كشفت وثائق قضائية جديدة أن عملاء سابقين في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ويعملون حاليًا في قطر قاموا بعمليات اختراق لأحد الدبلوماسيين المقربين من جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، في إطار حملة طويلة من التجسس والابتزاز.
ويواجه عملاء CIA السابقون اتهامات بالقرصنة الإلكترونية غير القانونية من قبل إليوت برويدي، مسؤول سابق عن جمع تبرعات لصالح الحملة الانتخابية الرئاسية لدونالد ترمب، والذي يتهم قطر بدفع مبلغ 100 مليون دولار لشركة الاستشارات الخاصة العالمية غلوبال ريسك أدفايزرز GRA.
ووفقًا لما جاء في مذكرة الدعوى القضائية الفدرالية، قامت شركة GRA ومؤسسها عميل المخابرات والجاسوس السابق كيفين تشالكر بتكليف هاكرز من ذوي الخبرة السابقة في القوات الخاصة الأميركية وفروع جهاز الاستخبارات الأميركي بالعمل على تعزيز السياسة الخارجية لقطر وتضمنت المهام "اعتراض المعلومات الحساسة والخاصة للمواطنين الأميركيين''.
ويتهم برويدي قطر بدفع مبالغ طائلة إلى شركة GRA منذ سنوات لاختراق أو مراقبة أو إسكات كل من:
• دبلوماسي شرق أوسطي بارز ورد أنه "على اتصال مستمر" مع جاريد كوشنر وقريب من كبار المسؤولين الأميركيين الآخرين.
• مواطنون أميركيون كانوا ينتقدون ممارسات الدوحة علانية.
• مسؤولون تنفيذيون في الاتحاد الدولي لكرة القدم ومحققون كانوا يتولون التحقيق في اتهامات الرشاوى القطرية التي تم دفعها للفوز باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر؛
• ما لا يقل عن 1000 آخرين حول العالم.
وقام برويدى، نائب رئيس لجنة المالية الوطنية الأميركية عن الحزب الجمهوري والمؤيد البارز للرئيس دونالد ترمب، بمقاضاة تشالكر وشركته GRA في العام الماضي بتهمة اختراق رسائل البريد الإلكتروني وتسريبها إلى الصحافة في عام 2018، مؤكدًا أن تلك الفعلة تم اقترافها بسبب انتقاده لقطر.
علاقة بعارضة في مجلة إباحيةأثارت رسائل البريد الإلكتروني، التي أكد برويدي أنها ملفقة جزئيًا أو تم تحريف مقاطع منها لإخراجها من السياق، سلسلة من الموضوعات المحرجة حول حملة جمع التبرعات السابقة للحزب الجمهوري، وأدت إلى فتح تحقيق جنائي في تعاملاته مع الدول الأجنبية. كما تم في ذلك العام، إثارة فضيحة حول علاقة برويدي بإحدى العارضات في مجلة إباحية، اضطر إلى التفاوض على تسوية بقيمة 1.6 مليون دولار مع العارضة بواسطة مايكل كوهين، الذي كان يعمل آنذاك محاميًا لترمب، والذي أصبح حاليًا عدواً للرئيس الأميركي والذي تم الإفراج عنه قبل اكتمال مدة عقوبته بالسجن عقابًا على انتهاكات تمويل الحملة الانتخابية وجرائم أخرى.
وصرح محامي شركة GRA لـ"ديلي ميل" حول شكوى معدلة في قضية نيويورك الفدرالية ضد GRA، قائلًا: إن المزاعم كاذبة وأن برويدي سيئ السمعة. ونفت قطر من قبل القرصنة الإلكترونية.
ولكن يتضمن ملف الدعوى المقدم من برويدي والذي يتألف من 112 صفحة، وصف تشالكر وشركته GRA بأنهم مجرمون على استعداد لخرق القوانين وبيع المعلومات الخاصة بغض النظر عن الآثار المترتبة على المصالح الأميركية من أجل الحصول على ملايين الدولارات.
