دبي - (العربية نت): خلال منتدى الطيران الأفريقي في كيغالي عاصمة رواندا، الدولة الصاعدة في شرق أفريقيا، اضطرت الخطوط القطرية للاعتراف علناً بتجميد خطط للتوسع في القارة السمراء، رصدت لها مليارات الدولارات، وكانت شرعت في تنفيذها منذ سنوات ما كبدها خسائر فادحة.

وكثفت الخطوط الجوية القطرية البحث عن خطوط بديلة، ووجهات جديدة بعد أن خسرت السوق الخليجية والعربية الأكثر أهمية بسبب المقاطعة العربية.

وبذلت الشركة التي تواجه تحديات عصيبة، على خلفية سلوك القيادة القطرية جهوداً مضنية لتعويض خسائرها، بتدشين خطوط جديدة في أفريقيا، وهي من أسواق النقل الجوي الواعدة.

وشملت هذه الخطط نيجيريا وغانا وكينيا، وهي دول لا تظهر أجهزتها الأمنية حماساً لتعاون وتواصل مباشر مع قطر، توجساً من استغلال الدوحة الرحلات التجارية لنقل أموال وأسلحة و"جهاديين" مفترضين.

ورغم محاولة قطر ربط علاقات قوية مع الرئيس النيجيري الجنرال، محمد بخاري، تأمل أبوجا أن تبقى الشبكات القطرية بعيدة عن نشاط جماعة بوكو حرام، التنظيم الإرهابي الأكثر وحشية والأشد قسوة في إفريقيا.

ويزيد ظهور فرع "داعش" في الكونغو ودول إفريقية، وتبنيه لهجمات دامية التوجس في القارة من أي تعزيز محتمل للعلاقات مع قطر المتهمة بدعم التنظيم الإرهابي والتي تشتد عزلتها الإقليمية والدولية.

ويصيب عدم التجاوب مع الرغبة القطرية الجامحة في التوغل داخل إفريقيا سلطة قطر بالإحباط، فأجهزة الأمن والمصالح الإدارية في الكثير من دول القارة تجهد القطريين وتكبدهم خسائر فادحة، بإجراءات أمنية وبيروقراطية معقدة، قبل الحصول على التراخيص التي يبحثون عنها، وتشمل النقل الجوي والبحث عن المعادن واليورانيوم والاستكشافات النفطية.

بيروقراطية وحذر أمني له مسوغاته، يتلاشى معهما صبر قطر وأحلام النفوذ والتوسع في أفريقيا التي تتنافس فيها قوى إقليمية، من بينها إسرائيل وتركيا وإيران، فضلاً عن الوجود التقليدي لقوى كبرى من بينها أميركا وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى نشاط جديد للصين وروسيا.

ومع مرور حوالي سنتين على المقاطعة العربية، تبدو دولة قطر أكثر عزلة وأقل تأثيراً و"شراسة" مما كانت عليه في أي وقت سابق، وتبددت مشاريع الهيمنة وخطط لتوسيع رقعة نفوذها واستثماراها في القارة السمراء.

وخلافاً لما كان عليه الحال غداة الثورات التي أطاحت بأنظمة حكم عربية في شمال إفريقيا، تظهر دول المنطقة نفوراً متزايداً من السياسة القطرية، وابتعدت عن "عاصمة التغيير" حكومات، وقاطعتها أخرى في شكل تدريجي، رغم أن سلطة قطر ضخت مليارات الدولارات في هذه الدول ومولت جماعات سياسية ودينية متطرفة لبناء نفوذ سياسي واقتصادي، وخلق جماعات ولوبيات ضغط دون جدوى.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية إسماعيل سيديا أن من "أهم منغصات الاستراتيجية القطرية في أفريقيا هي القطيعة المفاجئة التي حدثت بينها وبين أخواتها الكبريات، فالدبلوماسية السعودية والإماراتية في محورها الأفريقي سبقت قطر".

ومع سقوط نظام عمر حسن البشير في السودان ورفض السلطات الجديدة في الخرطوم استقبال وفد قطري رفيع المستوى، وتعزيز أثيوبيا وإريتريا علاقاتهما مع السعودية والإمارات، ينكمش دور قطر في القرن الأفريقي، وتتبخر مئات الملايين التي أنفقت من صناديق قطر السيادية على مشاريع في إريتريا التي ركزت عليها السياسة القطرية طيلة عقد لمواقعها الاستراتيجي؛ أي قربها من السعودية من جهة ووجودها على الممرات المائية الحيوية للتجارة الدولية من جهة أخرى.

وكانت قطر شجعت إريتريا على إقامة علاقات دبلوماسية وشراكة اقتصادية وعسكرية وأمنية قوية مع إسرائيل، رغم الإجماع العربي في بداية التسعينيات على التريث في التطبيع مع الدولة العبرية، حتى تقدم تنازلات لسلام دائم وعادل يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

ومولت قطر تأجير جزيرة في إريتريا تقع على ضفة البحر الأحمر المقابلة للسعودية، وذهبت أبعد من ذلك عندما تورطت في تمويل بناء أكبر قاعدة عسكرية لإسرائيل خارج الأراضي المحتلة في هذه الجزيرة، بهدف الضغط على دول المنطقة وابتزازها.

