بعد عقود من الدراسة، توصل باحثون إلى أنه لا وجود لدليل واضح على أن الاكتئاب ناجم عن انخفاض مستويات السيروتونين.
وتشير المراجعة الجديدة، بقيادة علماء جامعة كاليفورنيا، والتي حللت مجموعة من الدراسات الحديثة المنشورة في Molecular Psychiatry، إلى أنها من غير المحتمل أن تكون ناجمة عن اختلال التوازن الكيميائي، وتدعو إلى التساؤل عما تفعله مضادات الاكتئاب.
ومعظم مضادات الاكتئاب هي مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، والتي يقال في الأصل إنها تعمل عن طريق تصحيح مستويات السيروتونين المنخفضة بشكل غير طبيعي. ولا توجد طريقة أخرى مقبولة تؤثر بها مضادات الاكتئاب على أعراض الاكتئاب.
ويقول الباحثون إن النتائج التي توصلوا إليها مهمة حيث أظهرت أن ما يصل إلى 85-90% من الجمهور يعتقدون أن الاكتئاب ناجم عن انخفاض السيروتونين أو اختلال التوازن الكيميائي.
وقالت المؤلفة الرئيسية جوانا مونكريف، أستاذة الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا، وهي طبيبة نفسية استشارية في مؤسسة North East London NHS Foundation Trust (NELFT): "من الصعب دائما إثبات وجود سلبي، لكنني أعتقد أنه يمكننا القول بأمان أنه بعد إجراء قدر كبير من الأبحاث على مدى عقود عدة، لا يوجد دليل مقنع على أن الاكتئاب ناتج عن شذوذ في السيروتونين، لا سيما عن طريق المستويات المنخفضة أو انخفاض نشاط السيروتونين".
وتزامنت شعبية نظرية "عدم التوازن الكيميائي" للاكتئاب مع زيادة هائلة في استخدام مضادات الاكتئاب. وأشارت مونكريف: "كثير من الناس يأخذون مضادات الاكتئاب لأنهم يعتقدون أن اكتئابهم له سبب كيميائي حيوي، لكن هذا البحث الجديد يشير إلى أن هذا الاعتقاد لا يستند إلى أدلة".
وأضافت مونكريف: "يعاني آلاف الأشخاص من الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب، بما في ذلك آثار الانسحاب الشديدة التي يمكن أن تحدث عندما يحاول الناس إيقافها، ومع ذلك تستمر معدلات الوصفات الطبية في الارتفاع. ونعتقد أن هذا الموقف كان مدفوعا جزئيا بالاعتقاد الخاطئ بأن الاكتئاب ناتج عن اختلال التوازن الكيميائي. لقد حان الوقت لإبلاغ الجمهور أن هذا الاعتقاد لا يستند إلى العلم".
ونظرت المراجعة الشاملة في جميع الدراسات ذات الصلة التي وقع نشرها في أهم مجالات البحث حول السيروتونين والاكتئاب.
وكانت إحدى النتائج أن الأبحاث التي قارنت مستويات السيروتونين ونواتج تحللها في الدم أو سوائل الدماغ لم تجد فرقا بين المصابين بالاكتئاب والأشخاص الأصحاء.
ونظر الباحثون أيضا في الدراسات التي وقع فيها خفض مستويات السيروتونين بشكل مصطنع في مئات المشاركين.
ووقع الاستشهاد بهذه الدراسات على أنها تثبت أن نقص السيروتونين مرتبط بالاكتئاب.
لكن مراجعة البحث المتوفر في عام 2007 وعينة من الدراسات الحديثة، وجدت أن خفض السيروتونين بهذه الطريقة لم ينتج عنه اكتئاب لدى مئات المتطوعين الأصحاء.
وبحثت دراسات أخرى في آثار أحداث الحياة المجهدة، ووجدت أنه كلما زادت أحداث الحياة المجهدة التي مر بها الشخص زادت احتمالية تعرضه للاكتئاب.
ووجدت إحدى الدراسات المبكرة علاقة بين الأحداث المجهدة ونوع الجين الناقل للسيروتونين الذي يمتلكه الشخص واحتمال الإصابة بالاكتئاب.
ومع ذلك، تشير الدراسات الأكبر والأكثر شمولا إلى أن هذا كان نتيجة خاطئة.
وقادت هذه النتائج المؤلفين إلى استنتاج أنه "لا يوجد دعم للفرضية القائلة بأن الاكتئاب ناتج عن انخفاض نشاط أو تركيزات السيروتونين".
وتشير بعض الأدلة إلى أن الاعتقاد بأن الحالة المزاجية السيئة ناتجة عن اختلال التوازن الكيميائي يؤدي إلى أن يكون لدى الناس نظرة متشائمة بشأن احتمالية التعافي، وإمكانية إدارة الحالة المزاجية دون مساعدة طبية.
ووفقا للباحثين، هناك أيضا دليل من دراسات أخرى على أن الذين يستخدمون مضادات الاكتئاب لديهم مستويات أقل من السيروتونين في دمائهم.
ويقول الباحثون إن هذا يشير إلى أن بعض الأدلة كانت متسقة مع احتمال أن يؤدي استخدام مضادات الاكتئاب على المدى الطويل إلى تقليل تركيزات السيروتونين.
وقد يعني هذا أن زيادة السيروتونين التي تنتجها بعض مضادات الاكتئاب على المدى القصير يمكن أن تؤدي إلى تغييرات تعويضية في الدماغ تنتج تأثيرا معاكسا على المدى الطويل.
وأوضحت البروفيسورة مونكريف: "إننا لا نفهم ما تفعله مضادات الاكتئاب للدماغ بالضبط، وإعطاء الناس هذا النوع من المعلومات الخاطئة يمنعهم من اتخاذ قرار مستنير بشأن تناول مضادات الاكتئاب أم لا".
وحذر الباحثون من أن أي شخص يفكر في الانسحاب من مضادات الاكتئاب يجب أن يطلب مشورة أخصائي صحي.
ونُشرت نتائج البحث كاملة في مجلة Molecular Psychiatry.
وقال متحدث باسم الكلية الملكية للأطباء النفسيين: "تختلف فعالية مضادات الاكتئاب باختلاف الأشخاص، وأسباب ذلك معقدة، ولهذا من المهم أن تعتمد رعاية المرضى على احتياجات كل فرد وأن تتم مراجعتها بانتظام. والبحث المستمر في علاجات الاكتئاب مهم لمساعدتنا على فهم أفضل لكيفية عمل الأدوية بالإضافة إلى فعاليتها".