وتشير المذكرة القانونية المقدمة من محامي برويدي إلى شركة GRA تتألف من أفراد الأمن القومي والعسكريين السابقين المدربين في جميع مستويات الحرب السيبرانية. تأسست شركة GRA بقيادة تشالكر، وهو ضابط سابق بوكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA وخبير الحرب الإلكترونية، وتوظف بشكل خاص قراصنة متمرسين سبق لهم العمل لصالح المخابرات والمجتمعات العسكرية.
"اتجهت قطر إلى GRA لدعمها في القرصنة الإلكترونية والمراقبة والتجسس واستخدام المواد الناتجة عن هذه الممارسات في أغراض تشويه وإسكات أولئك الذين تعتبرهم قطر تهديدات محتملة".
قرصنة صديق كوشنروتقول أوراق الدعوى القضائية أن شركة GRA دفعت عشرات الملايين من الدولارات مقابل عمليات قرصنة إلكترونية جمعت في نهاية المطاف معلومات عن عدد من كبار المسؤولين الأميركيين.
وتوضح الوثائق المقدمة إلى المحكمة أن GRA تسللت إلى مراسلات وتنصتت على الاتصالات الخاصة بسفير دولة الإمارات العربية المتحدة إلى واشنطن والمعروف عنه صلاته وعلاقاته القوية بالولايات المتحدة وتم تسريبها إلى وسائل الإعلام في عام 2017.
كما تشير الدعوى القضائية إلى مقالة تم نشرها في Huffington Post عام 2017، والتي قالت إن سفير الإمارات يوسف العتيبة كان "على اتصال دائم عبر الهاتف والبريد الإلكتروني'' مع صهر ترمب ومستشاره جاريد كوشنر. وكانت لـPolitico السبق في التطرق بالتفصيل إلى تلك الاتصالات لأول مرة.
كما كشفت رسائل البريد الإلكتروني المسربة عن اتصالات عتيبة مع توم باراك أحد أصدقاء ترمب المقربين والرئيس السابق للجنته الافتتاحية.
وبحسب أوراق قضية برويدي الفدرالية، كان الهدف وراء اختراق حسابات الدبلوماسي الإماراتي، هو تشويه سمعة العتيبة وترهيب وإسكات كبار المسؤولين الأميركيين الذين انتقدوا قطر.
وتقول أوراق الدعوى القضائية: "لأنه كان على تواصل مع غالبية الدبلوماسيين الأجانب الأكثر ارتباطًا سياسيًا والمقيمين في الولايات المتحدة، اعترض القراصنة والجواسيس مراسلات واتصالات السفير بهدف الوصول إلى معلومات حساسة وخاصة لمواطنين أميركيين، من بينهم كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية".
وأضافت الوثائق أن قرصنة حسابات السفير العتيبة جاء أيضا في إطار "محاولة لتحسين صورة قطر في الولايات المتحدة من خلال تشويه سمعته، بالإضافة إلى ترهيب (وإسكات) المسؤولين الحكوميين الأميركيين وكلا من النقاد والنقاد المحتملين لقطر".
ومن بين الأمثلة على التأثير المرعب لعمليات القرصنة الإلكترونية التي تم شنها لصالح قطر كان أحد مراكز الأبحاث في العاصمة الأميركية وهو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات FDD، التي كانت تنتقد قطر سابقًا، والتي تشير الدعوى القضائية إلى أن مديرها التنفيذي مارك دوبويتز أخبر برويدي أن مؤسسة FDD لن تنتقد قطر علنًا لأنها تخشى الانتقام القطري المحتمل بعد أن نما إلى علمها أنه تم التجسس على رسائل البريد الإلكتروني المتبادلة بينهم وبين السفير العتيبة.
ووصف متحدث باسم مركز أبحاث FDD تلك المقولات بأنها خيالية، مستشهدًا بأن مركز الأبحاث "لم يتراجع قط عن انتقاد الأنشطة الخبيثة في قطر، كما هو موضح في دراساته التحليلية العامة العديدة".