وشجعت القيادة القطرية إريتريا في زيارات دورية تردد خلالها الأمير السابق حمد بن خليفة، ووزير خارجيته حمد بن جاسم، على تبني مواقف عدائية من السعودية.

وتورطت قطر في النزاع العسكري بين إثيوبيا وإريتريا، ولاحقاً عرضت الوساطة ونشرت قوات على الحدود الفاصلة بينهما، سحبتها بعد أن راجع البلدان علاقاتهما مع الدوحة وقررا الاصطفاف مع الدول الراعية لمكافحة الإرهاب ضد حليفهما السابق الذي أظهر حماساً حتى لمشروع "سد النهضة"، استمراراً لسياسته الكيدية لتقويض الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر.

وكرس خيبة الأمل القطرية في القرن الإفريقي اتهام سلطة الدوحة بتمويل الإصلاح الإسلامي، والحزب الإسلامي الإريتري للعدالة والتنمية، وكذالك الكشف عن ملفات تثبت تورطها في الحرب الأهلية في الصومال، ودعم حركة شباب المجاهدين الإرهابية.

وخفضت جيبوتي مستوى التمثيل الدبلوماسي القطري، كما اتخذت دول إفريقية أخرى إجراءات ضد قطر من بينها تشاد والسنغال ومالي.

ويرى الباحث السياسي منصور الخميس أن "من أهم الفوائد للمقاطعة التي أعلنتها الدول الأربع - المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين - لقطر هو تحجيم الدور القطري في المنطقة، وإعادة قطر إلى وضعها الطبيعي كدولة غير مؤثرة على الصعيد السياسي، فالمال وحده لا يكفي للعب دور كالذي تسعى إليه قطر في المنطقة كونها غير مؤهلة لذلك لاعتبارات عديدة، أهمها صغر مساحتها وقلة عدد سكانها وضعف قوتها في ميزان القوة العسكرية بالمنطقة".

"كما أن الفترة الماضية أضرت قطر بنفسها من خلال تناقضاتها المستمرة، والتي جعلت العالم يستغرب من هذه الممارسات العبثية، ما أدى إلى حالة من فقدان الثقة بالحكومة القطرية التي تناقض نفسها وتصريحاتها بشكل متكرر، وهذا انعكس على علاقتها بدول كالسودان، الذي اعتذر المجلس العسكري فيه عن لقاء وفد قطري، وأيضاً أثيوبيا وإرتيريا اللتان وقعتا في أبوظبي اتفاقية أنهت سنوات من حرب غذتها قطر بالمال عبر مؤسساتها التي تحولت من الخيرية إلى الإرهابية"، بحسب تعبيره.

ويقول الكاتب الليبي فوزي عمار إن قطر "ساندت التنظيم الدولي للإخوان ومشروع توطين التنظيم الإرهابي في المنطقة، ولكن قطع رأس الأفعى في مصر وتراجع حركة النهضة في تونس وانتصار الجيش الوطني الليبي في شرق ليبيا وتوغله غرباً أفشل المشروع".

وأضاف عمار أن "قطر تعاني من عزلة إقليمية، فضلاً عن ذلك إدارة الرئيس ترمب ترى في مصر والسعودية والإمارات حلفاء جديرين بالثقة في المنطقة، وهذا يعني نهاية المشروع القطري الإخواني"، بحسب تعبيره.

ويرى مراقبون أن دور قطر في شمال إفريقيا اقتصر على تمويل الصراع في ليبيا والأزمات في المنطقة لصالح القوى العظمى، خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.

ويشدد الدكتور ديدي ولد السالك، مدير المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية، على أن كل محاولات قطر التدخل في القرن الإفريقي "لم ترق أبداً لمستوى النفوذ أو الحضور القوي".

وأضاف أن "لديهم تواجدا ما ومحاولات استكشاف لفرص الاستثمار" بيد أن "دورهم يقتصر على التمويل وخدمة مواقف واستراتيجيات القوى العظمى المؤثرة في القارة الأفريقية"، بحسب قوله.

وباستثناء المغرب، تظهر قطر كدولة منبوذة في شمال أفريقيا، فقد قطعت معها مصر العلاقات الدبلوماسية على خلفية تورطها في دعم الإرهاب، كما تضامن مجلس النواب المنتخب والمعترف به دولياً في ليبيا مع الدول العربية الراعية لمكافحة الإرهاب، وأعلن قطع العلاقات مع الدوحة، واتخذت دولة مغاربية أخرى نفس الخطوة وهي موريتانيا.

