* تقرير حول سياسة الدوحة في التعامل مع أزمة المقاطعة الخليجية العربية
* مسلسل الانقلاب السياسي في قطر أصبح وشيكاً
* الدوحة تتبوأ منصب أكبر داعم لتمويل الإرهاب في العالم
* الشعب القطري يعاني عزلة دولية بسبب تخبط النظام الحاكم
* الاستنجاد بالنظامين الإيراني والتركي يبعد الدوحة عن محيطها العربي
* الدبلوماسية القطرية فشلت في معالجة أزمتها وإدارة سياستها الخارجية
* إيران تتورط في دعم قطر لإفشال الوساطة الكويتية في حل الأزمة
* نظام الحمدين يجعل من الدوحة مسرحاً للتحرك التركي في المنطقة
* المعارضة القطرية تنشط في كسب أصوات التأييد من الدوحة
* لا يمكن التنبؤ بمستقبل مشرق للنظام القطري الحاكم
* قوى المعارضة القطرية تستعد لوضع سيناريوهات ما بعد النظام الحالي
* إعداد - الباحث الحقوقي والمحلل السياسي سلمان ناصر
مقدمة:
يقبع النظام القطري حالياً في دائرة الخوف من معركة باتت وشيكة عنوانها "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن هذه المرة لن تكون القاهرة أو المنامة مسرحاً لها، بل ستستضيف الدوحة فعاليات هذه المعركة، نتيجةً لما يقوم به النظام القطري "الحاكم" من تخبطات سياسية تؤكد مخاوف النظام القطري من عودة مسلسل الانقلابات القطرية، التي كانت ولا تزال عنواناً لمسيرة الأنظمة السياسية الحاكمة في الدوحة.
لقد تحولت دولة قطر بفضل حالة من "الاضطراب السياسي" لأميرها السابق حمد بن خليفة ورئيس وزرائها السابق حمد بن جاسم، إلى أكبر داعم للإرهاب في العالم، بل تبوأت الدوحة أهم موقع لقيادة الإرهاب عبر الحدود، وذلك على حساب الثروة السيادية القطرية وأموال الشعب القطري، ولم يلتفت النظام القطري لكل تلك الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب، وأصبحت قطر ساحة مفتوحة للإرهاب يتحرك فيها الإرهابيون بلا حسيب ولا رقيب، ويتمتع بعضهم بالحصانة القانونية القطرية.
وفي المقابل، ماذا فعلت الدوحة لتجنب هذه المخاطر؟ بل على العكس من ذلك، استمر النظام القطري في تخبطاته ومعاداته للبيت الخليجي والعربي، وتكريس عزلة الشعب القطري عبر سلسلة من القرارات الهادمة التي عكست جهل الفرع الحاكم في الدوحة، ومنها إسقاط الجنسية القطرية عن عدد من المواطنين وفرض الإقامة الجبرية والمبايعة القصرية ومنع السفر من أسرة آل ثاني من غير الفرع الحاكم، غير آبية بنتائج هذه التخبطات التي ستجعل من الدوحة مسرحاً لمسلسل أصبح وشيكاً على أرض الواقع.
تآمر قطر ضد جيرانها ومحيطها العربي
إن الأسماء التي وردت في قائمة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، بعضها ورد على قوائم الإرهاب للولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وقد كشفت معلومات استخباراتية وردت في تقارير بحثية معنية بمكافحة الإرهاب أن قطر قامت بتمويل خزينة فرع القاعدة في سوريا وأنشأت جماعات وساطة تضم شخصيات قبلية وعسكرية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن "حزب الإصلاح" أنشأتها لمهمة التنسيق مع القاعدة ليكون تمويلها عبر الفدى المالية مقابل الإفراج عن أجانب مختطفين في اليمن.
وقام النظام القطري بتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا بأموال طائلة، سواء كانوا أفراداً قطريين أو لهم صلة بالحكومة القطرية، وقد وصلت هذه التمويلات إلى جبهة النصرة وتنظيم الدولة "داعش" لارتباطهم في السابق، وهذه المعلومات وثقتها واشنطن عند تحديدها للجماعات والأفراد الإرهابيين.
وأثبتت الاعترافات المثيرة لأحد أفراد "داعش" الذي تم القبض عليه من قبل الجيش الوطني الليبي، تورط النظام القطري في دعمها للميليشيات الإرهابية، كما أكدت مصادر أمنية ليبية أنها "تمتلك أدلة ووثائق تثبت أن الدوحة أنفقت ما يزيد عن 3 مليارات دولار منذ انطلاق عمليات فجر ليبيا نهاية عام 2014 وحتى وقت قريب"، مشيرة إلى أن "قطر سهلت دخول كميات كبيرة من السلاح عبر مطارات طرابلس ومصراتة لدعم مقاتلي فجر ليبيا، وأن ضباطاً قطريين كانوا في غرفة قيادة العملية بطرابلس لتقديم المشورة والدعم اللوجستي".
ولم يتوقف التمويل القطري للإرهاب في هذه البلدان، بل كشفت التحقيقات التي أجرتها إدارة التحريات المالية في البحرين عن قيام رجل أعمال قطري بارز يدعي محمد سليمان حيدر بإرسال حوالات مالية بصورة مستمرة في الفترة من 2010 وحتى 2015 إلى المدعو حسن عيسى مرزوق المحكوم في قضايا إرهابية، والذي يقضي حالياً عقوبة السجن لـ 10 سنوات في قضايا قتل عمد واستلام وتقديم التمويل لتنظيم إرهابي على خلفية تورطه كممثل لجمعيته السياسية "الوفاق" المنحلة في قضايا تمويل العناصر الإرهابية وإسنادها بالأموال اللازمة لتدبير المواد المستخدمة في أعمال التخريب وأماكن إيواء العناصر المطلوبة أمنياً، وهو ما أقر به عدد من المقبوض عليهم في قضية تفجير سترة الإرهابي.
