ما ميز فيلم "راعي الأجرب" أنه تم العمل عليه من خلال كوادر وطنية سعودية
فيلم "راعي الأجرب" الذي أنتجته مبادرة "كنوز السعودية" التابعة لوزارة الإعلام، جاء ليكون لبنةً ضمن لبناتٍ عدة تسعى من خلالها المملكة إلى تقديم سردية حديثة لتأريخ الدولة، بدءاً من تأسيس الدولة السعودية الأولى الذي تم على يد الإمام محمد بن سعود، وصولاً إلى الدولة السعودية الثانية التي حكمها الإمام تركي بن عبد الله بن محمد، وتالياً الدولة السعودية الثالثة التي وحّد أراضيها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.

هذا التأريخ الممتد لقرونٍ خلت، به العديد من القصص الوطنية – البطولية الملهمة، وهي حكايا تستحق أن تروى لتكون جزءاً من تركيبة "الهوية الوطنية" ومصدراً لـ"الفخر"، وهذا الفخر ليس بالقادمِ من فراغٍ أو من صناعة المخيال الشعبي، وإنما هو جزء من قصص واقعية حقيقية تناقلها الرواة ودونتها العديد من المصادر التأريخية التي وثقها كتابٌ سعوديون أو مستشرقون ورحالة زاروا الجزيرة العربية، وكانوا شهوداً على ما دار من أحداث!

بناء هذه السردية السعودية، يركنُ في جزء منه إلى الرموز التي كان لها وقعاً خاصاً، ومنها "الأجرب"، وهو السيف الذي كان يقاتل به الإمام تركي بن عبد الله بن محمد، واشتهر كعلامةٍ دالة على الشجاعة والإقدام، واستُحضرَ بشكل واسع في النصوص الشعرية والأهازيج والقصص التي رواها السعوديون جيلاً بعد جيل.

هذا السيف أتت قيمته من شجاعة وإصرار صاحبه، الذي بقي ينافحُ عن مُلكِ أجداده، وسعى عاماً بعد عامٍ إلى العمل والقتال دون خوف أو تردد، إلى أن أسس الدولة السعودية الثانية العام 1824، والتي جاءت أيضاً لتلبي رغبة سكان الجزيرة العربية في العيش بأمنٍ ووقف الحروب وعمليات السلب والنهب والغزو التي كانت منتشرة في ذلك الوقت.

إذن، استحضارُ "الأجرب" هو دالة واضحة ليس على القوة وحسب، بل على استتباب الأمن، وهي ذات الغاية التي تأسست من أجلها الدولة السعودية الأولى العام 1727، حين هرع الناس إلى الإمام محمد بن سعود، ناشدين أن تكون "الدرعية" وما حولها مناطق يسودها السلام ولا يستطيع الغزاة الإغارة عليها وقتل ونهب سكانها، وهذا ما حققه لهم الإمام.

جزء من هذا التأريخ قدمه فيلم "راعي الأجرب" برؤية بصرية حديثة، تخاطب تحديداً الجيل الجديد، وتتواصل معه بلغة يفهمها، لأن التدوين التأريخي الكلاسيكي على أهميته البالغة وضرورة العمل عليه، إلا أنه يعني المختصين والباحثين ومراكز الدراسات ويوثق سيرة الدولة بشكل دقيق جداً؛ إلا أن التوثيق الكتابي الاحترافي، يجب أن يتجاور معه التوثيق البصري الذي يتخذ من التقنيات الحديثة وسيلة لإيصال رسالته، وجذب المشاهدين، وترسيخ الفكرة في أذهانهم، بأسلوب سهل وممتع ومبهر ودقيق وموثوق في آن معاً.

ما ميز فيلم "راعي الأجرب" أنه تم العمل عليه من خلال كوادر وطنية سعودية. فمخرج الفيلم محمد الملا، مخرجٌ سعودي شاب، كما أن الممثل الرئيسي فيه هو خالد صقر، وكاتبة النص وجدان الحمدان، إضافة إلى أن المنتج وأيضاً الهيئة الاستشارية للعمل جميعهم سعوديون، وهذه ميزة مهمة، لأن هنالك تفاصيل صغيرة لا يستطيع تمييزها إلا أبناء المملكة أنفسهم.

هذا الفيلم أجاد القائمون عليه في إنتاجه بشكلٍ مختصر لم يتجاوز الـ 14 دقيقة، وهم بذلك يقدمون عملاً مكثفاً هو بمثابة مفتاحٍ يوقد شهية البحث لدى الفتيات والشباب في السعودية، ليكتشفوا ثراء تاريخهم، وأن هنالك مئات القصص الملهمة التي يمكن أن تنتج سينمائياً، وهو ما من المأمول أن يشتغل عليه السينمائيون السعوديون ليقدموا أنفسهم للعالم، في صورة تشبههم، وهم من يصيغونها.