مسقط - مصطفى عبد العزيز:
تختتم اليوم فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب، التي تقام سنوياً من 22 من فبراير إلى 4 مارس وتعد من أهم المناشط الثقافية لسلطنة عمان، حيث تسعى السلطنة لجعل المعرض ملتقىً إقليمياً، وتجمعاً لمثقفي الدولة، ويتم الاحتفاء فيه سنوياً بمدينة من مدن السلطنة، وإبراز دورها الحضاري والثقافي. وقد شهد المعرض إقبالاً كبيراً منذ انطلاقته، من خلال عرضه الكتب والمطبوعات والإصدارات المتميزة في مختلف العلوم والمعرفة، فيما أعرب الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام رئيس اللجنة المنظمة للمعرض لـ"الوطن" عن أمله في أن يكون المعرض بحلته الجديدة رافدا لحراك معرفي واقتصادي وأسري يهم كل شرائح المجتمع.
28 دولة مشاركة
ودشّن المعرض في دورته لعام 2017 مرحلة جديدة تمثلت في انتقاله إلى مركز عمان للمؤتمرات والمعارض على مساحة إجمالية مشغولة للمعرض 12.114 متراً مربعاً بواقع 1200 جناح. وشارك بشكل مباشر 590 دار نشر، وبشكل غير مباشر بالتوكيل 160 داراً تمثل 28 دولة، وبمشاركة 37 جهة رسمية من السلطنة ومن مختلف دول العالم، وضم عدد المشاركين في قسم الكتاب الأجنبي 34 دار نشر ومكتبة من دول خليجية وعربية وأجنبية، بحسب الموقع الرسمي للمعرض.وثمة مجموعة من المؤشرات تؤكد زيادة عدد المشاركات بالمقارنة بدورة 2016، حيث بلغ عدد الأجنحة العام الماضي 950 جناحاً، في حين تبلغ هذا العام 1200 جناح، كما كان عدد دور النشر العام الماضي 524، في حين بلغ عددها هذا العام 590 دار نشر، وبلغ عدد الفعاليات العام الماضي 32 فعالية، وهذا العام سيكون هناك 45 فعالية، بحسب يوسف البلوشي، مدير معرض مسقط الدولي للكتاب والمتحدث الرسمي باسمه.
وقال الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام إن الدورة الحالية شارك فيها 750 دار نشر، حيث تم تخصيص مواقع للجهات الرسمية سواء من السلطنة أومن مختلف دول العالم، موضحا أن إجمالي عدد العناوين ٤٥ ألف عنوان كتاب تمثل الإصدارات الحديثة ٣٠٪ منها وأن مدينة صحار هي ضيف شرف الدورة للاحتفاء بها.
ومن جانبه، قال الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة العمانية إن "معرض مسقط الدولي للكتاب يعد الأبرز على خارطة المناشط الثقافية في السلطنة".
وأضاف أن "المعرض شكل فرصة سانحة لتلاقي الأفكار والاطلاع على ما أنتجته قرائح المثقفين، من خلال ما تعرضه دور النشر العربية والعالمية من إبداع ثقافي وعلمي ومعرفي يتيح لكل شرائح المجتمع انتقاء ما يتناسب واحتياجاتهم واهتماماتهم للنهل منه".
وسيراً على النهج الذي اتبعه المعرض منذ دورته العشرين بتسليط الضوء على مدينة أو ولاية عمانية بهدف إبراز ما قدمته من إرث ثقافي وحضاري، اختيرت صحار ضيف شرف المعرض هذا العام. وفي 2016، تم اختيار نزوى لتكون ضيف شرف باعتبارها عاصمة للثقافة الإسلامية.
واستمراراً لهذا النهج وبهدف التعريف بالمدن والحواضر العمانية وإبراز إسهاماتها في التاريخ العماني، تم اختيار صحار هذا العام؛ "نظراً لمكانة صحار في التاريخ العماني".
وأضاف المعمري أن "صحار أنجبت الكثير من العلماء ورواد الفكر في عمان وكانت البوابة التي دخل الإسلام عبرها إلى عمان، حيث استُقبل عمر بن العاص في صحار أولاً".
وأشار إلى أنه "على المستوى التاريخي، تشير المصادر إلى أن صحار كانت عاصمة لعمان قديماً".