كما دعم النظام القطري عناصر وميلسشيات إرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار في عدة دول عربية عبر أجهزته الاستخباراتية، ولعل أبرزها قضية شخصية "أبو عسكور" الذي جعل من موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" منصةً له للتحشيد وإشعال الفتنه وتأليب الشعوب على أنظمتها بشكل ممنهج، وقد تم الإعداد له من قبل المدعو حمد علي الحمادي قطري الجنسية ضابط الاستخبارات القطري الذي تم القبض علية بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث جاءت في اعترافاته قيامه بشراء شرائح هاتفية من الإمارات والسعودية لاستخدامها لهذا الغرض بناء على أوامر كان يتلقاها من رؤسائه في الدوحة.
إلى جانب حساب صاحب الأحبار الذي تبين إنشاؤه في قطر استناداً إلى عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بمزود الخدمة أو ما يعرف بالـ IP Address، والذي سجل دخول كثيف من قبل جهات حكومية قطرية مثل الديوان الأميري والحرس الأميري ووزارة الداخلية القطرية لمواقع ومنتديات سياسية بحرينية في نفس الوقت الذي كانت فيه حسابات مشبوهة مثل حساب "صاحب الأحبار" تبث فتنها وسمومها. وقد كان هذا الحساب وغيره من الحسابات تدعو للفوضى ولتمزيق السلم الأهلي ولضرب النسيج الاجتماعي في البحرين من خلال تنظيم اعتصامات تحت شعارات تحشيدية مثل "طوق الكرامة"، و"طوفان المنامة"، و"بنك الكرامة".
وضمن محاولات قطر لإسقاط الدولة المصرية، وتفتيت الجسد العربي، كشفت الأحداث التي تلت ثورة 25 يناير 2011، تزايد تدخل قطر في الشأن المصري، خاصة بعد وصول جماعة "الإخوان المسلمين" للحكم عام 2012، إذ ارتبط الطرفان "الإخوان وقطر" بمخطط تقسيم دول المنطقة إلى عدة دويلات فيما يعرف بـ "الشرق الأوسط الجديد"، وقد استخدمت قطر الأموال الضخمة وآلة الدمار الإعلامية "قناة الجزيرة"، وقامت بتسليح الجماعات الإرهابية من أجل إسقاط الدولة المصرية، عبر صناعة الأزمات وزيادة الأخطار ودعم الإرهابيين في سيناء وعلى الحدود المصرية.
إن ما جاء في تسجيلات أمير قطر السابق مع العقيد معمر القذافي رئيس الجمهورية الليبية "آنذاك" قبل وفاته تعكس مدى التآمر ضد جيرانها ومحيطها العربي ويثبت بما لا يدعو مجالاً للشك ان النظام القطري عمل على استهداف السعودية، إذ جاء على لسان أمير قطر ما تلفظ به بأن "جميع المعارضة لنا علاقة معهم ونحن أكثر دولة تسبب إزعاجاً للسعودية"، وأضاف أن "برنامج سعد الفقيه يبلى بلاءً حسناً، فهناك عدد من المساجد يتجمهرون فيها الناس والأعداد في ازدياد، ونحن من خلقنا قناة الحوار في لندن، ونحن الذين نغذي قناة الجديد في لبنان، ولا بد أن نستغل خلافاتهم الفوقية التي تضعف سيطرتهم وسنعمل على تشجيع الحركات الداخلية بهدوء.. إذا الله أعطانا عمر 12 عاماً فقط فأشك شكاً كبيراً تشوف الأسرة الحاكمة السعودية".
السياسة الخارجية القطرية في تعاملها لمكافحة الإرهاب
امتازت السياسة الخارجية القطرية في تعاملها مع مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب "السعودية والإمارات والبحرين ومصر"، بحالة من التخبط السياسي الشديد، فلم تلجأ الدوحة إلى معالجة هذه المطالب بل على العكس، قامت باتباع سياسة المغالاة في التطرف وهو ما دفعها إلى هجر البيت العربي والالتفاف خلف النظامين الإيراني والتركي وتمسكها بنهج سياسي يعتمد على العمل الميليشياوي والإعلام المضلل التحريضي، وكانت بعيدة عن العمل المؤسسي الرصين.
وقد افتقد وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني للشفافية والمصداقية في كافة التصريحات التي أدلى بها، وظهر جليّاً تخبطه في أقواله وضعف أدائه الدبلوماسي، وذلك حين أكد استعداد بلاده لإنهاء التخوف العربي، ثم عاد في يوم آخر بموقف متضارب معلناً أن بلاده لن تفاوض على سيادتها ولا سبيل للحوار مع الدول المقاطعة إلا بعد رفع "الحصار"، حسب زعمه.
وجاءت قمة التخبط القطري في إفشاله للوساطة الكويتية على الرغم من ترحيب الدوحة بوساطة أمير الكويت ومساعيه ولكنها قامت بتسريب خطاب مطالب الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، بل تشير تقارير إخبارية إلى أن أحد أسباب إفشال الوساطة الكويتية هو رغبة النظام الإيراني في إبعاد الدوحة عن محيطها الخليجي والعربي. كما لجأت قطر إلى المراوغة والتهرب من واجباتها الدولية في مكافحة الإرهاب، واستعانت بدلاً من ذلك بالمباغتة الزائفة عبر تقديم شكاوى إلى مجلس حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي ومنظمة الطيران الدولية ومنظمة التجارة العالمية والولايات المتحدة وروسيا.
خارطة التحركات الدبلوماسية القطرية.. إلى أين؟
لقد فشلت الدبلوماسية القطرية في معالجة أزمتها وإدارة سياستها الخارجية بالصورة التي تؤكد التزام قطر بمكافحة الإرهاب والتصدي لعمليات تمويله، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل وزير الخارجية القطري لمسؤولية الفشل الدبلوماسي للدوحة، وذلك باعتباره أحد أحجار رقعة الشطرنج في نظام الحمدين الحاكم الفعلي لقطر، فوزير الخارجية القطري وحده عقد أكثر من 25 فعالية دبلوماسية حول العالم.
