دخلت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة مرحلة خطيرة مع استمرار عملية اجتياح مدينة غزة وتهجير سكانها وتفجير مبانيها السكنية وجميع البنى التحتية والمرافق الحيوية فيها لجعلها غير صالحة للسكن.
وتدفع التطورات الميدانية في القطاع إلى توتر كبير على الحدود مع مصر، لا سيما في رفح مع تدفق المزيد من النازحين من شمالي القطاع إلى منطقة إيواء صغيرة جداً.
وفي هذا السياق، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن منطقة المواصي في خان يونس ورفح، باتت تضم نحو مليون نسمة، وهي منطقة تعرضت لأكثر من 110 غارات جوية وقصف متكرر خلفت ما يزيد على ألفي شهيد، وباتت تفتقر بشكل كامل إلى مقومات الحياة الأساسية والعيش فيها أقرب إلى المستحيل.
مضيفاً أن المساحة التي خصَّصها إسرائيل في خرائطه كمناطق «إيواء» لا تتجاوز 12% فقط من مساحة قطاع غزة، وأن إسرائيل يحاول حشر أكثر من 1.7 مليون إنسان داخل هذه المناطق.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أغلق أمس طريق صلاح الدين أمام حركة النازحين نحو الجنوب، ودعاهم إلى الانتقال جنوباً عبر شارع الرشيد الساحلي فقط.
ويعد هذا الشارع مكتظاً بالساعين للتوجه إلى جنوب القطاع، كما أن المدة التي يستغرقها ذلك والتكلفة، تشكلان عائقاً رئيسياً أمام النازحين.
وتسعى إسرائيل إلى إكمال مشروعه بتهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، ما من شأنه أن يفجر الوضع العسكري على الحدود، وبدأت مصر بالاستعداد لاحتمال تدفق موجات نزوح من غزة باتجاه الحدود، في ظل تزايد ضغوط الجيش الإسرائيلي في القطاع.
وفي هذا السياق، ذكرت القناة الـ12 العبرية أن سلطات إسرائيل رصدت في الآونة الأخيرة تعزيز مصر لترسانتها العسكرية في سيناء، ولوحظ بناء أنفاق تحت الأرض تستخدم لتخزين الصواريخ وتجهيز مدرجات لاستخدامها للطائرات الحربية.
وكانت صحيفة الأخبار اللبنانية نقلت أمس (السبت) عن مسؤول مصري رفيع المستوى بأن القادة المصريين تلقوا تعليمات بعدم إطلاق النار على أي شخص يقترب من الحدود، وأضاف أن القاهرة ألمحت إلى إمكانية تصعيد عسكري فوري في حال وجود عدد كبير من النازحين.
وأضاف المسؤول المصري أنه في هذه الحالة، وخلال 72 ساعة، سيضاعف المصريون عدد قواتهم، وينقلون أسلحة ثقيلة وطائرات إلى سيناء، بما في ذلك المنطقة منزوعة السلاح، لأن ذلك «يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري».
وفي هذا السياق، أيضاً، كشف موقع أكسيوس، نقلاً عن مسؤولين بواشنطن وتل أبيب، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضغط على مصر لتقليص الحشد العسكري الأخير في سيناء بعد أن بات هذا الحشد العسكري المصري نقطة توتر أخرى مهمة مع استمرار الحرب.
وقدم نتانياهو لوزير الخارجية ماركو روبيو، خلال لقائهما في القدس يوم الاثنين الماضي، قائمة بالأنشطة في سيناء التي زعم أنها تشكل انتهاكات جوهرية من جانب مصر لاتفاقية السلام التي أبرمتها مع إسرائيل عام 1979، والتي تعمل الولايات المتحدة كضامن لها.
وقال مسؤولان بتل أبيب إن المصريين يعملون على إنشاء بنية تحتية عسكرية - بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية - في المناطق التي لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب المعاهدة.