وتتضمن وثائق الدعوى الفدرالية اتهامات مفاداها أن "العقل المدبر"، لجريمة قرصنة حسابات السفير العتيبة، تحديدًا هو أحد موظفي شركة تشالكر وعميل CIA السابق دينيس مانديتش، وقام بالجريمة بمساعدة من أنطونيو غارسيا، كبير ضباط الأمن في شركة GRA وموظف سابق في الشركة يدعى جون سابين، الذي سبق أن وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "مخترق سابق بوكالة الأمن القومي [الأميركية]".
وورد بأوراق الدعوى أيضا أن تشالكر بدأ في دفع الأتعاب ومبالغ سرًا لمانديش في عام 2016، أي قبل ستة أشهر على الأقل من تقاعد مانديتش من وظيفته بـCIA في عام 2017.
وتضيف عريضة الدعوى القضائية المعدلة أن شركة GRA توصلت في أغسطس 2017 تقريبًا إلى اتفاق بشأن الأمن السيبراني وترتيب عمليات التجسس والمراقبة "مع الحكومة القطرية" التي دعت GRA للعمل مباشرة مع القوات الخاصة القطرية ووكالات جمع المعلومات الاستخبارية في الدوحة، بما يشمل عمليات الأمن السيبراني والمراقبة والرقابة المضادة.
التجسس على الأميركيينوتقول الوثائق القانونية إن قطر دفعت لشركة GRA لاستهداف أكثر من 1000 شخص بهجمات قرصنة إلكترونية غير قانونية. وشملت الأهداف المزعومة مواطنين أميركيين، مثل كاتب العمود السياسي والناشط المناهض لقطر الحاخام شمولي بوتيتش، بالإضافة إلى كبار المسؤولين الحكوميين في دول مجاورة لقطر.
ومن بين المواطنين الأميركيين الآخرين الذين تم استهدافهم يأتي جيمس لاموند، مدير المشروع في Center for American Progress، وهو مركز أبحاث ديمقراطي رائد، بالإضافة إلى كريستين وود، مستشارة في Culpeper National Security Solutions، وهي شركة استشارية أمنية ويُزعم أنها كانت موظفة سابقة في CIA؛ وريك ستيرلنغ، صحافي استقصائي ومدافع صريح عن نظام الأسد في سوريا؛ وطبيبة في بالتيمور تدعى دينا درويش، تتبنى حملة تدعو الولايات المتحدة إلى عدم دعم "الأوتوقراطيين العرب"، علاوة على مواطنين أميركيين نشطين سياسيًا وتعتبرهم قطر تهديدًا محتملًا لمصالحها.
وكان يتم تسليم البيانات، التي يقوم بجمعها هاكرز تابعين لشركة GRA، والتي تضمنت "معلومات شخصية للغاية عن المواطنين الأميركيين"، في شكل تقارير إلى مسؤول حكومي قطري كبير كل شهرين إلى ثلاثة أشهر.
وبحسب الوثائق المقدمة إلى المحكمة تم تسمية عمليات القرصنة الإلكتروية غير القانونية "مشاريع خاصة"، وتم إصدار فاتورة بها بشكل منفصل إلى شركات أجنبية، من بينها شركتان من شركات تشالكر في جبل طارق، وهما Bernoulli Limited وToccum Limited.
في ديسمبر 2017، بعد اختراق حسابات السفير العتيبة ولكن قبل قرصنة حسابات برويدي، حصلت الشركتان على أكثر من 40 مليون دولار نقدًا، فيما عمل العديد من قراصنة شركة GRA من مكتب الشركة في نورث فيرجينيا، تحت قيادة "مسؤول سابق في CIA لديه خبرات في مجال أمن المعلومات" وكان يطلق داخل الشركة على أعضاء فريق القراصنة اسم "مجموعة ريستون"، نسبة إلى اسم بلدة في نورث فيرجينيا بالقرب من مقر CIA.