إلا أن المتابع للتحركات الدبلوماسية القطرية يلحظ الآلية التي سار بها النظام القطري في سبيل تدعيم موقفه الداعم للإرهاب، فقد سجل النظام القطري خلال الفترة من 5 يونيه إلى 30 أغسطس 276 تحركاً للدبلوماسية القطرية شملت دولاً ومنظمات ورسائل من أعلى القيادات القطرية، وتعتبر هذه التحركات هي الأعلى قياساً على مستوى العالم، وعكس رغبة النظام القطري في التحشيد الدولي ورغبته في إيجاد مناخ دبلوماسي دولي يخدم مصالحه ويقوي من موقفه بين الدول الخليجي والعربية المقاطعة له.
وقد خلت الخارطة الدبلوماسية القطرية من الدول العربية باستثناء كل من الجزائر ولبنان وبالطبع الكويت باعتبارها صاحبة المبادرة في تسوية الأزمة. واشتملت أكثر الدول الأجنبية في الخارطة الدبلوماسية القطرية على كل من إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، وبطبيعة الحال يضاف إلى هذه الدول كل من إيران وتركيا، حيث لا يمكن رصد الفعاليات الدبلوماسية التي أقدم عليها النظام القطري مع إيران وتركيا لوجود فعاليات معلنة وأخرى غير معلنة وتمت بطريقة سرية.
واستغل النظام القطري خزينة الشعب القطري وثروته السيادية في شراء مواقف عدد من الدول والمنظمات، ومنها كانت 5 زيارات دبلوماسية قام خلالها النظام القطري باستثمارات تفوق في مجموعها عدة مليارات دولار، فضلاً عن تلك الصفقات الاستثمارية غير المعلنة والتي يتجنب النظام القطري الإعلان عنها خشيةً من ردة فعل الشعب القطري.
كما أن أمير قطر "تميم بن حمد" قام وحده بإرسال 13 خطاباً أميرياً إلى عدد من رؤساء العالم، تضمنت بعضها تأكيدات قطرية بمكافحتها للإرهاب ورفضها للوصاية التي فرضتها الدول الأربعة وحصارها الغاشم حسب تعبيره، ونشطت هذه الخطابات بعد قيام الدوحة بالتوقيع على مذكرة أمريكية قطرية لمكافحة تمويل الإرهاب، وهذه المذكرة التي حللها عدد من المتابعين بأنها دليل واضح على تورط النظام القطري في الإرهاب.
الفبركة الإعلامية القطرية ومواصلة التلفيق والتزييف
انحاز النظام القطري إلى أسلوب إعلامي رخيص يعتمد على تزييف الحقائق وتحسين صورة النظام القطري أمام الرأي العام القطري والرأي العام الدولي، ومنها "قناة الجزيرة" والقنوات القطرية والأخرى المدعومة من النظام القطري والمنتشرة في عدد من الدول العربية والأجنبية، فضلاً عن استغلالها لقنوات الإعلام الاجتماعي عبر مختلف الشبكات الاجتماعية، وأوهمت الرأي العام بحالة المظلومية التي وقعت بها الدوحة، وصاغت الأكاذيب وفبركة الحقائق ضد الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب.
ولم يكن خافياً على الجميع سلسلة الأكاذيب والتلفيقات الإعلامية التي أطلقها النظام القطري، ومنها تعمد الإعلام القطري إلى التلاعب بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته، ففي الوقت الذي أكدا على تورط قطر عبر تاريخ طويل في تمويل الإرهاب، فقد استبدل الإعلام القطري كلمة الإرهاب بالتطرف وتجاهل الجملة كلياً في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، والتي جاءت في بيان مكتوب صادر عنه.
كما تطاول الإعلام القطري على المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهو ما دعا المفوضية إلى إصدار بيان أعربت فيه عن "أسفها" لما ورد من أخبار وصفتها بأنها غير دقيقة في وسائل الإعلام القطرية بشأن اللقاء الذي عقد بين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين والممثل الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة في جنيف.
كما تصدر الإعلام القطري في عناوينه أن القوات التركية التي استدعاها النظام القطري جاءت لمهمة رفع القدرة الدفاعية ودعم جهود مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار، في حين أن هذه القوات تم استدعائها لحماية الفرع الحاكم من أسرة آل ثاني والحفاظ على استمرار مفاتيح السلطة بيد النظام القطري خوفاً من انقلاب داخلي كان وشيكاً في قطر.
وقام البنك المركزي القطري بإصدار بيان أكد فيه استقرار صرف الريال القطري مقابل الدولار الأمريكي، ليأتي الرد بعد ساعات من إصدار هذا البيان من عدد من البنوك الكبرى في بريطانيا ووكالات أسواق العملات، فقد أعلن رويال بنك أوف سكوتلند وبنك لويدز وبنك باركليز وبنك تيسكو وماني كرب للوساطة في أسواق العملات، وقف التعامل بالريال القطري.
وقال وزير المواصلات القطري جاسم السليطي عقب اجتماعه مع أمين عام منظمة الطيران المدني الدولي "ICAO" أن "دول الحصار فشلت في ثني المنظمة الدولية للطيران المدني عن بحث طلب قطر لفتح مسارات الطيران المغلقة بفعل الحصار"، في حين أن الحقيقة قد أعلنتها المنظمة الدولية على لسان مدير إدارة الملاحة الجوية في المنظمة استيف كرامر والتي أشادت بإجراءات المملكة السعودية ومصر والإمارات والبحرين في الحفاظ على سلامة الملاحة الجوية.
وحتى الشعائر الإسلامية لم تسلم من التلفيق الإعلامي القطري، حيث أعلن النظام القطري أن السعودية تمنع القطريين من أداء فريضة الحج، في حين أن الحقيقة هي قيام قطر بوقف التسجيل الإلكتروني للحجاج مع اشتراط نقلهم للحج عبر الخطوط الجوية القطرية، وروج الإعلام القطري وعلى رأسه قناة الجزيرة إلى أن القطريين رفضوا تأدية الحج بسبب الحصار، في حين بلغ عدد الحجاج القطريين 1564 حاجاً بزيادة 354 عن حجاج العام الماضي والذين بلغوا 1210 حاجاً.
