كشفت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، مؤخرا، أن عدد الوفيات المسجلة وسط العمال النيباليين في قطر، وصل إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أعوام، بينما تواصل الدولة الخليجية الصغيرة استعدادها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في 2022.
وبحسب أرقام حديثة كشفت عنها "سبورت ميل"، فإن 67 عاملا نيباليا فارقوا الحياة في قطر بين 16 يوليو و15 نوفمبر، في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
وفي حال سارت الأمور بهذه الوتيرة، فإن عدد الوفيات وسط العمال النيباليين في قطر سيصل إلى نحو 160 في منتصف يوليو 2021، بحسب "ديلي ميل".
والعمال القادمون من نيبال هم ثاني أكبر جالية في قطر، التي طولبت طيلة سنوات، بأن تتحرك لأجل تحسين ظروف وإيواء العمالة الأجنبية، لاسيما بعد مصرع عدد كبير من العمال.
وفي العام الجاري، ما زاد الطين بلة، بحسب خبراء، أنه إلى جانب ظروف العمل السيئة، برزت المخاوف من تفشي كورونا داخل المساكن العمالية التي لا تراعي التباعد الاجتماعي المطلوب في زمن الجائحة.
وفي وقت سابق، كشف مجلس تعزيز العمالة الأجنبية النيبالي الذي يعرف اختصارا بـ" FEPB"، أن عدد الوفيات وسط عمال البلد الآسيوي في قطر وصل إلى 104 بين 15 يوليو 2019 و15 يوليو 2020.
وفي الفترة نفسها من (2018-2019) ثم (2017-2018)، تم تسجيل 96 وفاة في كل عام على حدة، علما بأن هذه الأرقام لم تشمل من لقوا مصرعهم من جراء حوادث سير.
ويقول مدير منظمة "فير سكوير" لحقوق الإنسان، نيك ميكيغان، إن هذا الارتفاع في وفيات العمال "لا عذر له"، مؤكدا أن قطر لها سجل فظيع في وفيات العمال، لأنها ترفض اتخاذ خطوات من أجل حمايتهم.
قطر تنكث "إصلاحاتها"
وأضاف الناشط الحقوقي أن فشل قطر في التحرك إزاء هذه الوفيات، يطرح تساؤلات بشأن ما زعمته من إصلاحات في مجال العمل، قائلا إنه "حتى وإن كان يبدو الأمر جيدا على الورق، لم نتمكن حتى الآن من رؤيته بشكل ملموس".
وأشار المتحدث إلى أن معاناة عمال نيبال في قطر لا تقتصر على مواقع كأس العالم، بل تشمل مجالات أخرى لا تخلو بدورها من الانتهاكات المقلقة.
ويوجد في قطر مئات الآلاف من العمال النيباليين الذين يكدون مقابل رواتب هزيلة، بينما تغيب ظروف العمل التي تحميهم من المخاطر، بحسب ناشطين حقوقيين.
وخلال العام الجاري، اضطرت عشرات العائلات في نيبال إلى الانتظار لعدة أشهر حتى تتلقى جثامين أبنائها في مطار العاصمة كاثماندو، بعدما أدت الجائحة إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية، فلم يجر نقل الضحايا مباشرة بعد الوفاة.
وذكر المتحدث باسم مجلس تعزيز العمالة الأجنبية لنيبال، دين باندو سوبودي، إن 24 عائلة اضطرت إلى الموافقة على حرق جثامين أبنائها في قطر، من جراء عدم القدرة على نقلهم إلى نيبال.
الكابوس القطري
ومن بين الحالات المأساوية، روبشاندرا رومبا، وهو عامل بناء كان يعمل في ملعب يجري تحضيره لكأس العالم 2022، وحالته لا تختلف عن حالات أخرى كثيرة مشابهة.
واضطر الشاب البالغ من العمر 24 عاما، إلى أخذ قرض حتى يسافر إلى قطر، أملا في أن يسدد ديونه ويضمن تعليما وحياة كريمة لابنه نيجاري (8 سنوات).
لكن الرياح جرت بما لم يشته المهاجر النيبالي، فتوفي من جراء نوبة قلبية بعد شهرين فقط من وصوله إلى قطر، في وفاة وصفت بـ"غير المفهومة".
وتحدث التقرير الطبي الذي صدر في قطر عن أسباب طبيعية للأزمة القلبية التي نجمت عن فشل في عملية التنفس، لكن شكوكا كثيرة تحوم حول هذه الرواية الرسمية.
وتقول نيرمالا بكرين، 27 عاما، إنها تلقت اتصالا من الشركة الموجودة في قطر من أجل إخبارها بوفاة الزوج، دون أن يكون ثمة أي تحقيق بشأن ما حصل.
وقالت في تصريح لـ"سبورت ميل": "اتصل بي ممثلو الشركة ليخبرونني بوفاته، ولم يتحدثوا إلي نهائيا بعد ذلك.. من المؤلم جدا ألا نعرف سوى القليل عن وفاته".
وأضافت أنه من المرجح ألا يجري الكشف أبدا عن تفاصيل العامل الشاب الذي سافر إلى قطر وهو مفعم بالأمل، ثم فارق الحياة بشكل مفاجئ، وقيل إن وفاته ناجمة عن أسباب عضوية طبيعية.
أما الأكثر فظاعة في هذه المأساة، بحسب الناشط الحقوقي ميكيغان، فهو أن العائلة التي خسرت ابنها لم تتلق سوى نحو 1700 دولار من بلد ذي موارد مالية مهمة ويستعد لإقامة حدث رياضي ضخم.
ولا تشكل هذه الوفاة حالة معزولة في قطر، بحسب الناشط الحقوقي، لأن وفيات العمال التي تحوم الشكوك حول أسبابها تقدر بالآلاف، بينما تحجم السلطات القطرية عن فتح تحقيقات جدية للكشف عن أوجه التقصير.
أما العائلات النيبالية التي أرسلت أبناءها إلى قطر، بعدما تدبرت مبالغ كبيرة بالنسبة إليها وهي تراهن على تحسين الوضع المعيشي، فلا يتبقى لها سوى الحزن والألم، إزاء هذا "الرحيل الغامض"، إضافة إلى تعويضات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا هي تردُ فلذات الأكباد الضائعة في زحمة الاستعداد للمونديال.