حذر تقرير جديد صادر عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) من أن سوء إدارة وإساءة استخدام موارد الأرض - التربة والمياه والتنوع البيولوجي - يهدد صحة واستمرار بقاء العديد من الأنواع على الأرض، بما في ذلك الجنس البشري.

وقال التقرير الصادر عصر الأربعاء، إن ما يصل إلى 40% من أراضي الكوكب في حالة متدهورة، مما يؤثر بشكل مباشر على نصف البشرية، ويهدد ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي (44 تريليون دولار أميركي).

كما يوجه التقرير صانعي القرار إلى مئات من الطرق العملية للتأثير على استعادة الأراضي والنظم الإيكولوجية المحلية والوطنية والإقليمية.

وتم إعداد ذلك التقرير في خمس سنوات كامل. واشتركت فيه 21 منظمة وله أكثر من 1000 مرجع، ويقدم نظرة عامة على النطاق غير المسبوق لتدهور الأراضي كما يتوقع العواقب لثلاثة سيناريوهات حتى عام 2050 هي العمل كالمعتاد، أو استعادة 50 مليون كيلومتر مربع من الأرض، أو العمل على تدابير الاستعادة التي يتم تعزيزها من خلال الحفاظ على المناطق الطبيعية المهمة لوظائف النظام البيئي المحددة.

كما يقيِّم التقرير المساهمات المحتملة لاستثمارات استعادة الأراضي في التخفيف من آثار تغير المناخ، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والحد من الفقر، وصحة الإنسان وأهداف التنمية المستدامة الرئيسية الأخرى.

مخاطر غير مسبوقة

وبحسب ما ورد في التقرير؛ لم تواجه البشرية في أي مرحلة أخرى من التاريخ الحديث مثل هذه المجموعة من المخاطر المألوفة وغير المألوفة "حيث تفاعلت في عالم شديد الترابط وسريع التغير. لا يمكننا تحمل التقليل من حجم وتأثير هذه التهديدات الوجودية".

ويقول التقرير إن الحفاظ على مواردنا الأرضية واستعادتها واستخدامها بشكل مستدام أمر حتمي عالمياً، وهو أمر يتطلب اتخاذ إجراءات فورية على أساس الأزمة.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، إن الزراعة الحديثة غيرت وجه الكوكب أكثر من أي نشاط بشري آخر، "ونحن بحاجة إلى إعادة التفكير بشكل عاجل في أنظمتنا الغذائية العالمية، المسؤولة عن 80% من إزالة الغابات، و70% من استخدام المياه العذبة، والسبب الأكبر لفقدان التنوع البيولوجي الأرضي".

ويشير إلى أن الاستثمار في استعادة الأراضي على نطاق واسع هو أداة قوية وفعالة من حيث التكلفة لمكافحة التصحر وتآكل التربة وفقدان الإنتاج الزراعي، متابعاً: "كمورد محدود وأهم الأصول الطبيعية لدينا، لا يمكننا تحمل الاستمرار في أخذ الأرض كأمر مسلم به".

سيناريو استمرار التدهور

يتنبأ التقرير بالنتائج بحلول عام 2050 والمخاطر التي تنطوي عليها ثلاثة سيناريوهات أولها هو "العمل كالمعتاد" واستمرار الاتجاهات الحالية في تدهور الأراضي والموارد الطبيعية.

ويقول التقرير إنه بينما يستمر الطلب على الغذاء والأعلاف والألياف والطاقة الحيوية في الارتفاع، تستمر ممارسات إدارة الأراضي وتغير المناخ في التسبب في تآكل التربة على نطاق واسع، وانخفاض الخصوبة ونمو الغلات، وفقدان المزيد من المناطق الطبيعية بسبب التوسع في الزراعة.

في تلك الحالة؛ يتنبأ التقرير بتدهور 16 مليون كيلومتر مربع (تقريباً بحجم قارة أميركا الجنوبية) مع انخفاض مستمر وطويل الأجل في الإنتاجية الخضرية في 12-14% من الأراضي الزراعية والمراعي والمناطق الطبيعية وتضرر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ويقول التقرير إن ذلك السيناريو سيحفز انبعاثات إضافية تُقدر بنحو 69 جيجا طن إضافية من الكربون من 2015 إلى 2050 بسبب تغيّر استخدام الأراضي وتدهور التربة وهو ما يمثل 17% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري السنوية الحالية.

سيناريو "الاستعادة"

أما في حالة السيناريو الثاني وهو "الاستعادة"، افترض التقرير استعادة حوالي 5 مليارات هكتار (50 مليون كيلومتر مربع أو 35% من مساحة الأرض العالمية) باستخدام تدابير مثل الحراجة الزراعية وإدارة الرعي والتجديد الطبيعي المساعد. (التعهدات الدولية الحالية: 10 مليون كيلومتر مربع).

وقال التقرير، إن ذلك السيناريو سيزيد من غلة المحاصيل بنسبة 5-10% في معظم البلدان النامية مقارنة بخط الأساس. كما سيؤدي تحسين صحة التربة إلى زيادة غلات المحاصيل، مع تحقيق أكبر المكاسب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا جنوب الصحراء، مما يحد من ارتفاع أسعار الغذاء.

كما أن عمليات الاستعادة ستسهم في زيادة قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه بنسبة 4% في أراضي المحاصيل البعلية.

إلا أن التنوع البيولوجي سيستمر في التدهور، ولكن ليس بالسرعة نفسها، مع تجنب فقدان 11% من التنوع البيولوجي.

سيناريو "الاستعادة والحماية"

وفي السيناريو الثالث "الاستعادة والحماية" فيشتمل على تدابير الاستعادة، بالإضافة إلى تدابير الحماية للمناطق المهمة للتنوع البيولوجي، وتنظيم المياه، والحفاظ على التربة ومخزون الكربون، وتوفير وظائف النظم البيئية الحيوية.

يقول التقرير إن هذا السيناريو سيساهم في حماية 4 مليون كيلومتر مربع إضافية من المناطق الطبيعية (بحجم الهند وباكستان) وستكون أكبر المكاسب المتوقعة في جنوب وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية. وستمنع الحماية تدهور الأراضي عن طريق قطع الأشجار أو الحرق أو التجفيف أو التحويل.

وسيساهم تطبيق ذلك السيناريو في منع حوالي ثلث فقدان التنوع البيولوجي المتوقع في خط الأساس.

ويؤكد التقرير إن 44 تريليون دولار - ما يقرب من نصف الناتج الاقتصادي العالمي السنوي - معرضة للخطر بسبب فقدان رأس المال الطبيعي المحدود وخدمات الطبيعة.

وقد تصل العائدات الاقتصادية لاستعادة الأراضي والحد من التدهور وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري وفقدان التنوع البيولوجي إلى 125-140 تريليون دولار كل عام - ما يصل إلى 50% أكثر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي البالغ 93 تريليون دولار في عام 2021.

ويقول التقرير إن إعادة توظيف 1.6 تريليون دولار أميركي فقط في العقد القادم سيمكن الحكومات من الوفاء بالتعهدات الحالية لاستعادة حوالي مليار هكتار متدهورة بحلول عام 2030، بما في ذلك 250 مليون هكتار من الأراضي الزراعية.

وستساهم استعادة الأراضي والتربة والغابات والنظم البيئية الأخرى، بأكثر من ثلث التخفيف الفعال من حيث التكلفة، لتغير المناخ اللازم للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية مع دعم الحفاظ على التنوع البيولوجي والحد من الفقر وصحة الإنسان وأهداف التنمية المستدامة الرئيسية الأخرى.