وروج الإعلام القطري قيام المبنى الأشهر في مدينة نيويورك بتضامنه مع الدوحة ضد المقاطعة وذلك بإنارة المبنى الشهير بألوان العلم القطري، في حين أن الإعلام القطري أخفى على الرأي العام أن هذه الإنارة جاءت بعد أن استحوذ صندوق الثروة السيادي القطري على حصة 9.9% من الشركة المالكة لمبنى إمباير ستيت مقابل مبلغ 622 مليون دولار تم صرفه من أموال الشعب القطري.
الخوف القطري من معركة إسقاط النظام
ليس خافياً على المحللين السياسيين أن النظام القطري يقبع في دائرة الخوف من معركة باتت وشيكة عنوانها "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن هذه المرة لن تكون القاهرة أو المنامة مسرحاً لها، بل ستستضيف الدوحة فعاليات هذه المعركة.
إن ما يقوم به النظام القطري من تخبطات عديدة، يؤكد تضاعف مخاوف النظام القطري من عودة مسلسل الانقلابات القطرية، وهو بالفعل ما دفع النظام القطري إلى إسقاط الجنسية القطرية عن عدد من القطريين الذين يرفضون السياسة القطرية، غير أن قطر بهذه الممارسات تعمد إلى إضعاف نسيجها الاجتماعي، غير آبية بنتائج هذه التخبطات التي ستجعل من الدوحة مسرحاً لمسلسل أصبح وشيكاً على أرض الواقع.
وقامت قطر بتعزيز شعور الأسى لدى شعبها عبر قيامها بعقد تحالفات عسكرية مع اثنين من الأنظمة التي يتآلف معها النظام القطري "تركيا وإيران"، فقد أقر البرلمان التركي في 8 يونيو الماضي، أي بعد 3 أيام على قرار الدول الخليجية والعربية مقاطعة قطر، الاتفاقيات المتعلقة بتعزيز التعاون العسكري بين تركيا وقطر والتي أبرمت أواخر 2015 وعدلت في نوفمبر 2016، تبريراً لاستنجاد القيادة القطرية بالقوات التركية التي تأتي نتيجة عدم ثقة النظام القطري في المؤسسة العسكرية الوطنية، والخشية من تحرك شعبي يتبعه انقلاب عسكري على النظام نتيجة تراكم أخطائه على مدى السنوات الماضية.
كما استعان النظام القطري بقوات إيرانية غير معلن عنها والتي رفضها ضباط عسكريين قطريين وكذلك الشعب القطري، والواقع أن النظام القطري يرى في تعميق العلاقات والتعاون مع إيران على المستويات السياسية والعسكرية فرصة له لإيجاد موطئ قدم لإيران في مجلس التعاون لمواجهة أشقائها في السعودية والإمارات والبحرين.
وهذه التخبطات القطرية، عززت من قوة المعارضة القطرية "الخارجية" والتي تتخذ من لندن مقراً لها، وما يزيد من قوة هذه المعارضة أنها تتشكل من كافة شرائح المجتمع القطري ومنهم أفراد ينتمون إلى الأسرة الحاكمة من غير الفرع الحاكم، وهو ما دفع النظام القطري إلى منع أفراد عائلة آل ثاني من السفر باستثناء المهمات الرسمية والمقربين جداً من الأمير ورئيس الوزراء السابقين، خوفاً من الانقلاب على سياسة النظام القطري التي أوجدت أزمة أثرت على الشعب القطري جراء سياسة نظامه الداعم للإرهاب.
ولن يثني النظام القطري قيامه مؤخراً بعقد صفقات عسكرية لتحقيق مكاسب سياسية من دول أوروبا وأمريكا، فقد قام النظام القطري بإبرام عدة صفقات عسكرية مع كل من الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا وروسيا ساعياً وراء كل تلك الصفقات أن يكسب تعاطف ودعم تلك الدول.
كما أن ما يقوم به النظام القطري من تحسين الصورة بجدارية تميم لم يجدي نفعاً، فبعد انكشاف الصورة الحقيقية لسياسة قطر التدميرية الداعمة للإرهاب وكشف المستور عن تآمرها على جيرانها والعرب ودعمها المادي والإعلامي للميلشيات وإيوائها لشخصيات إرهابية ومطلوبين على قوائم الإرهاب الدولية، قامت قطر بالتعاقد مع شركة علاقات عامة تعمل على تحسين صورتها بالداخل والخارج، وكانت فكرة تدشين ما يسمى بـ "جدارية تميم المجد" ودعوة المواطنين والمقيمين للتوقيع عليها، ومن ثم تم الصاق صورة أمير قطر تميم على عدد من تكاسي كيرلا بالهند ولندن وأمريكا وعلى سيارات التوك توك في تايلند اعتقاد منها بانها ستحسن صورتها لدى المجتمع الدولي! في حين أنها تبدد أموال الشعب القطري.
ماذا خلفت قطر من أضرار في حق شعبها؟
وكنتيجة لما سبق وما دأب عليه النظام القطري، فقد خلفت قطر الكثير من الأضرار في حق شعبها، الذي زادت عزلته عن محيطه الخليجي والعربي الذي تربطه أواصر القربى والنسب، وزاد النظام القطري من تعميق الهوة السياسية بينه وبين جيرانه، وتعمد إلى استنزاف الخزينة القطرية لشراء الولاءات السياسية الخارجية، وسبب ذلك خفض التصنيف الائتماني، وخسائر مني به الريال القطري مقابل الدولار الأمريكي.
كما خلف النظام القطري جراء هذه الممارسات هروباً جماعياً من المداولات في بورصة الدوحة، نتيجة تأزم الأوضاع والتعنت القطري ومخاوف المتداولين جراء استقطاب قوى تأزيميه تهدد أمن واستقرار المنطقة، وهو ما ساهم في تفكيك النسيج الاجتماعي بين الشعوب الخليجية، وخلق فجوة كبيرة بين فروع الأسرة الحاكمة عبر تفضيل فرع وزيادة حصيلته من الثروة السيادية.
ولا يمكن التنبؤ بمستقبل مشرق للنظام القطري الحاكم من الفرع الحالي غير زيادة التشرذم والضعف، في حين أن قوى المعارضة القطرية تستعد لوضع سيناريوهات قطر ما بعد النظام الحاكم.
