دبي - (العربية نت): تشهد ساحات القضاء البريطاني وأروقته التفاصيل الختامية لواحدة من أكثر قضايا الفساد جدلا في العشر سنوات الأخيرة، وهي قضية فساد بنك باركليز والتي ألقت بظلالها على دولة قطر ووضعت اسم رئيس وزرائها السابق حمد بن جاسم في قائمة الشبهات.

ويتهم مكتب مكافحة جرائم الاحتيالات الكبرى ثلاثة من مديري البنك التنفيذيين السابقين: روجر جنكنز، وريتشارد بوث، وتوم كالاريس، بارتكاب جريمة الكذب بشأن الرسوم التي دفعها البنك إلى قطر في يونيو وأكتوبر 2008. ويستند مكتب مكافحة جرائم الاحتيالات في دعواه القضائية الجنائية إلى أن المسؤولين الثلاثة قاموا بالتحايل والتآمر من أجل دفع مبلغ 322 مليون جنيه إسترليني إلى جهات وأفراد قطريين مقابل استثمارها في البنك عن طريق تلفيق وتزوير اتفاقيتين لـ "خدمات استشارية" وهمية. وينفي المتهمون الثلاثة ارتكابهم أي جرم.

المحاكمة التي صرف أعضاء هيئة محلفيها العام الماضي من دون إبداء أسباب، تم إعادة إجراءاتها أمام قاضٍ جديد وهيئة محلفين جدد في شهر أكتوبر الماضي، حيث استمعت المحكمة إلى العشرات من المكالمات الهاتفية المسجلة بين المتهمين، بالإضافة إلى المئات من الوثائق والأدلة التي قام مكتب مكافحة الاحتيالات الكبرى بجمعها على مدار ثلاث سنوات من التحقيقات التي بدأت عام 2014.

المحاكمة التي كان من المقرر لها أن تنتهي جلسات استماعها هذا الأسبوع بنهاية المرافعات الختامية لفريق الدفاع، تم تمديد جلساتها لأسبوع آخر بطلب من محامي ريتشارد بوث وتوم كالاريس، حيث يريدان مدة أكبر لإنهاء مرافعاتهما الختامية. خصوصا بعد أن طلبا من قاضي المحكمة صرف النظر عن مجموعة من الأدلة المتمثلة في بعض المكالمات المسجلة والرسائل الإلكترونية وعدم اعتبارها دليل إدانة في المحاكمة، إلا أن رد القاضي كان مخيبا لآمالهما، حيث رفض القاضي الطلب، بل حث هيئة المحلفين على النظر في هذه الأدلة تحديدا التي حاول فريق الدفاع صرفها واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من إجراءات المحاكمة، وطلب منهم وضعها في اعتبارهم خلال وقت المداولة لإصدار حكم.

المكالمات والرسائل الإلكترونية التي عرضتها هيئة التحقيق في المحكمة أشارت بشكل واضح إلى أن حمد بن جاسم كان على علم أن بنك باركليز يمر بأزمة مالية إبان الانهيار الاقتصادي عام 2008، وأن البنك سعى بشتى الطرق إلى تفادي التأميم الحكومي حتى لا تفقد إدارة البنك سيطرتها الإدارية على المؤسسة البنكية الضخمة، بالإضافة إلى تخوف أعضاء مجلس الإدارة من أن يفقدوا مناصبهم ووظائفهم المرموقة.

استغل حمد بن جاسم هذه الفرصة حينما لجأ إليه مسؤولو البنك من أجل أن تقوم هيئة استثمار قطر بضخ سيولة مالية كبيرة وزيادة رأسمال البنك، واشترط حمد بن جاسم الحصول على نسبة أعلى من التي يمنحها البنك لباقي المستثمرين من أجل إتمامها، بالإضافة إلى عمولات شخصية سرية تدفع له شخصياً كي يمنح الموافقة على تلك الصفقة.

وقام حمد بن جاسم بتأسيس وتسجيل شركة في جزر العذراء البريطانية تحت اسم "شالينجر"، وطلب أن يتم تحويل العمولات إلى حسابات هذه الشركة، والعمل على أن لا يقوم بنك باركليز بالإفصاح عن اسمه أو ترتيبات الصفقة في التقارير المالية السنوية التي يقدمها البنك إلى جمعيته العمومية وإلى هيئات الرقابة المالية البريطانية، وهو ما اعتبره مكتب مكافحة جرائم الاحتيالات الكبرى تحايلا وتزويرا في أوراق رسمية، وهي جريمة يواجه المتهمون فيها عقوبات تصل إلى السجن 10 سنوات على الأقل بالإضافة إلى غرامات مالية ضخمة.

وتبقى هذه القضية هي قضية الفساد المالي الأولى من نوعها والمرتبطة بأحداث الانهيار المالي عام 2008 والتي يتم نظرها أمام محكمة جنائية، حيث إن جميع القضايا من هذا النوع يتم في العادة التصالح عليها ماليا أمام المحاكم الاقتصادية وهيئات التحكيم الدولية، ولكن هذه المرة تنظر القضية أمام محكمة أولد بالي، وهي أشهر وأهم المحاكم الجنائية في بريطانيا وتنظر دائماً كبرى القضايا الإجرامية مثل الإرهاب والجاسوسية والقتل.