شهدت الكويت لقاءً غير تقليدي جمع النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف مع رؤساء تحرير الصحف المحلية، حيث تحوّل الاجتماع إلى حوار مطوّل اتسم بالمصارحة والشفافية، بعيداً عن القوالب المعتادة للمؤتمرات الصحافية. اللقاء، الذي جرى في منزل الوزير، تضمن مناقشة ملفات حساسة تتعلق بالجنسية، أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وأولويات وزارة الداخلية في المرحلة المقبلة.

اليوسف أوضح في بداية حديثه أن الدولة تواجه إرثاً من التحديات تراكم عبر أربعة عقود، نتيجة ممارسات سياسية وأخطاء إدارية، مؤكداً أن الإصلاح عملية تحتاج إلى وقت، ولا يمكن إنجازها في فترة قصيرة. وقال إن «القانون هو المرجعية، والقرارات تسير بمسطرة واحدة للجميع».

ملف الجنسية تحت المجهر

من أبرز القضايا التي تناولها اللقاء ملف الجنسية، حيث أشار الوزير إلى أن قرارات سحب الجنسية وفق المادة الثامنة استندت إلى رأي قانوني من سبعة خبراء دستوريين أجمعوا على أن منح الجنسية لا يتم إلا بمرسوم. وبحسب ما عرضه، فإن بعض حالات التجنيس منذ عام 1987 تمت بقرارات لا بمراسيم، وهو ما اعتبره مخالفاً.

وأكد أن التحقيقات أظهرت وجود حالات تلاعب مرتبطة بزواج صوري سرعان ما ينتهي بالطلاق بعد الحصول على الجنسية، وأن بعض هذه الممارسات ارتبطت بمصالح انتخابية. ومع ذلك، شدد على أن معظم من طالتهم قرارات السحب حصلوا على حقوقهم، باستثناء حالات محدودة تبيّن فيها وجود مخالفات جسيمة.

كما كشف أن من فقدوا الجنسية سيُمنحون بطاقات مدنية زرقاء تجدد كل خمس سنوات، تخوّلهم الاستفادة من معظم الامتيازات، باستثناء حمل الجواز الكويتي.

لجنة التظلمات وتطبيق القانون

الوزير تطرق أيضاً إلى عمل لجنة التظلمات، مؤكداً أنها لجنة حيادية تضم شخصيات معروفة بالكفاءة، وتراجع جميع الملفات بتفصيل. وأشار إلى أن الوزارة حريصة على أن يتم تطبيق القانون بشكل كامل، لافتاً إلى أن ممارسات سابقة سمحت بوجود ثغرات في عمل بعض المخافر، وهو ما قال إنه لم يعد قائماً اليوم.

عام 2005... ذروة التجنيس

في سياق الحديث عن تاريخ التجنيس، أشار اليوسف إلى أن عام 2005 شهد النسبة الأكبر من عمليات التجنيس، إذ بلغت نحو 40 في المئة من مجمل الحالات، مضيفاً أنه لا يملك تفسيراً دقيقاً لسبب هذا الارتفاع الكبير. كما أشار إلى أن بند «الأعمال الجليلة» استُخدم بكثافة في ذلك العام، حيث جُنس بموجبه نحو 700 شخص.

تشريعات جديدة قيد الإعداد

أكد الوزير أن وزارة الداخلية تعمل على إعداد قانون جديد للجنسية الكويتية، سيتم عرضه أولاً على اللجنة القانونية في مجلس الوزراء قبل إحالته إلى البرلمان، مشدداً على رغبته في تسريع اعتماده. وإلى جانب ذلك، أوضح أن الحكومة في مراحلها النهائية لإعداد قانون خاص بالمقيمين بصورة غير قانونية، يهدف إلى منحهم إطاراً واضحاً للإقامة بشكل قانوني مع أسرهم.

وذكر أن نحو 425 شخصاً من هذه الفئة بادروا بالفعل إلى تعديل أوضاعهم وكشف جنسياتهم الأصلية، وحصلوا في المقابل على امتيازات. لكنه حذّر من أن من لن يبادر لتصحيح وضعه بعد صدور القانون سيعامل كلاجئ أو نازح.