* مسلسل الانقلاب السياسي في قطر أصبح وشيكاً
* الدوحة تتبوأ منصب أكبر داعم لتمويل الإرهاب في العالم
* الشعب القطري يعاني عزلة دولية بسبب تخبط النظام الحاكم
* الاستنجاد بالنظامين الإيراني والتركي يبعد الدوحة عن محيطها العربي
* الدبلوماسية القطرية فشلت في معالجة أزمتها وإدارة سياستها الخارجية
* إيران تتورط في دعم قطر لإفشال الوساطة الكويتية في حل الأزمة
* نظام الحمدين يجعل من الدوحة مسرحاً للتحرك التركي في المنطقة
* المعارضة القطرية تنشط في كسب أصوات التأييد من الدوحة
* لا يمكن التنبؤ بمستقبل مشرق للنظام القطري الحاكم
* قوى المعارضة القطرية تستعد لوضع سيناريوهات ما بعد النظام الحالي
* إعداد - الباحث الحقوقي والمحلل السياسي سلمان ناصر
مقدمة:
يقبع النظام القطري حالياً في دائرة الخوف من معركة باتت وشيكة عنوانها "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن هذه المرة لن تكون القاهرة أو المنامة مسرحاً لها، بل ستستضيف الدوحة فعاليات هذه المعركة، نتيجةً لما يقوم به النظام القطري "الحاكم" من تخبطات سياسية تؤكد مخاوف النظام القطري من عودة مسلسل الانقلابات القطرية، التي كانت ولا تزال عنواناً لمسيرة الأنظمة السياسية الحاكمة في الدوحة.
لقد تحولت دولة قطر بفضل حالة من "الاضطراب السياسي" لأميرها السابق حمد بن خليفة ورئيس وزرائها السابق حمد بن جاسم، إلى أكبر داعم للإرهاب في العالم، بل تبوأت الدوحة أهم موقع لقيادة الإرهاب عبر الحدود، وذلك على حساب الثروة السيادية القطرية وأموال الشعب القطري، ولم يلتفت النظام القطري لكل تلك الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب، وأصبحت قطر ساحة مفتوحة للإرهاب يتحرك فيها الإرهابيون بلا حسيب ولا رقيب، ويتمتع بعضهم بالحصانة القانونية القطرية.
وفي المقابل، ماذا فعلت الدوحة لتجنب هذه المخاطر؟ بل على العكس من ذلك، استمر النظام القطري في تخبطاته ومعاداته للبيت الخليجي والعربي، وتكريس عزلة الشعب القطري عبر سلسلة من القرارات الهادمة التي عكست جهل الفرع الحاكم في الدوحة، ومنها إسقاط الجنسية القطرية عن عدد من المواطنين وفرض الإقامة الجبرية والمبايعة القصرية ومنع السفر من أسرة آل ثاني من غير الفرع الحاكم، غير آبية بنتائج هذه التخبطات التي ستجعل من الدوحة مسرحاً لمسلسل أصبح وشيكاً على أرض الواقع.
تآمر قطر ضد جيرانها ومحيطها العربي
إن الأسماء التي وردت في قائمة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، بعضها ورد على قوائم الإرهاب للولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وقد كشفت معلومات استخباراتية وردت في تقارير بحثية معنية بمكافحة الإرهاب أن قطر قامت بتمويل خزينة فرع القاعدة في سوريا وأنشأت جماعات وساطة تضم شخصيات قبلية وعسكرية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن "حزب الإصلاح" أنشأتها لمهمة التنسيق مع القاعدة ليكون تمويلها عبر الفدى المالية مقابل الإفراج عن أجانب مختطفين في اليمن.
وقام النظام القطري بتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا بأموال طائلة، سواء كانوا أفراداً قطريين أو لهم صلة بالحكومة القطرية، وقد وصلت هذه التمويلات إلى جبهة النصرة وتنظيم الدولة "داعش" لارتباطهم في السابق، وهذه المعلومات وثقتها واشنطن عند تحديدها للجماعات والأفراد الإرهابيين.
وأثبتت الاعترافات المثيرة لأحد أفراد "داعش" الذي تم القبض عليه من قبل الجيش الوطني الليبي، تورط النظام القطري في دعمها للميليشيات الإرهابية، كما أكدت مصادر أمنية ليبية أنها "تمتلك أدلة ووثائق تثبت أن الدوحة أنفقت ما يزيد عن 3 مليارات دولار منذ انطلاق عمليات فجر ليبيا نهاية عام 2014 وحتى وقت قريب"، مشيرة إلى أن "قطر سهلت دخول كميات كبيرة من السلاح عبر مطارات طرابلس ومصراتة لدعم مقاتلي فجر ليبيا، وأن ضباطاً قطريين كانوا في غرفة قيادة العملية بطرابلس لتقديم المشورة والدعم اللوجستي".
ولم يتوقف التمويل القطري للإرهاب في هذه البلدان، بل كشفت التحقيقات التي أجرتها إدارة التحريات المالية في البحرين عن قيام رجل أعمال قطري بارز يدعي محمد سليمان حيدر بإرسال حوالات مالية بصورة مستمرة في الفترة من 2010 وحتى 2015 إلى المدعو حسن عيسى مرزوق المحكوم في قضايا إرهابية، والذي يقضي حالياً عقوبة السجن لـ 10 سنوات في قضايا قتل عمد واستلام وتقديم التمويل لتنظيم إرهابي على خلفية تورطه كممثل لجمعيته السياسية "الوفاق" المنحلة في قضايا تمويل العناصر الإرهابية وإسنادها بالأموال اللازمة لتدبير المواد المستخدمة في أعمال التخريب وأماكن إيواء العناصر المطلوبة أمنياً، وهو ما أقر به عدد من المقبوض عليهم في قضية تفجير سترة الإرهابي.
