في خطوة غير مسبوقة، عيّن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، القاضية السابقة ليلى عسلاوي رئيسة للمحكمة الدستورية، لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب الرفيع في تاريخ البلاد، خلفاً لعمر بلحاج الذي طلب إعفاءه لأسباب شخصية.

تعيين تاريخي بعد مسيرة سياسية وقضائية حافلة

جاء في بيان للرئاسة الجزائرية أن الرئيس تبون أصدر مرسوماً بتعيين عسلاوي، التي كانت تشغل منصب عضو في المحكمة، ثم رئيسة بالنيابة منذ استقالة بلحاج، ما يجعل تعيينها اليوم تتويجاً لمسيرة سياسية وقانونية طويلة.

عسلاوي التي بدأت مسيرتها قاضية، تولت عدة مناصب وزارية بارزة في تسعينيات القرن الماضي، أبرزها وزارة الشباب في عهد الرئيس الراحل محمد بوضياف عام 1992، ووزارة التضامن في حكومة رضا مالك، ثم كاتبة دولة للشؤون الخارجية. انسحبت لاحقاً من الحياة السياسية إلى أن أعاد تبون تعيينها في مجلس الأمة عام 2022، ثم عضوة في المحكمة الدستورية.

شخصية جدلية ومواقف حاسمة في فترات الأزمات

تعكس مسيرة عسلاوي مواقف سياسية واضحة وحاسمة، خاصة خلال الأزمة الأمنية في تسعينيات القرن الماضي. فقد ارتبط اسمها بتيار يوصف بأنه "استئصالي"، نظراً لمواقفها المناهضة للتيارات الإسلامية المحافظة، ودعمها لقرار الجيش وقف المسار الانتخابي عام 1992، في سابقة ما تزال تثير الجدل في الأوساط السياسية الجزائرية.

ويرى متابعون أن تعيينها اليوم قد يعيد طرح النقاش حول توجهات المحكمة الدستورية، التي تكتسب وزناً كبيراً في النظام الدستوري الجزائري.

المحكمة الدستورية.. مؤسسة جديدة بصلاحيات واسعة

المحكمة الدستورية الجزائرية تأسست بموجب التعديل الدستوري في نوفمبر 2020، لتحل محل المجلس الدستوري، وتعد ثالث أعلى سلطة في البلاد بعد رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الأمة.

تتمثل مهامها في المصادقة على ملفات الترشح للرئاسة ونتائج الانتخابات، بالإضافة إلى مراقبة مدى دستورية القوانين، واستقبال الإخطارات المتعلقة بتعديل الدستور. وتتكون المحكمة من 12 عضواً، يعين رئيس الجمهورية أربعة منهم، من بينهم الرئيس، بينما يُنتخب الباقون من قبل كليات الحقوق ومؤسسات قضائية.

استقالة بلحاج وتعيينه سفيراً في الكويت

وكان رئيس المحكمة السابق، عمر بلحاج، قد طلب إعفاءه من منصبه لأسباب شخصية، وفقاً لما أعلنه بيان رسمي للرئاسة الجزائرية. وقد استقبل الرئيس تبون بلحاج الذي سلّمه رسالة خطية بهذا الشأن. وفي وقت لاحق، أعلنت الخارجية الجزائرية تعيينه سفيراً لدى دولة الكويت، خلفاً لعبد القادر قاسمي الحسيني، الذي عُين سفيرا في سوريا.

صلاحيات واسعة.. واستقلالية قانونية

المادة 185 من الدستور الجديد منحت المحكمة صلاحيات واسعة، منها تفسير أحكام الدستور والفصل في الخلافات بين السلطات، وضبط سير المؤسسات الدستورية. كما يمكن لـ40 نائباً من البرلمان أو 25 من مجلس الأمة إخطار المحكمة بشأن قضايا دستورية.

وفي مناسبتين منذ تأسيسها، أُخطرَت المحكمة بتفسير أحكام دستورية؛ الأولى من رئيس المجلس الشعبي الوطني، والثانية من نواب البرلمان.