الشارقة - عبدالله مال الله

أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن الثقافة بنت الصبر، ومشوار الثقافة لم يكن مجرد خيار، بل السبيل الوحيد للوصول إلى الهدف المنشود.

وأضاف سموه، أنه لم يكن لقب الشارقة عاصمة عالمية للكتاب الغاية النهائية للشارقة للوقوف عنده، وستواصل مشوارها الثقافي حتى تستعيد الأمة العربية والإسلامية المكانة التي تليق بتاريخها وتراثها ومنجزاتها التي ملأت العالم نوراً ومعرفة.

جاء ذلك خلال حفل افتتاح صاحب السمو حاكم الشارقة، وبحضور سمو الشيخ عبدالله بن سالم بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة، لفعاليات الدورة 38 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، التي انطلقت الأربعاء بمركز اكسبو الشارقة، تحت شعار "افتح كتاباً.. تفتح أذهاناً".

وقال صاحب السمو حاكم الشارقة في كلمته: "أهلاً بكم في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي إمارة الشارقة، ويسعدنا استضافتكم في كل عام في هذا المكان العزيز على قلب كل فرد فينا، أهلاً بكم في رحاب المعرفة وحضرة الكتاب وعراقة التاريخ والحضارات التي جاءتنا بين صفحات الكتاب من مختلف الدول والثقافات، لتحكي لنا عن تاريخ البشرية المشترك وتقدم تجارب متنوعة فيها منفعة وعبرة لمستقبلنا جميعاً.

كما نرحب بدولة المكسيك ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب لهذه الدورة.

وتابع سموه، قائلاً "إنه منذ أربعين عام، لم تكن الشارقة كما ترونها الآن، ولم يكن أحد يتوقع أن تبني كل هذه المنجزات الثقافية، لكننا كنا نعرف أننا واصلون إلى هذه المكانة وذلك بفضل الله تعالى، وبفضل وضوح الرؤية والإصرار على تنفيذها، فالثقافة بنت الصبر كما تعلمت أنا شخصياً".

وعلى الرغم من الصبر الذي يحتاجه مشوار الثقافة، إلا أنه لم يكن مجرد خيار، بل السبيل الوحيد الذي يوصلنا إلى أهدافنا، أردنا مجتمعاً مستقراً راقياً في أخلاقه وعلاقاته، واقتصاداً مستداماً واعياً لغاياته، وعلماً نبني به نهضتنا، وهذا جميعه لا يتحقق إلا بالمعرفة والعلم والكتاب.

وقال في كلمته "وها نحن اليوم في العام 2019، حيث اختارت اليونسكو إمارة الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، وهي مكانة لا تأتي إلا استحقاقاً للجهد والتخطيط والسهر، لقد وضعت اليونسكو ومعها مؤسسات دولية عريقة وهي الاتحاد الدولي للناشرين والاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات، معاييراً دقيقة لاختيار عاصمة الكتاب العالمية، هذه المعايير استوفتها الشارقة خلال مشوارها الطويل، وها هي مجسدة في كل مشهد في الإمارة، وفي مكتبة كل بيت، وثقافة كل طفل وشاب وشابة، وفي أخلاق المؤسسات وخططها للمستقبل، وفي طموح الأجيال واستقرار المجتمع ورفعته وتقدمه، وفي حجم الفعاليات الثقافية المتنوعة على مدار العام ومدى التفاف المواطنين والمقيمين حولها والإقبال عليها، بل وبمدى التزامها بعمقها الإقليمي وقيمها الإنسانية".

وأضاف سموه "أحد المعايير كان يتحدث عن حرية النشر والتعبير، قد جرت العادة أن يسود الاعتقاد بأن منطقتنا تفتقر لهذه القيم، لكن الحقيقة أن الثقافة تحتاج للحرية كي تنمو، إنها مثل النبتة إذا وضعت في إناءٍ أو قالبٍ صغيرة عليها أن تموت أو تتشوه، لكننا منحناها مساحتها وفتحنا لها أفاقاً للمستقبل، وفي المقابل وحتى لا تستغل الثقافة للمس بالمجتمع، ربينا المسؤولية في كل نفس، وعززنا انتماء الفرد للمجموعة، وغلبنا المصلحة العامة على المصالح الضيقة، وحرصنا على تشجيع تجربتنا الثقافية الخاصة المرتبطة بجذورنا وتراثنا، فجاءت الحرية مسؤولة وملتزمة بمصلحة المجتمع وداعمة للتنمية والتقدم".

وقال سموه "رب من يسأل ماذا بعد، إلى أين تسير الشارقة، ونحن نجيب، ولم يكن اللقب غايتنا النهائية حتى نتوقف عنده، وسنواصل مشوارنا الثقافي حتى نستعيد لأمتنا المكانة التي تليق بتاريخها وتراثها ومنجزاتها التي ملأت العالم نوراً ومعرفة، إن الثقافة مشروع كرامة راسخة، يتجلى في ثقة الأمة بنفسها وفي قدرتها على الإسهام في صناعة مستقبل يحميها من الجهل والتخبط في الظلمة".