كما دعم النظام القطري عناصر وميلسشيات إرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار في عدة دول عربية عبر أجهزته الاستخباراتية، ولعل أبرزها قضية شخصية "أبو عسكور" الذي جعل من موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" منصةً له للتحشيد وإشعال الفتنه وتأليب الشعوب على أنظمتها بشكل ممنهج، وقد تم الإعداد له من قبل المدعو حمد علي الحمادي قطري الجنسية ضابط الاستخبارات القطري الذي تم القبض علية بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث جاءت في اعترافاته قيامه بشراء شرائح هاتفية من الإمارات والسعودية لاستخدامها لهذا الغرض بناء على أوامر كان يتلقاها من رؤسائه في الدوحة.
إلى جانب حساب صاحب الأحبار الذي تبين إنشاؤه في قطر استناداً إلى عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بمزود الخدمة أو ما يعرف بالـ IP Address، والذي سجل دخول كثيف من قبل جهات حكومية قطرية مثل الديوان الأميري والحرس الأميري ووزارة الداخلية القطرية لمواقع ومنتديات سياسية بحرينية في نفس الوقت الذي كانت فيه حسابات مشبوهة مثل حساب "صاحب الأحبار" تبث فتنها وسمومها. وقد كان هذا الحساب وغيره من الحسابات تدعو للفوضى ولتمزيق السلم الأهلي ولضرب النسيج الاجتماعي في البحرين من خلال تنظيم اعتصامات تحت شعارات تحشيدية مثل "طوق الكرامة"، و"طوفان المنامة"، و"بنك الكرامة".
وضمن محاولات قطر لإسقاط الدولة المصرية، وتفتيت الجسد العربي، كشفت الأحداث التي تلت ثورة 25 يناير 2011، تزايد تدخل قطر في الشأن المصري، خاصة بعد وصول جماعة "الإخوان المسلمين" للحكم عام 2012، إذ ارتبط الطرفان "الإخوان وقطر" بمخطط تقسيم دول المنطقة إلى عدة دويلات فيما يعرف بـ "الشرق الأوسط الجديد"، وقد استخدمت قطر الأموال الضخمة وآلة الدمار الإعلامية "قناة الجزيرة"، وقامت بتسليح الجماعات الإرهابية من أجل إسقاط الدولة المصرية، عبر صناعة الأزمات وزيادة الأخطار ودعم الإرهابيين في سيناء وعلى الحدود المصرية.
إن ما جاء في تسجيلات أمير قطر السابق مع العقيد معمر القذافي رئيس الجمهورية الليبية "آنذاك" قبل وفاته تعكس مدى التآمر ضد جيرانها ومحيطها العربي ويثبت بما لا يدعو مجالاً للشك ان النظام القطري عمل على استهداف السعودية، إذ جاء على لسان أمير قطر ما تلفظ به بأن "جميع المعارضة لنا علاقة معهم ونحن أكثر دولة تسبب إزعاجاً للسعودية"، وأضاف أن "برنامج سعد الفقيه يبلى بلاءً حسناً، فهناك عدد من المساجد يتجمهرون فيها الناس والأعداد في ازدياد، ونحن من خلقنا قناة الحوار في لندن، ونحن الذين نغذي قناة الجديد في لبنان، ولا بد أن نستغل خلافاتهم الفوقية التي تضعف سيطرتهم وسنعمل على تشجيع الحركات الداخلية بهدوء.. إذا الله أعطانا عمر 12 عاماً فقط فأشك شكاً كبيراً تشوف الأسرة الحاكمة السعودية".
السياسة الخارجية القطرية في تعاملها لمكافحة الإرهاب
امتازت السياسة الخارجية القطرية في تعاملها مع مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب "السعودية والإمارات والبحرين ومصر"، بحالة من التخبط السياسي الشديد، فلم تلجأ الدوحة إلى معالجة هذه المطالب بل على العكس، قامت باتباع سياسة المغالاة في التطرف وهو ما دفعها إلى هجر البيت العربي والالتفاف خلف النظامين الإيراني والتركي وتمسكها بنهج سياسي يعتمد على العمل الميليشياوي والإعلام المضلل التحريضي، وكانت بعيدة عن العمل المؤسسي الرصين.
وقد افتقد وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني للشفافية والمصداقية في كافة التصريحات التي أدلى بها، وظهر جليّاً تخبطه في أقواله وضعف أدائه الدبلوماسي، وذلك حين أكد استعداد بلاده لإنهاء التخوف العربي، ثم عاد في يوم آخر بموقف متضارب معلناً أن بلاده لن تفاوض على سيادتها ولا سبيل للحوار مع الدول المقاطعة إلا بعد رفع "الحصار"، حسب زعمه.
وجاءت قمة التخبط القطري في إفشاله للوساطة الكويتية على الرغم من ترحيب الدوحة بوساطة أمير الكويت ومساعيه ولكنها قامت بتسريب خطاب مطالب الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، بل تشير تقارير إخبارية إلى أن أحد أسباب إفشال الوساطة الكويتية هو رغبة النظام الإيراني في إبعاد الدوحة عن محيطها الخليجي والعربي. كما لجأت قطر إلى المراوغة والتهرب من واجباتها الدولية في مكافحة الإرهاب، واستعانت بدلاً من ذلك بالمباغتة الزائفة عبر تقديم شكاوى إلى مجلس حقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي ومنظمة الطيران الدولية ومنظمة التجارة العالمية والولايات المتحدة وروسيا.
خارطة التحركات الدبلوماسية القطرية.. إلى أين؟
لقد فشلت الدبلوماسية القطرية في معالجة أزمتها وإدارة سياستها الخارجية بالصورة التي تؤكد التزام قطر بمكافحة الإرهاب والتصدي لعمليات تمويله، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل وزير الخارجية القطري لمسؤولية الفشل الدبلوماسي للدوحة، وذلك باعتباره أحد أحجار رقعة الشطرنج في نظام الحمدين الحاكم الفعلي لقطر، فوزير الخارجية القطري وحده عقد أكثر من 25 فعالية دبلوماسية حول العالم.
