يرى علماء النفس أن الحقيقة تمثل إحدى القوى القادرة على قلب الواقع 180 درجة، فمن الالتقاء مع الحقيقة تحدث التحولات الكبيرة، سواء على الصعيد الفردي أو على مستوى المجتمع ككل.
فمثلما تنتج عن الكذب سلسلة كبيرة من الأخطاء، فإن الحقيقة تولد سلسلة من القرارات والحلول والنجاحات.
ومن الحقيقة تحديدا، يبني الإنسان أسس واقع مستقر جدير بالثقة الكاملة، ومنها أيضا تنشأ قوة داخلية في قلوب الناس، لا تنهار أمام أي مطب، ولكن ما هي الحقيقة وكيف نصل إليها؟
كلمة ”الحقيقة“، وفقا لدراسة تناولها تقرير موقع nospensees قبل أيام، مصطلح مثير للجدل، فهناك حقائق مطلقة، وحقائق علمية، وحقائق ذاتية، وحقائق تاريخية.
ومجال الحقيقة تسكنه أنواع وألوان مختلفة تماما، نحن نطلق اسم ”الحقيقة“ على كل خطاب ينقل حقائق حدثت بالفعل في واقعنا، وعلى سبيل المثال، أنت تعيش في مكان معين، أو ذهبت أمس إلى السوبر ماركت، أو أننا على قيد الحياة.
ومن بين هذه الحقائق لا شك أن بعضها حقائق مطلقة وبعضها الآخر نسبي. الحقيقة المطلقة هي أننا جميعا ولدنا من رحم امرأة، والحقيقة النسبية هي أن الوقت نهار أو ليل.
المظاهر تخدعنا كثيرًا، كما نضع عصا في كوب من الماء فنرى أنها تنحني وتنطوي، فيما هي في الواقع تظل مستقيمة، أو عندما ”نخمن النوايا“ في تصرفات الآخرين، كأن نظن أن تأخرهم دليل على عدم اهتمامهم.
وعلى المستوى العلمي والفلسفي، أدت هذه الصعوبة في الوصول إلى الحقيقة إلى إثارة الجدل الذي استمر لقرون من الزمن في عالمنا اليومي، فالأمر مصدر للصراع والارتباك وسوء الفهم.
ومثلما تسود بعض الحقائق المطلقة، هناك حقائق تفرض نفسها يوميًا ولكنها صحيحة فقط بالنسبة للشخص الذي يعيشها.
أين الحقيقة؟
بعبارة أخرى، يبدو أنه محكوم علينا بأننا لن نتمكن إطلاقا من الوصول إلى معظم الحقائق، فهل هناك طريقة لبناء حقائق ثابتة ومطلقة في حياتنا اليومية تسندنا وتحررنا من عدم اليقين؟.
في عالم الذاتية البشرية لا توجد حقائق مطلقة، لا أحد يستطيع أن يقول بشكل من أشكال اليقين إن هناك شيئا ”صحيحا“ بشكل مطلق، أو ”خاطئا“ تماما فيما يتعلق بالتصورات والمشاعر والانفعالات.
على الرغم من مفهوم ”العادية“ الشائع فمن المستحيل عمليا العثور على شخص يطابق تماما هذه الصورة النمطية، أو يستطيع أن يخرج عنها تماما.
في الواقع يمكننا القول إن كل شخص يحمل على عاتقه مهمة بناء الحقيقة حول نفسه، فهو كما هو لأسباب محددة. وهو ليس من ليس هو (أي شخص آخر) للسبب نفسه، فضلا عن ذلك فهو يشعر أو يعاني بشدة بشكل أو بآخر بسبب خصائصه وهي فريدة.
هذه الرحلة غير العادية في أعماق الذات هي أيضا مصدر أعظم نقاط القوة التي يمكن أن نحصل عليها كأفراد في الحياة.
لا شك أن معرفتنا لحقائقنا الجوهرية هي التي تحررنا من تفويض الآخرين الذي يجعلنا في النهاية أشياء لا تمثلنا. لسنا مضطرين لأن نلتزم بتصور مسبق للنجاح أو الطيبة أو أي شيء آخر، كما أننا لسنا ملزمين أن نبني أنفسنا وفقا لنموذج ابتكره شخص آخر.
ومن هذا الاعتراف بحقائقنا الجوهرية تحديدًا نستطيع الحصول على القوة الحيوية الكافية للكفاح من أجل ما نؤمن به حقًا.
وعندما يحدث العكس، أي عندما لا نعيش إلا للتوافق مع حقائق الآخرين وإرضائهم تصبح قوتنا الحيوية ضعيفة ومرتخية. نصبح خائفين ومعتمدين على نظرة الآخرين من حولنا. من المهم أيضًا التأقلم مع الحقائق الجماعية، مثل احترام القوانين التي توحدنا في المجتمع، وكذلك اكتشاف حقائقنا الشخصية التي تمنح دلالة لشخصيتنا الحقيقية ولِما نريد أن نكون عليه.