشكاليات الرئيسية التي واجهت العلاقة بين البلدين، هو تعدد مراكز القرار الإيراني. ففي الوقت الذي يصدر فيه القرار السياسي السعودي عن مرجعية واحدة، هي الملك، وتنفذ سياساته الأجهزة المعنية؛ هناك تضاربٌ في السلطات داخل مؤسسات الدولة الإيرانية، وهو أمر كشفته تسريبات وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، الذي اشتكى من تغول "الحرس الثوري" في السياسة الخارجية، و"العسكرة" التي حصلت للقرار السياسي الخارجي.

أيضاً، ما أفشلَ مبادرة الرئيس السابق محمد خاتمي بخصوص موقوفي "القاعدة" هو تعدد مراكز القوى. ففي الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية داعماً لهذه الخطوة المهمة، وما سينتج عنها من أثر إيجابي على العلاقات مع السعودية، جاء قرار مكتب مرشد الثورة، آية الله خامنئي، وبتعاون مع "الحرس الثوري" ليمنع تسليم عناصر "القاعدة".

وخلال الأشهر الفائتة، كانت هنالك تصريحات إيجابية تجاه السعودية من وزير الخاريجة الإيراني أمير حسين عبداللهيان، ومسؤولين من وزارته، إلا أنه في ذات الوقت كانت هناك تهديدات صريحة من جنرالات في "الحرس الثوري"؛ ما يعكس وجود تضارب في السياسات.

ترقب النتائج

إن المراقب يجد أن التعامل مع "الخارجية الإيرانية" أمرٌ ليس بالعصي، إلا أن صناعة القرار في إيران الثورة، أمرٌ معقد، يمر بمراحل عدة، وصاحب التأثير الأبلغ فيه هو المرشد وفريق المستشارين القريبين منه، وما يرفع له من تقارير ووجهات نظر عبر المؤسسات المعنية؛ دون إغفال تقاطع شبكات التحالف بين القوى الثورية والمحافظة و"الحرس الثوري".

سيكون الشهران القادمان مهمين في بناء الثقة بين السعودية وإيران، وعلى الأخيرة أن يكون قرارها واحداً، يصدر عبر قنواتها النظامية، ويتناسق مع مواقف مختلف الأجهزة الحكومية، كي يكون المشهد العملي أكثر وضوحاً وشفافية، لأن تضارب السياسات، سينعكس سلباً على ديمومة العلاقات مع دول الجوار وتطورها.

السعودية اليوم واضحة جداً في مساعيها من أجل علاقات دائمة مع إيران، أساسها حسن الجوار، والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. حيث "يأتي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة"، بحسب ما صرح به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، عبر حسابه بمنصة "تويتر"، مضيفاً "يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك معاً لبناء أنموذجٍ للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا".

منطقة الخليج العربي أمام فرصة سانحة لتحقيق الأمن والاستقرار. وركنٌ أساسٌ لذلك، بناء ثقة حقيقية، تعطي مصداقية، وترسم لسياسات قائمة على التعاون والدبلوماسية المرنة، وتتشارك في تحقيق الأمن والتنمية والتحديث.