أبوظبي- (سكاي نيوز عربية): "إذا وقفنا دقيقة حداد على كل عامل يخسر روحه في الأعمال الإنشائية لكأس العالم في قطر، فستقام أول 44 مباراة في صمت"، هكذا حاول هانز كريستيان غابريلسن، رئيس الاتحاد النرويجي لنقابات العمال وصف الأزمة الإنسانية التي يعاني منها مئات الآلاف من العمال في قطر، لكن ما قاله قبل عام ربما يحتاج إلي تحديث بزيادة فترة الحداد.

فوفق الإحصاءات الرسمية، لقي 1200 عامل حتفهم خلال العمل من أجل تشييد 8 ملاعب فخمة لكأس العالم المقرر عقده عام 2022 في قطر.

وطبقا للأرقام، بتوقع اتحاد النقابات الدولي أن يصل عدد ضحايا العمل في إنشاءات المونديال القطري إلى 4 آلاف قبل أن يطلق حكم مباراة الافتتاح صافرته ليستمتع الملايين في العالم بأداء لاعبي كرة القدم بعد حفل افتتاح سيتكلف المليارات.

ويعد تقرير اتحاد النقابات الدولي أكثر تفاؤلا، حيث بنى تقديراته على معلومات من سفارتي الهند ونيبال قبل استكمال 50 في المئة من المشاريع الإنشائية، لكن تقارير أخرى اعتمدت على بيانات أشمل تضمنت مختلف جنسيات العمال قدرت الوفيات المتوقعة إذا استمر استغلال العمال في قطر بنحو 7 آلاف وفاة، بحسب مبادرة بلاي فير قطر، التي تدعو إلى سحب تنظيم المونديال من الدوحة بسبب الانتهاكات.

وبسبب ضخامة عدد الوفيات الحالي، فقد دفنت أسماء هؤلاء العمال في مقبرة إحصائية جماعية، وربما كان ذلك سببا رئيسيا في عدم لفت انتباه الرأي العام العالمي بشأن مأساة العمال في قطر.

ولتوضيح الوضع أكثر، فإن نظرة على الخسائر العمالية في البطولات العالمية الكبرى قد ترسم مقارنة أكثر وضوحا لكنها أكثر إيلاما.

ويكفي القول أن عدد العمال، الذين توفوا في الأعمال الإنشائية في كأس العالم الأخير في روسيا عام 2018، بلغ 60 حالة وفاة، وهو رقم اعتبر كبيرا جدا مقارنة بـ8 حالات فقط حدثت خلال الاستعداد لكأس العالم في البرازيل عام 2014، وحالتي وفاة فقط في أعمال بناء الملاعب في كأس العالم بجنوب أفريقيا عام 2010.

وتشير هذه المقارنة السريعة إلى مدى فداحة الخسائر، التي يتحملها العمال الذي يأتون من بلدان تعيش في فقر مدقع من أجل راتب لا يتحصلون غالبا عليه بشكل كامل وقد يمكثون شهورا دون لمسه. لكن لماذا يموت العمال في قطر على وجه الخصوص؟

بالعودة إلى البيانات القطرية الرسمية، فإن العديد من الشركات لا تتقيد بحظر العمل خلال ذروة اليوم "من الساعة 11:30 صباحا إلى الثالثة بعد الظهر"، من منتصف يونيو إلى 31 أغسطس، حيث تتعامد شمس الخليج الحارقة، بينما يواصل العمال مجبرين في هذا الطقس الحار، وهو ما يعرض حياة العمال للخطر.

وكانت الوكالة القطرية للأنباء قد ذكرت في 13 يوليو الماضي أن 97 شركة من مختلف القطاعات استمرت في إجبار العمال على أداء مهامهم في هذه التوقيتات الخطرة.

وبالنظر إلى العدد الضخم من الشركات "المخالفة"، يبدو أن هذا النوع من الممارسات أمر شائع بحيث لا يمكن إخفاؤه عن أعين السلطات، التي تواجه انتقادات دولية بسبب ظروف العمالة السيئة.

