أ ف ب
خضعَ الروائي البريطاني سلمان رشدي لجراحة طارئة، إثر تعرّضه للطعن خلال مؤتمر في ولاية نيويورك الأميركية، الجمعة، وقال وكيل أعماله إنّه "وُضِع على جهاز التنفس الاصطناعي"، فيما تتواصل الإدانات الدولية للهجوم.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن أندرو ويلي (وكيل رشدي) قوله إنّ "الأنباء ليست جيّدة" وإن "من المحتمل أن يفقد سلمان إحدى عينيه، وقد قُطِعت أعصاب ذراعه وتعرّض كبده للطّعن والتلف".

وفور تعرّضه لهجوم على منصّة مركز ثقافي في تشوتوكوا شمال غربي ولاية نيويورك، نُقل رشدي بمروحيّة إلى أقرب مستشفى حيث خضع لجراحة طارئة، بحسب ما قال وكيله على تويتر، واعداً بتوفير معلومات منتظمة بشأن الوضع الصحّي للروائي البالغ من العمر 75 عاماً، ويعيش في نيويورك منذ سنوات عدّة.

وقال كارل ليفان وهو أستاذ علوم سياسيّة كان موجوداً في القاعة، لوكالة "فرانس برس" عبر الهاتف، إنّ رجلاً هرَع إلى المنصّة حيث كان رشدي جالساً، و"طعنه بعنف مرّات عدّة". وروى الشاهد أنّ المهاجم "حاول قتل سلمان رشدي".

هوية المعتدي

ولم تُقدّم الشرطة من جهتها تفاصيل بشأن حالة رشدي الصحّية، مكتفيةً بالقول إنّه خضع لجراحة.

وعرّفت الشرطة هوية المعتدي على أنّه هادي مطر (24 عاماً) من فيرفيلد بولاية نيوجيرسي، في حين لم تّتضح دوافعه حتّى الآن. وأشارت الشرطة إلى أنّ رشدي تعرّض للطعن في رقبته وبطنه.

وهرع عدد من الأشخاص إلى المنصّة وثبّتوا المعتدي أرضاً، قبل أن يعتقله أحد عناصر الأمن. وقدّم طبيب كان موجوداً بين الحاضرين إسعافات أوّليّة لرشدي قبل وصول رجال الإسعاف.

إدانات دولية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن، الجمعة، تضامنه مع رشدي، قائلاً في تغريدة على تويتر "إننا اليوم إلى جانبه أكثر من أيّ وقت مضى".

وأضاف ماكرون "منذ 33 عاماً، يُجسّد سلمان رشدي الحرّية ومحاربة الظلامية... نضاله هو نضالنا، وهو نضال عالميّ. اليوم، نقف إلى جانبه أكثر من أيّ وقت مضى".

من جانبها، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا على تويتر، إنّ "الهجوم على سلمان رشدي عمل دنيء.. شجاعته وحبه للحرية تهمنا جميعاً"، مؤكدة أنّ "حرية الضمير والتعبير ضرورية ضد التعصب".

أما رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، فقد أدان الهجوم الذي قال إنه تسبب في "ترويعه"، وكتب في تغريدة على تويتر أن "السير سلمان رشدي" تعرض للطعن "أثناء ممارسته حقاً"، في إشارة إلى حرية التعبير، مضيفاً "علينا ألا نتوقّف عن الدفاع عنه".

بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إنّه يشعر بالجزع حيال هذا الهجوم، مضيفاً على لسان المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك "الكلمات لا يمكن بأي حال من الأحوال الرد عليها بالعنف".

وفي واشنطن، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في بيان "شهدت البلاد والعالم اعتداءً بغيضاً على الكاتب سلمان رشدي. هذا العمل العنيف مروع. كلنا في إدارة (الرئيس جو) بايدن (ونائبته كامالا) هاريس نصلي من أجل شفائه العاجل".

وأضاف: "نحن ممتنون للمواطنين الطيبين، ومسعفي الطوارئ لمساعدة السيد رشدي بسرعة كبيرة بعد الهجوم، ولسلطات إنفاذ القانون على عملها السريع والفعال الذي يجري حالياً".

