مع قرب تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022، تطفو على سطح الأحداث تطورات وقضايا عديدة تشكل إحراجًا للشعب القطري في محيطه العربي والإسلامي والدولي ليس فقط بسبب شبهات الفساد المالي وانتهاكات حقوق العمالة الأجنبية المشاركة في تشييد ملاعب المونديال، وإنما لما تقدمه سلطات الدوحة من تنازلات وتناقضات مخزية مثَّلت استخفافًا بمشاعر الشعب القطري العربي المسلم، وخروجًا على القوانين المحلية والأعراف المعلنة، وانتهاكًا للقيم الأخلاقية والثوابت الدينية كافة.

فبعد إعلان الحكومة القطرية التزامها رسميًا بالسماح للشواذ والمثليين جنسيًا بممارسة طقوسهم بدون تمييز في مونديال الدوحة 2022، جاء احتفال السفارة الأمريكية لدى الدوحة بما يسمى يوم المثليين العالمي، وإضاءة مبنى السفارة في الدوحة بألوان علم "القوس قزح" ليشكل صدمة جديدة في نفوس المواطنين والمقيمين في دولة قطر والمنطقة الخليجية والعربية على اختلاف انتماءاتهم الدينية، لاسيما مع إجماع الأديان السماوية كافة على تجريم المثلية الجنسية، باعتبارها من أكبر الكبائر المحرمة والفواحش المنافية للقيم والأخلاق السوية والمخالفة للفطرة الإنسانية السليمة.

وجاء تصرف السفارة الأمريكية، في أعقاب إعلان مسؤولين قطريين في العديد من الصحف ووكالات الأنباء العالمية ترحيب بلادهم بجماهير المونديال على اختلاف ميولهم الجنسية، وتأكيد الرئيس التنفيذي للبطولة ناصر الخاطر في تصريح لشبكة "سي إن إن" الأميركية "أود أن أؤكد لأي مشجع، من أي جنس، وميول (جنسية)، ودين، وعرق أن يطمئن إلى أن قطر هي واحدة من أكثر البلدان أمانًا في العالم، وسيكونون جميعًا موضع ترحيب هنا"، وأنه "لا خوف على المثليين"، وغيرها من التصريحات والمواقف الرسمية التي أثارت استياء الشعب القطري المحافظ، حيث نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في أغسطس 2021 خبرًا عن إلغاء حفلة كانت مقررة لفرقة "مشروع ليلى" اللبنانية في حرم جامعة نورث وسترن بالدوحة، بعد ردود أفعال غاضبة على الإنترنت ضد مغني الفرقة الرئيسي المثلي جنسيًا.

وستكون قطر أول بلد عربي مسلم يعترف بحقوق المثليين جنسيًا، حيث أعلن جويس كوك رئيس لجنة المسؤولية الاجتماعية التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم في تصريح نشرته يورونيوز في ديسمبر 2020 أنه سيتم السماح بالتلويح ورفع رايات قوس القزح، التي تمثل المجتمع المثلي في الملاعب المضيفة للمباريات، موضحًا أن قادة اللجنة التنظيمية لمونديال قطر أكدوا له بأنهم لن يتم انتزاع تلك الرايات من حامليها لأن الفيفا لن ولا يتسامح مع أي نوع من التمييز. ونشرت شبكة "أيه بي سي نيوز" التلفزيونية الأمريكية في يوليو 2018 تقريرًا أظهرت فيه تدخل أجهزة الأمن والإعلام القطرية في ثماني تقارير لصحيفة نيويورك تايمز وشطبت منها، في النسخة المقروءة بالدوحة، الإشارة للمثلية الجنسية باعتبارها جزءًا مفترضًا من ترتيبات المونديال.

ونقلت ”ذي هيل“ عن الناطق باسم الحكومة القطرية قوله في بيان للشبكة الأمريكية: "إن تحقيقًا سيتم بالموضوع"، مؤكدًا الموافقة رسميًا على استضافة الشواذ بدون تمييز عن بقية الرياضيين والمشجعين، بدعوى أن ”الحكومة القطرية تريد أن يكون مونديال 2022 فرصة ثمينة لتجسير الفوارق الثقافية في العالم، وتتطلع إلى استضافة وخدمة الجميع بدون تمييز بين الأعراق واللغات والأديان والثقافات"، في التزام وتعهد قطري رسمي بعدم منع المثليين من ممارسة الشذوذ علنًا، كما في الدورات السابقة وآخرها في موسكو، إذ كان المثليون يتجمعون وسط العاصمة ويرفعون أعلامهم الخاصة (بشعار قوس قزح) ويمارسون طقوسهم بموافقة رسمية.

وبحسب متعهد خدمات مونديال 2022 جايمي بايروم ستكون المشروبات الكحولية متاحة أيضًا لمشجعي كرة القدم الحاضرين في الملاعب القطرية، حيث تم السماح للجماهير بتناول المشروبات الكحولية في موقع على مشارف الدوحة، مع تصريح ناصر الخاطر بأن قطر تدرس خيار اعتماد "أماكن مخصصة" خلال البطولة، كما تفكر في خفض أسعار المشروبات الكحولية، قائلاً في رده على سؤال عن احتمال تسبب مشجعين ثملين باضطرابات أنه "طالما كان المشجعون سعداء. لا مشكلة لدينا".

وفي دلالة جديدة على ازدواجية المعايير لدى قطر وأجهزتها الإعلامية، شاركت منصة الجزيرة بلس الفرنسية ( AJ+ ) التابعة لمحطة الجزيرة القطرية في الاحتفال بما يسمى اليوم العالمي للخروج للنور أو تشجيع المثليين للكشف عن ميولهم في 11 أكتوبر 2020، وعرضت تعريفًا بالمفاهيم الشاذة المرتبطة بالمثليين وتاريخ ظهورها وأصلها اللغوي، وغيرها من التوجهات الغريبة عن الثقافة والأخلاقيات العربية والإسلامية، في مقابل استضافة الجزيرة في نسختها الموجهة للجماهير العربية لقادة ورموز التنظيمات المتطرفة، ورفعها شعارات حول القيم والمثل العليا.

وعلى النقيض من ذلك كله، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) رفضها في يونيو 2021 رفع رايات "المثلية الجنسية" على منشآتها وقواعدها العسكرية، وقبل أسبوع فقط ألغى مجلس الشيوخ الإيطالي مشروع قانون دعم المثلية الجنسية، وسط تصفيق حار من أغلبية أعضاء المجلس واحتفالهم بإلغاء مشروع قانون كان من شأنه تجريم خطاب الكراهية ضد مجتمع المثليين، وإلحاق الضرر بقيم الأسرة الكاثوليكية الرومانية التقليدية في إيطاليا، وفي المجال الرياضي، حظر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم المنظم الرسمي لبطولة (يورو 2020) الإعلان باستخدام ألوان (قوس قزح) في المباريات احترامًا للقوانين المحلية في المجر وروسيا وأذربيجان التي تفرض قيودًا على المثلية الجنسية، وكأنها رسائل من الدول الغربية التقدمية في توقيتها إلى حكومة قطر بأن "الغاية لا تبرر الوسيلة"، وأن الثوابت الدينية والقيم الأخلاقية والإنسانية السوية لا تخضع للضغوط ولا تقبل المساومات والتنازلات!