وأكد سموه أن الأمم الواثقة المعززة بالعلم لا يمكن المساس بمكانتها، بينما يحط الجهل من مكانة الأمم القوية ولو امتلكت كل معدات الكون وآلياته.

وأردف صاحب السمو حاكم الشارقة، قائلاً "أنه ومنذ عدة سنوات وما زلنا نعمل على مشروعنا الثقافي في العالم العربي، حيث بيوت الشعر تنتشر في أرجاء الوطن العربي، وملتقى الشارقة للسرد -القصة والرواية- الإبداع العربي للشباب، المسرح ومهرجاناته في كل بلد عربي، وأحسست من خلال ذلك العطاء أن أنوار القرن الثامن عشر لا تزال تضيء، وأن كتابنا وأدباءنا لا يقلوا قامةً عن أدباء وكتاب ذلك القرن، إذن فلنتحد ونقرر على أن يكون هذا القرن هو قرن أنوار الأمة العربية، لنزيل الظلمات ونرفع راية العقلانية عالياً".

وتفضل بعدها صاحب السمو حاكم الشارقة بتكريم د.يمنى العيد بدرع شخصية العام الثقافية لهذه الدورة.

وكرّم صاحب السمو حاكم الشارقة الفائزين بجوائز معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث نال جائزة الشارقة لأفضل كتاب إماراتي "في مجال الرواية" الكاتب الإماراتي عبد الله النعيمي عن كتابه "شقة زبيدة".

وفي مجال الدراسات، نال الجائزة كلّ من المؤلفين عبدالله سليم عمارة من فلسطين، ولطيفة علي عبيد من الإمارات، وعفراء راشد البسطي من الإمارات عن كتاب "الموجز في تاريخ الإمارات العربية المتحدة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى 1971 الحضاري والسياسي"، وفي مجال النصوص المسرحية الكاتب الإماراتي صالح كرامة العامري عن مؤلفه "مسرحية خذ الأرض".

وذهبت جائزة أفضل كتاب إماراتي "مطبوع عن الإمارات" للكاتب السوري عزت عمر عن مؤلفه "أثر الحداثة وما بعدها في النص السردي الإماراتي"، و"جائزة أفضل كتاب عربي في مجال الرواية" للكاتب مقبول موسى العلوي من المملكة العربية السعودية عن روايته "طيف الحلاج"، فيما حصد "جائزة أفضل كتاب أجنبي واقعي" الكاتبة الأمريكية إيمي س. إدموندسن، عن كتابها "تنظيم بلا خوف" وتسلمها نيابة عنها عامر تشيتوا مدير المبيعات لدار النشر ويلي، أما جائزة "أفضل كتاب أجنبي خيالي" الكاتبة النيجيرية شيلوشي اونيميلوكوي أونوبيا عن كتابها "ابن المنزل".

كما كرم صاحب السمو حاكم الشارقة، الفائزين بجوائز دور النشر، حيث حصد جائزة أفضل دار نشر محلية للعام 2019 "دار الهدهد للنشر والتوزيع"، وفاز بجائزة أفضل دار نشر عربية 2019 "مؤسسة دار المعارف" المصرية، أما جائزة أفضل دار نشر أجنبية للعام 2019 فازت بها دار النشرAdeva Graz النمساوية.

وجاءت جائزة ترجمان، من نصيب كل من دار النشر الإيطالية من روما "Edizione e/o"، عن ترجمتها لرواية "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان الصادرة باللغة الإيطالية، وفازت "دار الساقي" من بيروت بجائزة الدار العربية صاحبة حقوق نشر الطبعة العربية الأولى للرواية نفسها.

وقال رئيس هيئة الشارقة للكتاب أحمد بن ركاض العامري، في كلمته خلال افتتاح المعرض "يذكر التاريخ أن العرب إذا أرادت العناية بشيء قدمته".. ونحن في إمارة الشارقة، قدمنا المعرفة والكتاب على العمارة والصناعة، فكان أن نجحنا فيها جميعاً، قدمنا العلم على المشاريع، فجاءت التنمية مستندة إلى المعرفة والوعي بحاجات المجتمع".

