(بوابة العين الإخبارية): التاريخ والجغرافيا يضعان بلداناً عربية وأفريقية أمام تحديات جسيمة تكمن بالأساس في تأمين شرايين الاقتصاد الدولي، عبر اتفاقات ومواثيق تصنع طوقا بوجه العابثين بالأمن البحري لمنطقة الشرق الأوسط والعالم من بعده.

تحديات متعددة الأبعاد تفرض تكتلاً جسده إعلان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، الإثنين، توقيع ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

هذا الكيان سيتخذ من العاصمة السعودية مقراً له، ويأتي توقيع ميثاق تأسيسه في واحدة من أصعب الفترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، في ظل تصعيد إيراني عقب مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة أمريكية، ما يطرح سيناريوهات عديدة تحمل في مجملها احتمالات ردود إيرانية انتقامية.

ويتوّج التوقيع اجتماعات استضافتها الرياض بين وزراء خارجية الدول المشاطئة للبحر الأحمر، لتعزيز الجهود الرامية لتحقيق المصلحة الأمنية والسياسية والاستثمارية وتأمين الملاحة.

ويضم كيان الدول المشاطئة للبحر الأحمر كلا من السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن.

ميزات وخصائص جيوسياسية كثيرة جعلت البحر الأحمر من أهم نقاط التحكم الاستراتيجي، باعتباره المجرى المائي الأبرز لتدفق النفط والتجارة إلى أوروبا ومنها، ومجال تدفق القوة العسكرية بين كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والمحيط الأطلسي، والمحيط الهندي والمحيط الهادئ.

أهمية محورية تجعله بمرمى القوى التوسعية، وعلى رأسها إيران وتركيا، ما يضع الدول العربية بوصفها صاحبة السواحل الأطول شرق البحر الأحمر وغربه أمام تحدي وحتمية وضع رؤية مشتركة، تضبط التحديات الأمنية المهددة لأمنها القومي، للحفاظ على حقها التاريخي والجغرافي في الإشراف على الأمن البحري، وتوقيع ميثاق الرياض، يعد الخطوة الأولى بهذا الاتجاه.

تاريخيا، عرف البحر الأحمر باسم بحر "القلزم"، ويشكل بوابة مرور استراتيجية تؤمن العبور من البحر المتوسط نحو المحيطات المفتوحة، ما أهله لأن يكون، عبر السنين، رأس مال مشترك للدول المطلة عليه.

يبلغ طوله من الجنوب إلى الشمال حوالي 1900 كيلومتر، بمساحة تناهز 450 ألف كيلومتر مربع، فيما تميل تضاريسه للانحناء نحو الغرب، ويضم عددا كبيرا من الجزر ذات الأهمية الأمنية والعسكرية البالغة، في مقدمتها جزيرتا شدوان والأخوين، وجزيرة بريم في فم مضيق باب المندب، والرابطة بين البحر الأحمر وبحر العرب، إضافة إلى جزيرة دميرة المطلة على باب المندب قرب مثلث الحدود بين إريتريا وجيبوتي وإثيوبيا.

أجندة خبيثة تسعى إيران لتنفيذها من خلال محاولة اختراق أمن البحر الأحمر، بهدف خنق مصالح البلدان العربية.

مساعٍ تتخذ حجر زاويتها استكمال الدوائر المفرغة ما يسمى "الهلال الشيعي" في الشمال، عبر تمدد طهران جنوبي هذا الهلال أي على حساب منطقة القرن الأفريقي ومضيق باب المندب بشكل خاص، بما يمهد لها الالتفاف على العمق الجيوسياسي العربي.

التفاف تسعى لتجسيده عبر أذرعها سواء مليشيا الحوثي في اليمن، أو تحريك مجموعات مسلحة ببلدان القرن الأفريقي.

يشكل امتدادا طبيعيا للبحر الأحمر، ويعد من أدوات التحكم في الأخير عبر مضيق باب المندب، وهمزة وصل مع المحيط الهندي باتجاه رأس الرجاء الصالح في جنوب قارة أفريقيا، وهذا ما يفسر أطماع إيران المتنامية فيه.

فطهران الطامحة إلى تجاوز بوابة مضيق هرمز وبحر العرب، ترنو إلى وضع يدها على أهم الممرات البحرية الدولية، وهذا ما يفسره، إعلان رئيس أركان جيشها حبيب الله سياري، في أغسطس الماضي، إرسال بلاده مدمرة وسفينة دعم تحمل مروحيات إلى خليج عدن، بدعوى "توفير الأمن لسفن إيران التجارية في المياه الدولية"، رغم أنها في الواقع هي من تتبنى استراتيجية استهداف الملاحة الدولية.

في المقابل، ساهم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن في إجهاض جزء من المخطط الإيراني قبل تحوله لكارثة تهدد المنطقة والعالم بأسره، وشكلت "عاصفة الحزم" طوق نجاة لليمنيين والمنطقة والملاحة البحرية الدولية، وشل حركة البحرية الإيرانية الموجودة قرب خليج عدن وأخرجها من أي تواجد عسكري فاعل ومباشر.