وتفصيلاً يقول التقرير، الذي نشرته "سبق"، عندما تأخذ جولة بالسيارة تاركاً وراءك كل الفنادق الجميلة للدولة الغنية ستجد كل أبطال الصراعات الكثر في المنطقة موجودين في الدوحة.
وفي إحدى المناطق الغربية في الدوحة، بالقرب من الجامعات التي تستضيف فروع الجامعات الأمريكية، يمكن العثور على مسؤولي طالبان وأسرهم يقومون بالتسوق ويحصلون بسهولة على الوجبات الجاهزة من المأكولات الشعبية الأفغانية.
وعلى بعد بضعة أميال, هناك قاعدة عسكرية أمريكية واسعة تضم 9000 من الأفراد الأمريكيين، حيث تقلع الطائرات الحربية في مهمات لقصف "داعش" في العراق وسوريا وأحياناً طالبان في أفغانستان.
وغير بعيد من هناك يعمل مسؤولون من حماس وهي جماعة فلسطينية مسلحة، في فيلا فاخرة بالقرب من السفارة البريطانية، وقد عقد مؤخراً مؤتمر صحفي لهم في قاعة رقص في فندق شيراتون في الدوحة.
وبالقرب من ذلك, هناك رجل دين مصري مسن هارب من القاهرة، هو لاعب لديه شعبية في المشهد الاجتماعي الضخم في المدينة، وقد رصد مؤخراً في حفل زفاف حضره دبلوماسي أمريكي سابق.
وتضيف الصحيفة: هذا هو جو المؤامرات والتفاخر الذي أصبحت فيه عاصمة قطر، والتي كانت غباراً في غبار حتى بضعة عقود مضت، لكنها أصبحت مشهورة كمركز فريد من نوعه في الشرق الأوسط.
وتابعت: أصبحت الدوحة موطناً لمجموعة غريبة من المقاتلين والممولين والمنظرين الأيديولوجيين، مدينة محايدة مع أصداء فيينا في الحرب الباردة، أو إصدار الخليج من شريط القراصنة في أفلام "حرب النجوم.
ومع ذلك فإن هذا الموقف الترحيبي هو بالضبط ما أثار غضب الدول المجاورة، وأغرق الشرق الأوسط في واحدة من أكثر المواجهات الدبلوماسية دراماتيكية.
وعلى مدى أكثر من شهر، فرضت أربع دول عربية مقاطعة جوية وبحرية وبرية ضخمة على قطر، تتلخص باختصار في أن تتخلى الدوحة عن سياستها الخارجية المغامرة، وأن تتوقف عن توفير المأوى لمثل هذا النطاق الواسع من الوكلاء في عاصمتها.
وحتى الآن، لم تثمر العملية، ويبدو أن الأزمة تزداد سوءاً. لقد عاد وزير الخارجية ريكس تيلرسون إلى واشنطن يوم الخميس بعد أيام من دبلوماسية مكوكية غير مثمرة على ما يبدو في المنطقة. كما تدخل وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا دون نجاح.
وتصر الدول المقاطعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين على أن قطر تستعمل سياسة الباب المفتوح لزعزعة استقرار جيرانها. ويقولون إن الدوحة هي المدينة التي يتم فيها تمويل الإرهاب وليس قتاله.
وتلفت الصحيفة إلى أن أسرة آل ثاني التي تحكم قطر فتحوا أبوابهم منذ منتصف التسعينات أمام المعارضين والمنفيين من كل نوع. وقد رحبت الدوحة بعائلة صدام حسين، واستضافت عضواً من عائلة أسامة بن لادن، وأيضاً الرسام الهندي ولقبته إم إف حسين، وأمين الحرب الشيشاني زيليمخان يانداربييف، الذي اغتيل في المدينة من قبل عملاء سريين روس في عام 2004 حيث تم القبض على المنفذين وتم تسليمهم لاحقاً إلى روسيا.
وتواصل الصحيفة في تعجبها من هذا التناقض غير المسبوق بالقول: في الدوحة، يختلط القطريون الأثرياء والمغتربون الغربيون مع المنفيين السوريين والقادة السودانيين والإسلاميين الليبيين، وكثير منهم يُمولون من قبل الدولة القطرية.