إلا أن المتابع للتحركات الدبلوماسية القطرية يلحظ الآلية التي سار بها النظام القطري في سبيل تدعيم موقفه الداعم للإرهاب، فقد سجل النظام القطري خلال الفترة من 5 يونيه إلى 30 أغسطس 276 تحركاً للدبلوماسية القطرية شملت دولاً ومنظمات ورسائل من أعلى القيادات القطرية، وتعتبر هذه التحركات هي الأعلى قياساً على مستوى العالم، وعكس رغبة النظام القطري في التحشيد الدولي ورغبته في إيجاد مناخ دبلوماسي دولي يخدم مصالحه ويقوي من موقفه بين الدول الخليجي والعربية المقاطعة له.
وقد خلت الخارطة الدبلوماسية القطرية من الدول العربية باستثناء كل من الجزائر ولبنان وبالطبع الكويت باعتبارها صاحبة المبادرة في تسوية الأزمة. واشتملت أكثر الدول الأجنبية في الخارطة الدبلوماسية القطرية على كل من إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، وبطبيعة الحال يضاف إلى هذه الدول كل من إيران وتركيا، حيث لا يمكن رصد الفعاليات الدبلوماسية التي أقدم عليها النظام القطري مع إيران وتركيا لوجود فعاليات معلنة وأخرى غير معلنة وتمت بطريقة سرية.
واستغل النظام القطري خزينة الشعب القطري وثروته السيادية في شراء مواقف عدد من الدول والمنظمات، ومنها كانت 5 زيارات دبلوماسية قام خلالها النظام القطري باستثمارات تفوق في مجموعها عدة مليارات دولار، فضلاً عن تلك الصفقات الاستثمارية غير المعلنة والتي يتجنب النظام القطري الإعلان عنها خشيةً من ردة فعل الشعب القطري.
كما أن أمير قطر "تميم بن حمد" قام وحده بإرسال 13 خطاباً أميرياً إلى عدد من رؤساء العالم، تضمنت بعضها تأكيدات قطرية بمكافحتها للإرهاب ورفضها للوصاية التي فرضتها الدول الأربعة وحصارها الغاشم حسب تعبيره، ونشطت هذه الخطابات بعد قيام الدوحة بالتوقيع على مذكرة أمريكية قطرية لمكافحة تمويل الإرهاب، وهذه المذكرة التي حللها عدد من المتابعين بأنها دليل واضح على تورط النظام القطري في الإرهاب.
الفبركة الإعلامية القطرية ومواصلة التلفيق والتزييف
انحاز النظام القطري إلى أسلوب إعلامي رخيص يعتمد على تزييف الحقائق وتحسين صورة النظام القطري أمام الرأي العام القطري والرأي العام الدولي، ومنها "قناة الجزيرة" والقنوات القطرية والأخرى المدعومة من النظام القطري والمنتشرة في عدد من الدول العربية والأجنبية، فضلاً عن استغلالها لقنوات الإعلام الاجتماعي عبر مختلف الشبكات الاجتماعية، وأوهمت الرأي العام بحالة المظلومية التي وقعت بها الدوحة، وصاغت الأكاذيب وفبركة الحقائق ضد الدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب.
ولم يكن خافياً على الجميع سلسلة الأكاذيب والتلفيقات الإعلامية التي أطلقها النظام القطري، ومنها تعمد الإعلام القطري إلى التلاعب بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير خارجيته، ففي الوقت الذي أكدا على تورط قطر عبر تاريخ طويل في تمويل الإرهاب، فقد استبدل الإعلام القطري كلمة الإرهاب بالتطرف وتجاهل الجملة كلياً في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، والتي جاءت في بيان مكتوب صادر عنه.
كما تطاول الإعلام القطري على المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وهو ما دعا المفوضية إلى إصدار بيان أعربت فيه عن "أسفها" لما ورد من أخبار وصفتها بأنها غير دقيقة في وسائل الإعلام القطرية بشأن اللقاء الذي عقد بين مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين والممثل الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة في جنيف.
كما تصدر الإعلام القطري في عناوينه أن القوات التركية التي استدعاها النظام القطري جاءت لمهمة رفع القدرة الدفاعية ودعم جهود مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار، في حين أن هذه القوات تم استدعائها لحماية الفرع الحاكم من أسرة آل ثاني والحفاظ على استمرار مفاتيح السلطة بيد النظام القطري خوفاً من انقلاب داخلي كان وشيكاً في قطر.
وقام البنك المركزي القطري بإصدار بيان أكد فيه استقرار صرف الريال القطري مقابل الدولار الأمريكي، ليأتي الرد بعد ساعات من إصدار هذا البيان من عدد من البنوك الكبرى في بريطانيا ووكالات أسواق العملات، فقد أعلن رويال بنك أوف سكوتلند وبنك لويدز وبنك باركليز وبنك تيسكو وماني كرب للوساطة في أسواق العملات، وقف التعامل بالريال القطري.
وقال وزير المواصلات القطري جاسم السليطي عقب اجتماعه مع أمين عام منظمة الطيران المدني الدولي "ICAO" أن "دول الحصار فشلت في ثني المنظمة الدولية للطيران المدني عن بحث طلب قطر لفتح مسارات الطيران المغلقة بفعل الحصار"، في حين أن الحقيقة قد أعلنتها المنظمة الدولية على لسان مدير إدارة الملاحة الجوية في المنظمة استيف كرامر والتي أشادت بإجراءات المملكة السعودية ومصر والإمارات والبحرين في الحفاظ على سلامة الملاحة الجوية.
وحتى الشعائر الإسلامية لم تسلم من التلفيق الإعلامي القطري، حيث أعلن النظام القطري أن السعودية تمنع القطريين من أداء فريضة الحج، في حين أن الحقيقة هي قيام قطر بوقف التسجيل الإلكتروني للحجاج مع اشتراط نقلهم للحج عبر الخطوط الجوية القطرية، وروج الإعلام القطري وعلى رأسه قناة الجزيرة إلى أن القطريين رفضوا تأدية الحج بسبب الحصار، في حين بلغ عدد الحجاج القطريين 1564 حاجاً بزيادة 354 عن حجاج العام الماضي والذين بلغوا 1210 حاجاً.