زاعمين أن المصريين قاموا بتوسيع مدارج القواعد الجوية في سيناء، حتى تتمكن الطائرات المقاتلة من استخدامها، كما قاموا ببناء منشآت تحت الأرض تعتقد مخابرات كيان الاحتلال أنها يمكن أن تستخدم لتخزين الصواريخ.
ويقول المسؤولون إنه لا يوجد دليل على تخزين الصواريخ في تلك المنشآت، لكن المصريين لم يقدموا تفسيرا معقولا لغرضهم عندما سألتهم تل أبيب عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية.
وقال مسؤول بتل أبيب إن إسرائيل قررت أن يطلب من إدارة ترامب التدخل بعد أن لم تظهر المحادثات المباشرة مع المصريين أي تقدم.
وقال مسؤول ثان «إن ما يفعله المصريون في سيناء أمر خطير للغاية ونحن قلقون للغاية». مضيفا أن الوضع أصبح أسوأ بسبب قيام قوة المراقبين المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة بتقليص طلعاتها الجوية فوق سيناء بشكل كبير، ما يحد من قدرتها على مراقبة الوضع.
وأفادت التقارير أن مصر تأمل أن يردع استعراض القوة في سيناء تل أبيب عن تهجير السكان في المدى القريب.
وفي «القمة الطارئة» التي عُقدت في قطر مطلع هذا الأسبوع، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن «السلوك الإسرائيلي المنفلت يُزعزع الاستقرار، وسيُؤدي إلى صراع خطير يدفع المنطقة إلى التصعيد» وينذر بانهيار اتفاقيات السلام وجعل المزيد من التطبيع مع دول المنطقة مستحيلا.
استمرار الإبادة
ميدانياً، استمرت حرب الإبادة الجماعية في غزة، وشن كيان الاحتلال قصفاً عنيفاً على مدينة غزة أسفر عن استشهاد وإصابة العشرات، وذكرت مصادر في مستشفيات القطاع أن 61 فلسطينيا استشهدوا منذ فجر السبت، بينهم 49 في مدينة غزة، من ضمنهم أفراد من عائلة مدير مجمع الشفاء الطبي د. محمد أبو سلمية في قصف الاحتلال مخيم الشاطئ.
وقد وثقت مشاهدٌ وداع أبو سلمية عددا من أفراد عائلته الشهداء.
وقال جيش الاحتلال إنه نفذ أكثر من 100 غارة على القطاع، وشملت الأهداف الأنفاق ومستودعات الأسلحة وخلايا حماس والبنية التحتية الأخرى التي تستخدمها فصائل المقاومة.
وفي مدينة غزة، أفاد الجيش بأن الفرقة 98 تواصل توسيع عملياتها، وقد دمّرت بنيةً تحتيةً لحماس، بما في ذلك أنفاق، ومبان مفخخة، ومواقع يستخدمها عناصر حماس، على حد زعمها.
وأضاف الجيش أن عددًا من عناصر حماس، بينهم قادة ميدانيون، استشهدوا أيضًا.
وتقول القوات الإسرائيلية إن الفرقة 162، التي تعمل أيضًا في مدينة غزة ومنطقة كفر جباليا، اغتالت عددًا آخر من النشطاء - بما في ذلك من خلال توجيه ضربة بطائرة بدون طيار - ودمرت البنية التحتية لحماس.
وفي مكان آخر شمال غزة، يقول الجيش الإسرائيلي إن قوات الفرقة 99 وجهت ضربات إلى العديد من البنى التحتية لحماس، وقتلت نشطاء من الحركة.
وفي جنوب القطاع، دمرت فرقة غزة مواقع إضافية لحماس، بما في ذلك الإنفاق، وقتلت عدداً من النشطاء في خان يونس ورفح.
حالة عطش شديد
هذا، وقال المتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه أن هناك حالة عطش تجتاح مدينة غزة بعد تدمير إسرائيل 75% من الآبار المركزية. متوقعاً أن يواجه سكان مدينة غزة مزيدا من المشاكل مع قرب حلول فصل الشتاء.
وأضاف: «نحن غير قادرين على تقديم الحد الأدنى من الخدمات لسكان مدينة غزة».