وأضاف "في قراءتنا لتجربة العقود الأربعة الماضية نلمس أن هذا النجاح لمشروعنا الثقافي بتجلياته الواضحة أمامكم اليوم، جاء نتيجةً لعدة عوامل، أولها أنه ثمرة التزامنا بإرثنا وتراثنا الإماراتي الذي عملنا على بلورته مشاريع وبرامج وسياسات ليصبح صفةً ملازمة لدولة الإمارات في ساحة الثقافة العالمية، أما العامل الثاني فهو البعد العربي لمشروعنا الثقافي، حرص سموه على إحياء حركة الشعر والمسرح والرواية في المدن والعواصم العربية، احتضان الشارقة لأحلام وطموحات المثقفين العرب، فكل مشروع ناجح يحتاج إلى حاضنة، وهذه هي حاضنتنا الإقليمية".

وتابع "أما الحاضنة المحلية فهي العامل الثالث، نحن في الشارقة لا نفكر منفصلين، بل نفكر كمجتمع واحد بكل مكوناته أفراداً ومؤسسات، نسير بتناغم نحو هدف واحد وهي مجتمع متقدم في إنسانيته ومواقفه وإنجازاته، أما العامل الرابع فهو أن الثقافة في الشارقة ليست نبتاً غريباً في حديقة منجزاتنا، بل مكوناً أصيلاً فيها، يلتحم بالمجتمع والاقتصاد وبالعلاقات الداخلية والخارجية، إنها نسيج كياننا وشرايين قوتنا، ولا يمكن تصور الشارقة اليوم بدون ثقافة، أو ذكر الثقافة إلا إذا ذكرت الشارقة".

أما خوان لويس أرزوز رئيس الاتحاد الوطني للناشرين في المكسيك، ثمن في كلمة اختيار المكسيك ضيف شرف للدورة 38، وما يعكسه هذا الاختيار من تنوع ثقافي ومعرفي تتمتع به المكسيك، مشيراً إلى أن صناعة النشر في المكسيك هي صناعة أساسية، وهي من الخيارات التي تعزز الهوية الوطنية وقيم المجتمع المكسيكي.

وقدم رئيس الاتحاد الوطني للناشرين في المكسيك شكره لدولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة الشارقة على جهودها الكبيرة في ترويجها للثقافة وبناء جسور الثقافية والتواصل الحضاري والإنساني بين الأمم والشعوب.

الكاتبة والناقدة د.يمنى العيد، عبرت في كلمة بمناسبة تكريمها شخصية العام الثقافية، عن اعتزازها الكبير بهذا التكريم، معتبرةً أن هذا التكريم هو للثقافة بشكل عام وللكاتبة الأنثى بشكل خاص، تقديراً لدور الكاتبة في إثراء الثقافة العربية والإنسانية.

ولفتت العيد إلى الذكريات التي تجمعها بإمارة الشارقة، ذكريات عنوانها الاحتفاء بالثقافة والمثقفين، وبالكتاب والكاتب والكاتبة دون تفرقة تقام على حدود الهوية والفكر والانتماء ودون تمييز بين الكاتب والكاتبة.

ودعت العيد، المؤسسات الثقافية العربية إلى الاهتمام بالكتاب الورقي وتعزيز نشره من خلال إقامة معارض الكتاب الدولي لما له من أهمية في ترسيخ ثقافة القراءة بين النشء وزيادة الوعي المعرفي بين أفراد المجتمع.

وتخلل حفل الافتتاح عرض فيلم يسلط الضوء على جهود إمارة الشارقة في دعم المسيرة الثقافية في ظل الرؤية الحكيمة لصاحب السمو حاكم الشارقة التي جعل من الإمارة منارة للعلم والثقافة وأهلها لتتوج عاصمة عالمية للكتاب عام 2019.

وحضر حفل الافتتاح كل من الشيخ نهيان بن مبارك ال نهيان وزير التسامح، والشيخ خالد بن عبدالله القاسمي رئيس دائرة الموانئ البحرية والجمارك، والشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة للإعلام، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي نائب رئيس الاتحاد الدولي للناشرين المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة كلمات، والشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، والشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي رئيس مكتب سمو الحاكم، والشيخ فاهم بن سلطان القاسمي رئيس دائرة العلاقات الحكومية.

كما حضر الافتتاح، الشيخ محمد بن حميد القاسمي رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية، والشيخ فيصل بن سعود القاسمي مدير هيئة مطار الشارقة الدولي، والشيخة نوار بنت أحمد القاسمي مدير مؤسسة الشارقة للفنون، وعبدالرحمن بن محمد العويس وزير الصحة ووقاية المجتمع، ونورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، وعبدالله بن محمد بلحيف النعيمي وزير تطوير البنية التحتية، زحسين بن إبراهيم الحمادي وزير التربية والتعليم، وثاني بن أحمد الزيودي وزير التغير المناخي والبيئة، وحصة بنت عيسى بو حميد وزيرة تنمية المجتمع، وهوغو سيتزر رئيس الاتحاد الدولي للناشرين وعدد من كبار المسؤولين وممثلي المنظمات الثقافية الدولية، وحشد من الأدباء والمثقفين.