وقالت الشرطة في بيان إنّه نحو الساعة 11:00 (15:00 بتوقيت جرينتش) "هرع مشتبه به إلى المنصّة وهاجم رشدي ومُحاوره. تعرّض رشدي للطعن في العنق ونقِل بالمروحيّة إلى مستشفى في المنطقة".

وقالت حاكمة ولاية نيويورك الديمقراطية كاثي هوكل إنّ رشدي على قيد الحياة، ووصفته بأنّه "فرد أمضى عقوداً يواجه السلطة بالحقيقة"، مضيفة: "ندين كلّ أشكال العنف، ونريد أن يشعر الناس بأنّهم أحرار في قول الحقيقة وكتابتها".

واعتقل عنصر مكلّف بضبط الأمن، المشتبه به، فيما تعرّض محاور رشدي لإصابة في الرأس.

وأظهرت تسجيلات فيديو تمّ تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي أشخاصاً يُسرعون لنجدة الكاتب بعد تعرّضه للاعتداء.

اختفاء طوال 10 سنوات

اشتهر رشدي بعد إصداره روايته الثانية "أطفال منتصف الليل" في عام 1981 التي حازت تقديرات عالمية وجائزة "بوكر" الأدبية. وتتناول الرواية مسيرة الهند من الاستعمار البريطاني إلى الاستقلال وما بعده.

لكنّ روايته "آيات شيطانيّة" التي صدرت في عام 1988 أثارت جدلاً كبيراً، وأصدر مرشد الثورة الإيرانية الخميني فتوى بهدر دمه.

واضطرّ رشدي المولود في الهند لأبوين مسلمين، إلى الاختفاء بعدما رُصِدت جائزة ماليّة لمَن يقتله، وهي لا تزال سارية.

ووضعت الحكومة البريطانية رشدي تحت حماية الشرطة في المملكة المتحدة، وتعرّض مترجموه وناشروه للقتل أو لمحاولات قتل.

وفي عام 1991 قُتل الياباني هيتوشي إيجاراشي الذي ترجم كتابه "آيات شيطانيّة" طعناً.

وبقي رشدي متوارياً نحو 10 سنوات، وقد غيّر مقرّ إقامته مراراً وتعذّر عليه إبلاغ أولاده بمكان إقامته. ولم يستأنف ظهوره العلني إلا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بعدما أعلنت إيران أنها لا تؤيد اغتياله.

ورشدي مقيم حالياً في نيويورك وهو ناشط في الدفاع عن حرية التعبير، وقد دافع بشدّة عن صحيفة "شارلي إبدو" الساخرة الفرنسيّة بعدما استهدفها مسلحون بهجوم في عام 2015، قاموا خلاله بتصفية موظّفين فيها؛ ولا سيّما أعضاء في هيئة التحرير.

وكانت الصحيفة قد أعادت نشر رسوم للنبي محمد أثارت ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي.

وبقي إطلاق التهديد والمقاطعة يلاحقان المناسبات الأدبية التي يشارك فيها رشدي، كما أثار منحه لقب فارس "سير" في بريطانيا في عام 2007 احتجاجات في إيران وباكستان، حيث قال أحد الوزراء إنّ "التكريم يبرر التفجيرات الانتحاريّة".

لكنّ فتوى هدر دمه لم تُثنِ رشدي عن الكتابة وعن إعداد مذكّراته في رواية بعنوان "جوزيف أنطون"، وهو الاسم المستعار الذي اعتمده إبّان تواريه عن الأنظار، وقد كتبها بصيغة الغائب.

وروايته "أطفال منتصف الليل" الواقعة في أكثر من 600 صفحة تم تكييفها للمسرح والشاشة الفضّية، وتُرجمت كتبه إلى أكثر من 40 لغة.

وفي خريف عام 2018، قال رشدي "مَرّ 31 عاماً"، مضيفاً: "الآن كلّ الأمور تسير بشكل جيد. كنت في الـ41 حينها (حين صدرت الفتوى)، حالياً أبلغ 71 عاماً. نعيش في عالم تتغيّر فيه دواعي القلق بسرعة كبيرة. حالياً، هناك أسباب كثيرة أخرى تبعث على الخوف، أشخاص آخرون يتعيّن قتلهم...".