وفي تونس، تواجه قطر الكثير من المشاكل رغم مشاركة حركة النهضة الإخوانية التابعة لها في الحكومة، فالرئيس الباجي قائد السبسي ينظر بتوجس لدور قطر السيئ وتدخلها في الشؤون الداخلية لبلاده، عبر دعم جماعات سياسية ودينية، فضلاً عن تمويلها الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا، وهو ما يشكل خطراً على الأمن القومي والمصالح الجوهرية لبلاده.

ومع أن الإعلام القطري والإخواني يحاول أن يظهر المغرب كحليف لقطر في أزمتها الحالية مع الدول الخليجية والعربية، علمت "العربية.نت" و"الحدث.نت" من مصادر مغربية شديدة الاطلاع أن مقربين من العاهل المغربي الملك محمد السادس حذروا في أكثر من مناسبة حزب العدالة والتنمية الإخواني، الذي يتولى رئاسة الحكومة وبعض الوزارات، من مغبة استعداء السعودية والإمارات أو محاولة الوقيعة بين البلدين والمغرب الذي تربطه بهم علاقات تاريخية قوية و شراكات استراتيجية عميقة.

وحتى في الجزائر، التي تبدو تقليدياً أقرب لحلف الدوحة الإقليمي إيران وتركيا، لا يبدو وضع قطر أفضل مما هو عليه في بقية دول المغرب العربي ومصر، خاصة مع الحراك الشعبي الذي أدى لعزل عبدالعزير بوتفليقة ومنعه من الترشح لولاية رابعة، وإمساك المؤسسة العسكرية بزمام الأمور، وهي التي تشارك محور الاعتدال في العالم العربي شكوكه وهواجسه إزاء التحركات القطرية المشبوهة وتأثيرها السلبي على الأمن القومي العربي.

وتراقب الاستخبارات العسكرية الجزائرية في مالي عن كثب تحركات الدبلوماسيين القطريين ومبعوثين وتجار مفترضين، وسط تقارير عن دعم الدوحة الجماعات الإسلامية المتشددة في شمال البلاد المضطرب منذ سنوات والمتاخم للحدود مع الجزائر، وحيث توجد قيادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وشدد الباحث الأمني منار السلمي، خلال مقابلة تلفزيونية، على أن الحكم الحالي في الدوحة "رسخ سمعة قطر كبلد داعم للإرهاب".

ويقول إن قطر ساندت متطرفين ومسلحين مارقين بالمال والسلاح في جنوب ليبيا وتشاد.

وأضاف أنها مرتبطة بجماعات تقوض الاستقرار في الساحل الأفريقي من بينها أنصار الدين، والتوحيد والجهاد، والقاعدة في المغرب العربي، وأكد أن الدعم القطري يزيد خطر هذه الجماعات ويقلق دول المنطقة.

وساهمت السعودية والإمارات في تمويل قوة الساحل الإفريقي لمكافحة الإرهاب كما شجعت جهود دول أفريقية من بينها موريتانيا، في تجفيف منابع تمويل الإرهاب، ومولت مشاريع لمكافحة الفقر ونشر التعليم والتغطية الصحية وخصصت عشرات الملايين لتقديم مساعدات إنسانية.

ويرى الإعلامي والباحث السياسي منصور الخميس أن المقاطعة التي تتعرض لها قطر زادت من الوعي لدى المجتمع الدولي بالأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تنفذها سلطة الدوحة في المنطقة، والدليل على ذلك مواقف حكومات بعض الدول مثل ليبيا والسودان وموريتانيا وتونس والجزائر، والتوجس الموجود والعلاقات المتوترة مع دول أخرى مثل إريتريا والصومال.

ويضيف الخميس أن "تنامي الوعي الدولي بخطورة الممارسات القطرية سيجلب لها المتاعب، فلن تتوقف الدول عن ملاحقة قطر والتضييق عليها بعد تشريد الملايين في الوطن العربي، بسبب دعم قطر للفوضى تحت مسمى الربيع العربي، وكذلك دعم الجماعات المسلحة تحت ذريعة الفدية والمساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاعات المسلحة في عدد من الدول".

وشدد الخميس على أن الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده خليفة حفتر، يتعرض لهجمة شرسة من قطر وتركيا وأذرعهما الإعلامية خشية سقوط المشروع القطري الرامي إلى السيطرة على ثروات ليبيا من الغاز والنفط، والحصول عبر عملائها في حكومة الوفاق على عقود بمليارات الدولارات في مجال الطاقة"، بحسب قوله.

ولفت الخميس الانتباه إلى "تراجع حزب النهضة في تونس وتزايد الغضب الشعبي من التدخلات القطرية لدرجة تصنيف قطر لدى الشارع دولة معادية".

وأضاف الخميس، "في المغرب وموريتانيا تواجه قطر الاتهامات بدعم جبهة البوليساريو الانفصالية والجماعات المسلحة في مالي والتي تعمل على إمداد جماعات متحالفة معها في دول مثل ليبيا والجزائر، ما يجعل قطر إحدى أخطر الدول، وقد يقود هذا الأمر لتكاتف جهود المجتمع الدولي نحو فرض عقوبات عليها في المستقبل".