فعاليات ثقافية
ولم يقتصر معرض مسقط على عرض الكتب؛ بل تعدى ذلك ليكون مركزاً لفعاليات ثقافية متعددة، تجعل منه مهرجاناً للمعرفة، حيث أقيم ضمن البرنامج الثقافي في المعرض عدة فعاليات متنوعة بلغت 40 فعالية من أصل 53 من المقرر تنفيذها لغاية 4 مارس، تنوعت بين مناشط اهتمت بالطفل، وحلقات عمل تطبيقية، ومسابقات ثقافية، وألعاب تعليمية وترفيهية، وعروض مسرحية قدمتها عدد من الفرق المسرحية الأهلية.
ومن أبرز الفعاليات، جاءت محاضرة الدكتور عادل سالم الجادر، رئيس تحرير مجلة "العربي" الكويتية بعنوان: "تحولات الخطاب الإعلامي الخليجي في ظل المتغيرات الراهنة"، تحدث فيها عن التحولات الجذرية للخطاب الإعلامي الخليجي ووضع الخطوط والمعايير العامة حول مسيرة الخطاب الإعلامي العربي، بحسب صحيفة "عمان".
صيّاد القراءة
ومثل النادي الثقافي إحدى أبرز الفعاليات التي يتضمنها معرض مسقط الدولي للكتاب، ويحتفي بالكتاب من خلال مشاركته في العديد من الفعاليات والمناشط، التي يقدمها وفق برنامج يومي يقام مساء كل يوم على مدار أيام المعرض.
ودشن النادي مع افتتاح المعرض مسابقتي "صيَّاد القُراء" و"خبرنا عن كتاب"، وهما مسابقتان تهدفان إلى تشجيع رواد المعرض على القراءة، لا سيما الشباب منهم.
وتُوجّه مسابقة "خبّرنا عن كتاب" إلى فئة الشباب (18-25 سنة)؛ وتدفعهم إلى الاطلاع على الكتب وقراءتها وتحليلها، والتحدث عنها في منصة خاصة في ركن النادي، ليحصلوا على كتاب موقَّع من صاحبه مكافأة لهم، ثم يدخلون في المسابقة لتكون لهم فرصة الفوز ضمن أفضل ثلاثة شباب تحدثوا عمّا قرؤوا بشكل جيد.
أما "صيَّاد القُراء"، فهي تسلط الأضواء على أولئك القُراء الذين ينكبّون على قراءة الكتب، والانكفاء عليها بين أروقة المعرض، يدخلون إلى عوالمها مبتعدين فيها عن العالم الحسي المحيط، فيأتي "الصيَّاد" ليكافئهم على ذلك بجوائز فورية وقسائم تؤهلهم للفوز في نهاية المعرض.
"مسقط للكتاب" يحتفي بالشاروني
وألقى ابن الدكتور شريف الشاروني كلمة في بداية الندوة التي حضرها الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام رئيس اللجنة التنظيمية لمعرض مسقط الدولي للكتاب، تقدم فيها بالشكر لمبادرة المعرض بالاحتفاء بوالده الراحل مشيرًا إلى أن والده ظل وفيا لسلطنة عمان التي عاش فيها سنوات مهمة من حياته.
بعد ذلك قدم يعقوب الشاروني شقيق الراحل شهادة بعنوان «يوسف الشاروني إنسانا» تحدث فيها عن الكثير من الصور التي انطبعت في ذاكرته عن شقيه منطلقا من خلالها في تفسير شخصيته الإنسانية إلى جوار شخصيته الإبداعية.
وقال يعقوب الشاروني في سياق شهادته عن أخيه «لاحظ عدد كبير من النقاد، أنه توجد في الكثير من قصص الشاروني «ألحان متقابلة» أو نغمة أساسية أو رئيسية تعقبها وتحيط بها تداعيات تنتقل بالقصة من الخاص إلى العام، أو من العالم الخارجي إلى العالم الداخلي، أو العكس، ثم لا تلبث النغمة الرئيسية أن تعود أكثر قوة ووضوحا، وهو ما اعتدت أن أسميه تنويعات ومقابلات على اللحن الأساسي».
وفي سياق آخر قال يعقوب الشاروني إن شخصية يوسف الشاروني على الرغم مما كان يبدو عليه من هدوء إلا أنها شخصية حافلة بالتمرد، لقد تمرد الشاروني أصلا على الشكل الواقعي للقصة، كما تمرد على الشكل الرومانسي، وبدأ كتاباته القصصية الأولى بالقصة الحداثية، وبأكثر الأساليب معاصرة في القصة القصيرة، حتى أطلق عدد من أهم النقاد على كتاباته أنها «قصص تجريبية أو تعبيرية».