وفي تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش، قالت مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة، لمى فقيه، "يخضع العمال الوافدون في قطر لنظام عمل استغلالي يعرضهم لخطر العمل الجبري، إذ يحاصرهم في ظروف عمل تهدد حقوقهم في الأجور العادلة والأجر الإضافي والسكن اللائق وحرية التنقل والقدرة على اللجوء إلى العدالة"

ولفتت فقيه إلى أن "هذه الانتهاكات الخطيرة والممنهجة لحقوق العمال الوافدين في قطر عادة ما تنبع من نظام الكفالة الذي لم يُلغَ بعد، وهو النظام الذي يربط تأشيرات العمال الوافدين بأصحاب عملهم ويقيّد كثيرا قدرتهم على تغيير صاحب العمل".

ويضاف إلى ذلك المصادرات الشائعة لجوازات سفر العمال من قبل أصحاب العمل، والديون المترتبة على العمال الوافدين جراء سداد رسوم استقدامهم، وحظر انضمام العمال الوافدين إلى النقابات والإضرابات تعرّض العمال لخطر الانتهاكات.

ومنذ أسبوع، عادت قضية معاناة العمال في قطر إلى الواجهة، بعدما نفذوا الآلاف منهم إضرابا عن العمل، احتجاجا على الظروف السيئة والرواتب الهزيلة.

ونقلت هيومن رايتس ووتش في تقريرها عن أحد العمال في شركة قطرية تقدم خدمات الصيانة والنظافة والسباكة وخدمات أخرى إنه برفقة 800 إلى ألف عامل آخرين، رفض الذهاب إلى العمل في 5 أغسطس 2019.

وقال العامل إن تهديدات متكررة وصلتهم من الإدارة بالترحيل إذا رفضوا التوقيع على عقود جديدة تقلل كثيرا من أجورهم.

وأشار العامل إلى أنه أُجبر على توقيع عقد لدى وصوله إلى الدوحة في 2018، تحت تهديد الترحيل إن لم يفعل، ينص على أجور أقل من التي وعده بها مكتب الاستقدام في بلده.

وقال: "قال الكفيل إن المكتب هو السبب. قال لي: وقع العقد أو عد إلى بلدك".

ومطار حمد الدولي، المطار القطري الرئيسي، من بين عملاء الشركة التي تنتهك حقوق العمال.

كما ظهرت تقارير بشأن إضراب بدأ في 4 أغسطس في بلدية الشيحانية، مع انتشار مقاطع فيديو وصور على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها مئات العمال يحتجون على ظروف العمل، ومنها عدم الحصول على الأجور وتأخرها.

وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فقد سجلت العمالة الأجنبية في قطر زيادة سريعة بدءا من عام 2010، الذي مُنحت فيه قطر حق استضافة بطولة كأس العالم لعام 2022.

ونتيجة لأسباب، من بينها الطفرة التي أعقبت ذلك العام في أعمال البناء والتشييد، قفز عدد سكان البلاد من 1.6 مليون نسمة في ديسمبر 2010 إلى 2.7 مليون نسمة في أكتوبر 2018.

ومنذ أن أُوكلت لقطر مهمة تنظيم بطولة كأس العالم، "كان هناك توثيق مكثف لما يتعرض له العمال الأجانب الذين يتقاضون أجورا زهيدة من إساءة واستغلال يعدان، في بعض الأحيان، عملا بالسخرة، واتجارا بالبشر"، بحسب التقرير.

وفي عام 2014، أفاد "مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق المهاجرين" كذلك بأن "الاستغلال متفش، وكثيرا ما يعمل الوافدون دون أجر، ويعيشون في ظروف دون المستوى".

وبالرغم من الوعود القطرية بإصلاح قوانين العمالة، "فلا يزال مثل هذا الاستغلال للعمال مستمرا على نطاق واسع حتى الآن"، وفق منظمة العفو.

ففي سبتمبر 2018، نشرت المنظمة نتائج تحقيق بشأن أعمال شركة هندسية تدعى "ميركوري مينا" تركت عشرات العمال مفلسين، وقد تقطعت بهم السبل في قطر، وشعروا في نهاية الأمر بأنهم مُضطرون للعودة إلى بلادهم مثقلين بالديون؛ برغم أن لهم آلاف الدولارات من الأجور والمستحقات.

وكان العمال يشاركون في تشييد بنية أساسية حيوية تخدم المدينة والملعب اللذين سيستضيفان المباراتين الافتتاحية والنهائية لبطولة كأس العالم لعام 2022.

وفي حالة أخرى وردت أول أنباء بشأنها في مايو عام 2018، ظل 1200 عامل دون أجر لعدة أشهر، وعاشوا أسابيع دون مياه جارية أو كهرباء، بحسب التقرير.