ضمت "مجموعة ريستون" مهندس برمجيات سابقا في الجيش الأميركي، وعضوا سابقا في فرق العمليات الخاصة بالجيش الأميركي، وغيرهم ممن يتمتعون بخبرات عمل سابقة في الحروب والحملات السيبرانية.
وتوضح أوراق القضية أن كبير ضباط الأمن في شركة GRA أنطونيو غارسيا، قام بتدمير كافة الأدلة والمستندات المادية المتعلقة بعمليات القرصنة الإلكترونية في مقر نورث فيرجينيا ونيويورك، بعد قيام برويدي برفع أول دعوى قضائية ضد المخترقين لحساباته الشخصية في عام 2018. ونفى محامي شركة GRA جميع ادعاءات برويدي بارتكاب الشركة ومنسوبيها لأي مخالفات.
قرصنة لاستضافة كأس العالموتضمنت دعوى برويدي القضائية اتهامات أخرى ضد قطر، التي قامت بالتعاقد للمرة الأولى مع تشالكر، بعد تقاعده من CIA في عام 2008، للمساعدة في إدارة حملة دعائية ضخمة وقرصنة للتغلب على أميركا في المنافسة على استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022.
منذ فوزها بحقوق استضافة المونديال، واجهت قطر اتهامات بالفساد ودفع الرشاوي، من بينها ما ورد في ملف قانوني، قدمته وزارة العدل الأميركية في أبريل، والذي اتهم قطر برشوة مسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA للفوز باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم.
بعد أن أطلق FIFA تحقيقًا في عام 2012 بشأن الرشاوي المزعومة لإنجاح ملف استضافة قطر لكأس العالم، قامت شركة GRA بإقناع مسؤولين قطريين بتمويل عملية قرصنة إلكترونية ومراقبة تستهدف أعضاء لجنة FIFA التنفيذية والأطراف ذات الصلة، بحجة ضرورة الحصول على "استخبارات تنبئية" و"إدراك كامل للمعلومات".
وكان الغرض الحقيقي، وفقًا لما جاء في وثائق القضية الفدرالية، هو التجسس على مناقشات المحققين و"الحصول على معلومات للابتزاز (أو لتحديد نوع الابتزاز)، التي يمكن استخدامها لإسكات الأفراد المستهدفين".
وقاد التحقيقات بشأن رشاوي قطر لمسؤولي الفيفا في عام 2012 مايكل غارسيا، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة الأمن الداخلي الأميركية، ويعمل حاليًا قاضيًا بمحكمة الاستئناف في نيويورك.
وادعت الوثائق القانونية أن هجوم شركة GRA السيبراني استهدف "العديد من المديرين التنفيذيين والمحققين"، بمن فيهم أمين عام FIFA السابق جيروم فالكيه.
وتضمنت المعلومات الواردة في أوراق القضية أن شركة GRA طلبت مقابل حملات القرصنة الإلكترونية مبالغ تجاوزت "500 مليون دولار"، بيد أن مجموع المبالغ المدفوعة من قطر إلى الشركة أكثر من 100 مليون دولار.
امتناع قطري عن الردوامتنعت قطر، التي نجت في الدعوى القضائية السابقة بالحصانة الدبلوماسية، عن الرد على طلب "ديلي ميل" بالرد والتعقيب. لكن كان المحلق الإعلامي القطري جاسم آل ثاني قد أصدر بيانًا في عام 2018، وصف فيه مزاعم برويدي بأنها "ملفقة تمامًا ولا أساس لها من الصحة، وأنه [برويدي] يحاول تصوير قطر على أنها المعتدي، في حين أنه يعرف جيدًا أن قطر لا تعمل بهذه الطريقة". وقال جاسم آل ثاني إن الحقائق تظهر أن برويدي هو الذي تآمر سرًا ضد قطر، وليس العكس.