وروج الإعلام القطري قيام المبنى الأشهر في مدينة نيويورك بتضامنه مع الدوحة ضد المقاطعة وذلك بإنارة المبنى الشهير بألوان العلم القطري، في حين أن الإعلام القطري أخفى على الرأي العام أن هذه الإنارة جاءت بعد أن استحوذ صندوق الثروة السيادي القطري على حصة 9.9% من الشركة المالكة لمبنى إمباير ستيت مقابل مبلغ 622 مليون دولار تم صرفه من أموال الشعب القطري.
الخوف القطري من معركة إسقاط النظام
ليس خافياً على المحللين السياسيين أن النظام القطري يقبع في دائرة الخوف من معركة باتت وشيكة عنوانها "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن هذه المرة لن تكون القاهرة أو المنامة مسرحاً لها، بل ستستضيف الدوحة فعاليات هذه المعركة.
إن ما يقوم به النظام القطري من تخبطات عديدة، يؤكد تضاعف مخاوف النظام القطري من عودة مسلسل الانقلابات القطرية، وهو بالفعل ما دفع النظام القطري إلى إسقاط الجنسية القطرية عن عدد من القطريين الذين يرفضون السياسة القطرية، غير أن قطر بهذه الممارسات تعمد إلى إضعاف نسيجها الاجتماعي، غير آبية بنتائج هذه التخبطات التي ستجعل من الدوحة مسرحاً لمسلسل أصبح وشيكاً على أرض الواقع.
وقامت قطر بتعزيز شعور الأسى لدى شعبها عبر قيامها بعقد تحالفات عسكرية مع اثنين من الأنظمة التي يتآلف معها النظام القطري "تركيا وإيران"، فقد أقر البرلمان التركي في 8 يونيو الماضي، أي بعد 3 أيام على قرار الدول الخليجية والعربية مقاطعة قطر، الاتفاقيات المتعلقة بتعزيز التعاون العسكري بين تركيا وقطر والتي أبرمت أواخر 2015 وعدلت في نوفمبر 2016، تبريراً لاستنجاد القيادة القطرية بالقوات التركية التي تأتي نتيجة عدم ثقة النظام القطري في المؤسسة العسكرية الوطنية، والخشية من تحرك شعبي يتبعه انقلاب عسكري على النظام نتيجة تراكم أخطائه على مدى السنوات الماضية.
كما استعان النظام القطري بقوات إيرانية غير معلن عنها والتي رفضها ضباط عسكريين قطريين وكذلك الشعب القطري، والواقع أن النظام القطري يرى في تعميق العلاقات والتعاون مع إيران على المستويات السياسية والعسكرية فرصة له لإيجاد موطئ قدم لإيران في مجلس التعاون لمواجهة أشقائها في السعودية والإمارات والبحرين.
وهذه التخبطات القطرية، عززت من قوة المعارضة القطرية "الخارجية" والتي تتخذ من لندن مقراً لها، وما يزيد من قوة هذه المعارضة أنها تتشكل من كافة شرائح المجتمع القطري ومنهم أفراد ينتمون إلى الأسرة الحاكمة من غير الفرع الحاكم، وهو ما دفع النظام القطري إلى منع أفراد عائلة آل ثاني من السفر باستثناء المهمات الرسمية والمقربين جداً من الأمير ورئيس الوزراء السابقين، خوفاً من الانقلاب على سياسة النظام القطري التي أوجدت أزمة أثرت على الشعب القطري جراء سياسة نظامه الداعم للإرهاب.
ولن يثني النظام القطري قيامه مؤخراً بعقد صفقات عسكرية لتحقيق مكاسب سياسية من دول أوروبا وأمريكا، فقد قام النظام القطري بإبرام عدة صفقات عسكرية مع كل من الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا وروسيا ساعياً وراء كل تلك الصفقات أن يكسب تعاطف ودعم تلك الدول.
كما أن ما يقوم به النظام القطري من تحسين الصورة بجدارية تميم لم يجدي نفعاً، فبعد انكشاف الصورة الحقيقية لسياسة قطر التدميرية الداعمة للإرهاب وكشف المستور عن تآمرها على جيرانها والعرب ودعمها المادي والإعلامي للميلشيات وإيوائها لشخصيات إرهابية ومطلوبين على قوائم الإرهاب الدولية، قامت قطر بالتعاقد مع شركة علاقات عامة تعمل على تحسين صورتها بالداخل والخارج، وكانت فكرة تدشين ما يسمى بـ "جدارية تميم المجد" ودعوة المواطنين والمقيمين للتوقيع عليها، ومن ثم تم الصاق صورة أمير قطر تميم على عدد من تكاسي كيرلا بالهند ولندن وأمريكا وعلى سيارات التوك توك في تايلند اعتقاد منها بانها ستحسن صورتها لدى المجتمع الدولي! في حين أنها تبدد أموال الشعب القطري.
ماذا خلفت قطر من أضرار في حق شعبها؟
وكنتيجة لما سبق وما دأب عليه النظام القطري، فقد خلفت قطر الكثير من الأضرار في حق شعبها، الذي زادت عزلته عن محيطه الخليجي والعربي الذي تربطه أواصر القربى والنسب، وزاد النظام القطري من تعميق الهوة السياسية بينه وبين جيرانه، وتعمد إلى استنزاف الخزينة القطرية لشراء الولاءات السياسية الخارجية، وسبب ذلك خفض التصنيف الائتماني، وخسائر مني به الريال القطري مقابل الدولار الأمريكي.
كما خلف النظام القطري جراء هذه الممارسات هروباً جماعياً من المداولات في بورصة الدوحة، نتيجة تأزم الأوضاع والتعنت القطري ومخاوف المتداولين جراء استقطاب قوى تأزيميه تهدد أمن واستقرار المنطقة، وهو ما ساهم في تفكيك النسيج الاجتماعي بين الشعوب الخليجية، وخلق فجوة كبيرة بين فروع الأسرة الحاكمة عبر تفضيل فرع وزيادة حصيلته من الثروة السيادية.
ولا يمكن التنبؤ بمستقبل مشرق للنظام القطري الحاكم من الفرع الحالي غير زيادة التشرذم والضعف، في حين أن قوى المعارضة القطرية تستعد لوضع سيناريوهات قطر ما بعد النظام الحاكم.