إذن المغادرة والانفتاح على الزوار

اليوسف دافع عن شرط الحصول على إذن المغادرة للعمالة في القطاع الخاص عند سفرها، معتبراً أن الهدف منه ضمان الحقوق للعامل وصاحب العمل والدولة. وذكر أن 300 ألف إذن سفر تم إصداره من دون مشاكل تذكر، باستثناء 30 حالة تمت معالجتها.

وعلى صعيد آخر، أوضح أن قرارات فتح الزيارات بمختلف أنواعها تحمل بعداً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، مشيراً إلى أن الكويت تسعى إلى تعزيز انفتاحها على العالم. وفي هذا السياق، أعلن وزير الإعلام خلال اللقاء عن إطلاق حملة منتصف سبتمبر، تشمل منصة «visit Kuwait» لتسهيل إجراءات التأشيرات عبر خدمة «كويت فيزا».

تزوير الجناسي... أرقام لافتة

كشف وزير الداخلية عن حجم التلاعب في ملف الجنسية، مشيراً إلى أن بعض الحالات تضمنت تسجيل أعداد غير معقولة من الأبناء وصلت إلى سبعين. واعتبر أن الكويت واجهت تحدياً فريداً في هذا الملف مقارنة بدول أخرى، مؤكداً أن الحكومة تعرض تفاصيل هذه القضايا على اللجان الدولية، بما في ذلك لجان الأمم المتحدة المختصة بحقوق الإنسان.

30800... «ثامنة»

إجمالي ما تم سحبه من جنسيات زوجات الكويتيين اللاتي حصلن على الجنسية بموجب المادة الثامنة بلغ ثلاثين ألفاً ونحو 800 جنسية.

وأشار الشيخ فهد اليوسف، إلى أنه تم الاستناد على كشوف جاهزة في التحديد، فيما تواصلت عمليات التدقيق على الأسماء والمطابقة ما بين الأنظمة الورقية والإلكترونية لضمان عدم وجود أخطاء.

المادة الثامنة في الكويت كانت نصاً في قانون الجنسية السابق يمنح الجنسية الكويتية تلقائياً لزوجة الأجنبية للكويتي بعد مرور خمس سنوات على زواجها، ولكن تم إلغاؤها بموجب مرسوم في ديسمبر 2024 لتصبح زوجة الكويتي الأجنبية لا تُمنح الجنسية الكويتية تلقائياً.

6000 حالة تزوير كُشفت

قال الشيخ فهد اليوسف، إن إجمالي حالات سحب الجنسية من المزوّرين بلغ نحو 6000 حالة.

وإذ نوّه إلى أهمية الخط الساخن لتلقي البلاغات عن مزوري الجنسية، أكد الشيخ فهد اليوسف عدم وجود بلاغات كيدية.

ورداً على سؤال إن كان صرف مكافآت للمبلغين الذين يدلون ببيانات دقيقة تؤدي إلى كشف المزيد من المزورين ممكناً؟ كانت إجابته (ومن قال إننا لا نصرف الأموال).. وأضاف أن هناك مكافآت تُدفع للتتبع وكشف حالات التزوير.

مواجهة المخدرات

انتقل الوزير للحديث عن المخدرات، التي وصفها بأنها «مشكلة كبيرة» تواجه الكويت. وقال إن الوزارة تمكنت من تقليص التهريب عبر البحر بفضل الاعتماد على طائرات «درون»، ما جعل عمليات التهريب البحري شبه منعدمة. وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية تضبط يومياً كميات من المواد المخدرة، لكن الإعلان يقتصر على القضايا الكبيرة.

كما كشف عن خطط لإنشاء مراكز متخصصة لإعادة تأهيل المدمنين، أحدها في منطقة الصليبية، وآخر قيد التحديد في منطقة زراعية مثل العبدلي أو الوفرة، بحيث تكون المراكز مطابقة للمعايير الدولية.

بين ضغوط العمل وتعدد الملفات

وفي ختام اللقاء، تحدث الشيخ فهد اليوسف عن ضغط العمل الملقى على عاتقه، قائلاً إنه لا ينام أكثر من ساعتين يومياً بسبب تعدد الملفات، بين رئاسته للجنة تحقيق الجنسية ومهامه كوزير للداخلية ونائب أول لرئيس الوزراء. وأكد أن الوزارة تتابع ملفاتها بشكل ميداني ويومي، باعتبارها الجهة المسؤولة عن أمن الكويت واستقرارها.