أما من ناحية الموضوع فإن روح التمرد هذه تسفر عن نفسها بوضوح في شخصيات وموضوعات قصصه، خاصة في مجموعته القصصية الأولى «العشاق الخمسة».
وتحدث يعقوب الشاروني عن جذور القلق في شخصية يوسف الشاروني مشيرًا إلى أنه عندما كان يوسف الشاروني طفلا عمره ثلاث سنوات، حدثت في الأسرة مأساة، ظل الأب والأم يتذكرونها على مدى حياتهما. وكان ليوسف الشاروني أخ يكبره بسبع سنوات اسمه «شكر»، مع ثلاث أخوات يسبقن يوسف في العمر وأخت أصغر منه عمرها عام.
وقدمت الدكتور بدرية الشحية شهادة قالت فيها «لم يتسن لي أن أشكر أستاذي الراحل يوسف الشاروني، ولم أكتب له شكرًا بالطريقة التي أريدها، كعادتنا نندم عند خسران من يقدرنا عندما يرحل، وما فائدة الامتنان بعد الرحيل، ما فائدة الاعتراف والبوح وقد رحل جسد العزيز تحت الثرى؟ لكنه أفضل ربما من صمت جاحد، على الأقل نعترف بالذنب».
ورغم ذلك تقول بدرية الشحية أنها لم تلتق بالشاروني إلا مرة واحدة ولكنه بقي دومًا هناك في الكواليس يشد على يدي ويصفق لي، هناك دائمًا أناس تعيش في الذاكرة بعيدًا عن العين، وهناك لغة بينهم لا تتم عبر التواصل المباشر وأنما بالسحر، ذاك الشعاع غير المرئي الذي يربط المخلوقات ويسدل عليها الطمأنينة والوفاق، لا يعرف له سرًا ويعيش كثيرون حولنا دون أن يجربوه أو يصدقوه، هو خيوط ذهبية تربط الأرواح المحبة وتجعلها تتذكر حينًا وتنسى حينًا آخر».
كما قدم الناقد هيثم الحاج علي قراءة في تجربة يوسف الشاروني تحدث فيها عن ريادة الشاروني في كتابة القصة التعبيرية وفلسفة نصوصه القصصية وخروجه عن الكتابة التقليدية في القصة القصيرة. وكان الشاروني من بداية من كتب عبر تقنيات الوعي وكان واعيًا جدًا بما يكتب منذ البداية حيث بدأ بهذه التجربة منذ خمسينات القرن الماضي ويعتبر أنه هو قاص تيار الوعي في تلك المرحلة. كما أضاف: إن يوسف الشاروني كان مولعًا بتقنية التناص كما حدث في «سياحة حاج» و«زيطة» وتناص من نجيب محفوظ، وأخرج شخصيات نجيب محفوظ الهامشية وأعطاها وجودها ومكانتها. وقال الحاج استطيع أنا والكثير من النقاد أن نطلق على يوسف الشاروني بأنه عميد القصة القصيرة بكثير من الاطمئنان. وتحدث الحاج إلى دور يوسف الشاروني في الجوانب السياسية رغم محاولة البعض نفي الموضوع عنه في إشارة منه إلى الناقد والمؤرخ شعبان يوسف.
وعندما جاء دور شعبان يوسف للحديث وتقديم ورقة حملت عنوان «يوسف الشاروني ونقاد عصره» قال مباشرة: أنا أحب يوسف الشاروني جدًا رغم محاولة البعض الإيقاع بيني وبينه رغم أنه في العالم الآخر في إشارة إلى الحاج.
وقال شعبان يوسف إن الكثير من نقاد مرحلة الخمسينات والستينات حاولوا تهميش يوسف الشاروني متهمًا اليسار في ذلك باعتبار أن الشاروني لم يكن منتظمًا في أي تيار سياسي في تلك المرحلة. وقال: إن الشاروني لم يلق الاهتمام والاحتفاء الذي يليق به في تلك المرحلة، ورفضت الكثير من الدوريات الثقافية النشر له، ومن بينها الرسالة لكن التفتت له مجلة الآداب البيروتية، ومجلة الأديب لكنه مع الوقت فرض نفسه على الجميع.
وفي ختام الندوة قرأ سليمان المعمري شهادة يوسف الشاروني عن علاقته بالسلطنة التي كانت قد نشرت في كتاب «عمان في عيون مصرية» وحملت الشهادة عنوان «لمحات من حصاد تجربتي العمانية».