ويقوم القطريون أحياناً بدور صانعي السلام: فقد توسط دبلوماسيوهم في اتفاق سلام في لبنان في عام 2008، وتفاوضوا على إطلاق سراح العديد من الرهائن، بمن فيهم بيتر ثيو كورتيس، وهو صحفي أمريكي محتجز في سوريا، في عام 2014.
لكن النقاد يقولون إن قطر في كثير من الأحيان، بدلاً من أن تعمل كصانع سلام محايد، تتخبط في الصراعات فهي من ساعدت في إطاحة معمر القذافي في ليبيا عام 2011، وتغض الطرف عن المواطنين الأثرياء الذين ينقلون الأموال إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا.
وما يثير غضب السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين هو أن الدوحة وفرت أيضاً مأوى للمنشقين الإسلاميين من بلدانهم وأعطتهم صوتاً على محطة تلفزيون الجزيرة المملوكة للدولة.
واحد من هؤلاء هو رجل الدين يوسف القرضاوي، وهو رجل الدين المصري الذي شوهد مؤخراً في حفل زفاف، وهو معزز بارز لجماعة الإخوان المسلمين، وكان له في السابق برنامج مؤثر على قناة الجزيرة، حيث قدم تعاليمه بشأن مسائل عدة بداية من التفجيرات الانتحارية إلى الحياة الجنسية الشخصية!.
وقال أمام جمهوره في عام 2002 "لدينا قنابل أطفال وإن هذه القنابل البشرية يجب أن تستمر حتى التحرير".!
وتتابع الصحيفة: على الرغم من أن القرضاوي أصبح الآن عمره 91 عاماً وتوقف عن برنامجه التلفزيوني قبل أربع سنوات، إلا أن وجوده في قطر هو مصدر إزعاج لمصر، وظهر اسمه بشكل بارز على قائمة تضم 59 شخصاً تريد دول الحصار إبعادها من قطر. كما طالبوا بإغلاق قناة الجزيرة.
وينظر بعض الأطراف إلى هذا الطلب وكثير من المطالب من الدول المقاطعة على أنها مستحيلة، وهو ما يؤدي إلى تشاؤم واسع النطاق بأن المواجهة لن تنتهي في وقت قريب.
ولا يُدرج أعضاء طالبان في الدوحة في قائمة المطالب التي يطالب بها المحتجون، لكن حضورهم يجسد النقاش الأوسع حول نهج الباب المفتوح في قطر.
وانهارت محادثات السلام بين المسلحين والمسؤولين الأفغان، التي بدأتها الولايات المتحدة في عام 2013. وقال مسؤول أفغاني إن وحدة طالبان ما زالت قائمة، وإن الدوحة تضم حالياً حوالي 100 من مسؤولي طالبان وأقاربهم الذين يعيشون بشكل مريح على نفقة الدولة القطرية.
كما جرت محادثات غير رسمية أخرى في عامي 2015 و2016. ولكن مع استمرار القتال في أفغانستان، يتساءل بعض الخبراء عما إذا كان دعاة السلام في طالبان المفترضون قد يسهلون المزيد من الحرب بهدوء.
وقال مايكل سيمبل الباحث في طالبان في جامعة كوينز في بلفاست بأيرلندا الشمالية إنه حتى الحصار، كان من المعروف أن قادة طالبان في قطر يسافرون في كثير من الأحيان عن طريق البر من قطر عبر السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة حيث لديهم استثمارات وإذا لم تسهل قطر المحادثات فإنها تجعل الأمور أكثر سوءاً.
وفي السنوات الأخيرة، كانت الدوحة موطناً لخالد مشعل الذي تنازل عن منصبه هذا العام كرئيس لحركة حماس، وقدمت البلاد للجماعة موقعاً لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء البريطاني السابق ومبعوث السلام في الشرق الأوسط توني بلير في عام 2015.
وتختم الصحيفة تقريرها عن التناقضات القطرية المجنونة بالقول: على الرغم من أن وزير الخارجية السابق جون كيري انتقد علناً وجود حماس، فإن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنهم يفضلون أن تكون حماس مقرها في الدوحة وليس في عاصمة معادية مثل طهران.
وتمشياً مع نهج الباب المفتوح، كانت الدوحة موطناً لمكتب تجاري إسرائيلي في الفترة من 1996 إلى 2008. وعلى الرغم من أن العلاقات قد تراجعت، إلا أن قطر تعد إسرائيل بأنها ستسمح لها بالمشاركة في كأس العالم 2022.